تأسيس جماعة الإخوان المسلمين

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بتاريخ 11/11/1918 وانهيار الإمبراطورية العثمانية وتفككها وإلغاء "الخلافة الإسلامي سنة 1924 وظهور النزعة القومية الشعوبية بقيادة مصطفى كمال أتاتورك في تركيا، ونتيحة لتعرض المجتمعات العربية عموماً لموجات حداثة فكرية غربية وتيارات إيديولوجية أجنبية أثرت عليها سلبًا وإيجابًا، بدأت هذه الموجات المتلاحقة بإعادة تشكيل ورسم هوية وثقافة الوطن العربي ومنها: نمو الروح القومية العربية بديلاً للأمة الإسلامية والخلافة العثمانية، ظهور الفكر الشيوعي والاشتراكي مع دخول تيارات إيديولوجية علمانية وليبرالية بتوجهات سياسية يمينية ويسارية، إنتشار حركات التحرر والإستقلال عن الإستعمار، تزايد القوة العسكرية وأهميتها، الهيمنة الغربية على المنطقة العربية، سيادة مفهوم المجتمع الدولي (عصبة الأمم)، تغلغل فكرة الحرية والديمقراطية على إختلاف مشاربها، مع موجة عاتية من الإنحلال الأخلاقي لم يسبق لها مثيل. وبدأ القلق يتزايد بين وجهاء البيئة الإجتماعية العربية ومشائخ الطرق الدينية ورؤساء المذاهب الإسلامية التقليدية في مصر وبلاد الشام بسبب التحولات الإجتماعية المتسارعة واجتياح الأفكار الأجنبية الغريبة نتيجة الإستعمار والإنتداب، وخاصة الإحتلال البريطاني لمصر عندما تمكن البريطانيون من هزيمة الجيش المصري في معركة التل الكبير بتاريخ 14/09/1882 وسيطرتهم على البلاد حتى إندلاع الثورة المصرية بتاريخ 23/07/1952 التي حولت المملكة المصرية إلى دولة جمهورية، والإنتداب الفرنسي على سورية ولبنان بعد معركة ميسلون بتاريخ 24/07/1920 والذي استمر حتى 17/04/1946 وهو تاريخ استقلال سورية بعد جلاء المستعمر الفرنسي عنها. 

ويُعتبر حسن البنَّا[1] هو مؤسس حركة الإخوان المسلمين في مصر سنة 1928 وكان المرشد الأول لها[2]، لكن يقول اللواء فؤاد علام الذي كان ضابط في جهاز مباحث أمن الدولة في مصر[3]: "وأحمد السكري هو المؤسس الحقيقي لجماعة الإخوان المسلمين في المحمودية 1920.. وحسن البنا ليس المؤسس الحقيقي لها بل سرقها من السكري وبعد أن استولى عليها طرد السكري من الجماعة وتنكر له"!

وتوصف حركة الإخوان المسلمين في مصر بأنها منظمة سياسية إسلامية مجاهدة تهدف إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في الحياة اليومية، وإعادة الحكم الإسلامي كما كان زمن الخلفاء الراشدين بناءً على مقولة: "إن الإسلام عقيدة وعبادة ووطن وجنسية ودين ودولة وروحانية ومصحف وسيف". وأرسل حسن البنَّا نصيحة[4] إلى الإخوان قال فيها:

العمل مع أنفسنا هو أول واجباتنا؛ فجاهدوا أنفسكم واحملوها على تعاليم الإسلام وأحكامه، ولا تتهاونوا معها في ذلك بأي وجه من الوجوه.

أدوا الفرائض، وأقبلوا على الطاعة، وفروا من الإثم، وتطهروا من العصيان، وصِلوا قلوبكم ومشاعركم دائمًا بالله الذي له ملك السموات والأرض.

قاوموا الكسل والعجز، ووجهوا شبابكم ومشاعركم وعواطفكم إلى الفضيلة الطاهرة النقية، وخالفوا نزعات الطيش ومضلات الهوى، واحرصوا على الوقت فلا تصرفوه في غير فائدة، وحاسبوا أنفسكم فيه حسابًا عسيرًا، واحذروا أن تمر بكم دقيقة واحدة لا تكون لأحدكم فيها عمل طيب وسعي مبروك.

والعمل مع بيوتكم وأسركم- أيها الإخوان- أقدس واجباتكم؛ فالأمة هي مجموعة هذه الأسر، وإذا قويت دعائم الأسرة قوي بناء الأمة، واطمأننا على الجيل الجديد كل الاطمئنان.

فتلطفوا مع أهليكم وأسركم وأصدقائكم وأقربائكم، واحملوهم جميعًا على خطتكم، وأقنعوهم في أدب ولطف ومنطق وحجة بوجاهة رأيكم واعتدال طريقتكم وفائدة عملكم؛ حتى يكونوا معكم فيما أنتم بصدده من عمل مجيد نبيل.

ووحدتكم- أيها الإخوان- وارتباطكم هو السلاح الأول، وهو أقوى الأسلحة في أيديكم؛ فاحرصوا على هذه الوحدة، وكونوا دائمًا مع الجماعة، ولا تخالفوا عن أمر إخوانكم، ولا تفرقن بينكم المشاغل الزائلة ولا الأوهام القاتلة.

انشروا الفكرة في كل محيط يتصل بكم: في الحوانيت والشوارع، والبيوت والمساجد، والمقاهي والمجالس العامة والخاصة، وفى القرى والريف، والمدن والعواصم، وفي المصانع والمعامل، والحقول والمدارس.

واجمعوا قلوب الناس جميعًا على كتاب الله وتحت لواء محمد- صلى الله عليه وسلم- أفضل خلق الله أجمعين ورحمة الله للعالمين، فلواؤه لواء الحمد، وشرعته منهاج الرشد، وهديه أفضل الهدي، ومن استظل بظله، وسار تحت رايته فاز في الدنيا بالنصر: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ﴾ (الحج: 40)، وفاز في الآخرة بالأجر: ﴿يَوْمَ لاَ يُخْزِى اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾ (التحريم: 8).

واجعلوا في كل شارع جماعة إخوانية، وفي كل قرية كتيبة قرآنية، وفي كل مدينة راية محمدية، وفي كل فج من الفجاج أخًا يهتف بمبادئكم وينادي بتعاليمكم، ويعطي كلمتكم، ويبايع بيعتكم، ويجهز نفسه ليظل مكانه في الصف. وإن يوم النداء لقريب.

وفي عام 1930 صدر القانون الأول للإخوان المسلمين (النظام الداخلي)[5] وقد وافقت عليه الجمعية العمومية في انعقادها الثالث بتاريخ 24/09/1930 ثم أتبعه الإخوان بصدور لائحة جمعية الإخوان المعدلة التي عدلت بعض نصوص هذا القانون في عام 1932

تمهيد: الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي المبعوث رحمة للعالمين بالبينات والهدى وعلى آله ‏وصحبه ومن قام بدعوته إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.‏

وبعده.. فهذا هو القانون الأساسي "لجمعية الإخوان المسلمين" تتقدم به إلى كل غيور على دينه وأمته راجين أن يكون عونًا لهم في هذا الواجب ‏الأقدس واجب الدعوة إلى الله ومنه سبحانه يستمدون المعونة والتوفيق، وهو نعم المولى ونعم النصير.‏

الباب الأول – في تأليف الجمعية واسمها

مادة 1- تألفت بمدينة الإسماعيلية عام 1347هـ 1928م جمعية تسمى "جمعية الإخوان المسلمين".‏

الباب الثاني – في مقاصد الجمعية

مادة 2- هذه الجمعية لا تتعرض للشئون السياسية أيًا كانت ولا للخلافات الدينية ولا صلة لها بفريق معين فهي للإسلام والمسلمين في كل مكان ‏وزمان.‏

مادة 3- تنحصر أغراض الجمعية في إصلاح حال المسلمين في فروع حياتهم الاجتماعية والخلقية على التفصيل الآتي:‏
‏‌أ- تقوية رابطة التعارف بينهم وتكوين وسط طاهر منهم في كل مكان يكون شعاره طاعة الله وتهذيب النفس وتعلم الدين الإسلامي وتتصل هذه ‏الأوساط بعضها ببعض حول المركز العام.‏
‏‌ب- نشر التعاليم الإسلامية ومقاومة الأمية بتعليم القراءة والكتابة لمن أحب ذلك من الإخوان والمحافظة على القرآن الكريم.‏
ج- الدفاع عن الإسلام في حدود القانون.‏
‏‌د- نشر الدعاية الصحية بين طبقات الأمة وبخاصة القرويين منهم.‏
‏‌ه- معالجة الأزمات الاقتصادية من ناحية وعظية إرشادية.‏
‏‌و- علاج الآفات الاجتماعية المتفشية في الأمة كالسكر والتخدير والمقامرة والبغاء ونحو ذلك.‏
‏‌ز- تشجيع أعمال الخير كمساعدة الفقراء وتجهيز الموتى ومعونة المشروعات الخيرية النافعة والقيام بها كلما أمكن الجمعية ذلك.‏

مادة 4- تسعى الجمعية إلى تحقيق أغراضها السالفة بالطرق الآتية وبكل طريق مشروع يساعد على ذلك.‏
‏‌أ- فتح مدارس لتعليم العلوم الدينية والمدرسية وفق منهاج خاص تضعه الجمعية ويسند إدارة هذه المدارس إلى حضرة الأستاذ حسن أفندي البنَّا ‏بصفته واضع أساس الفكرة ولما له من الخبرة الفنية كمعلم وله أن يختار من يساعدونه في هذه المهمة من رجال الجمعية أو من غيرهم.‏
‏‌ب- إنشاء مدارس ليلية لتعليم الشبان الدين الإسلامي من فقه وعقائد وأخلاق وسيرة نبوية مشفوعًا ذلك بسيرة الصحابة والتابعين رضوان الله ‏عليهم ولابد لكل مدرسة من مكان فسيح للصلاة.‏
‏‌ج- بذل النصيحة للمسلمين في المجامع العمومية كالمقاهي ونحوها وفي كل مجتمع مناسب وإنشاء ناد للتعارف الإسلامي إلى جانب المدرسة ‏الليلية.‏
‏‌د- إلقاء المحاضرات والكتابة في الصحف وتوزيع النشرات ونحو ذلك مما يدخل في باب الكتابة والنشر.‏
‏‌ه- تكوين الشعب والفروع في القرى المجاورة لكل بلد رئيس فيه مدرسة للإخوان.‏

وصدرت أولى نشرات الدعوة الإخوانية متمثلة في نشرة "رسالة المرشد" والتي ظهر منها عددان فقط الأول بتاريخ 02/01/1931، والثاني بتاريخ 19/09/1932 وقد‎ ‎تصدرت كلتاهما توجيهات من المبادئ السبعة للجماعة[6]:‏‎ 

1. سلامة الاعتقاد والاجتهاد في طاعة الله تبارك وتعالى وفق الكتاب‎ ‎والسنة.‏
2. ‏الحب في الله والاعتصام بالوحدة الإسلامية.‏
3. ‏التأدب بآداب الإسلام الحنيف.‏
4. ‏ترقية النفس والترقي بها إلى معرفة الله تعالى وإيثار الآخرة على‎ ‎الدنيا.‏
5. ‏الثبات على المبدأ والوفاء بالعهد مع اعتقاد أن أقدس المبادئ هو‎ ‎الدين.‏
6. ‏الاجتهاد في نشر الدعوة الإسلامية بين طبقات الأمة ابتغاء وجه الله.‏
7. ‏حب الحق والخير أكثر من أي شيء في الوجود.‏‎ ‎

وأُجريت تعديلات[7] على قانون الجماعة الأول في شهر يناير 1932م وكان من ‏أهم تلك التعديلات هو ما نصت عليه المادة (12) من القانون المعدل أن للمرشد العام للإخوان المسلمين أن يختار عنه نائبًا يكون رئيسًا للفرع، وهي ‏أول مرة يذكر فيها لقب "المرشد العام" للإخوان المسلمين.‏

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.‏

مادة 1-هذه هي اللائحة الداخلية لجماعة الإخوان المسلمين وهي تتم قانونهم الإداري وتوضح مجمله، وهي القسم الثاني من منهجهم الأساسي ‏وموادها في قوة مواد القانون تمامًا.‏

الباب الأول: "مقاصد الإخوان المسلمين ووسائلهم":‏

مادة 2- أهم الفضائل الإسلامية التي يتربى عليها الإخوان ما يأتي:‏

‏‌أ- تصحيح العقيدة الإسلامية والتوبة إلى الله من المعصية، والاجتهاد في الطاعة وفق السنة مع مجانبة البدعة، والإقبال على تعلم العلم ‏الإسلامي، والتعبد بتلاوة القرآن، والمأثور من أقوال الرسول – صلى الله عليه وسلم – وأفعاله.‏
‏‌ب- الحب في الله والبغض في الله والاعتصام بالوحدة الإسلامية وأخوة أهل الإيمان.‏
‏‌ج- التأدب بآداب الإسلام وحسن الخلق والتحلي بالفضائل: ‏من الحلم، والتسامح والكرم والتواضع، وما إلى غير ذلك من الأخلاق الكريمة، والتخلي عن أضدادها.. ‏وهذا هو القسم الأول من رتب مبادئ الإخوان المسلمين.‏
‏‌د- تربية النفس والرقي بها إلى الإيمان بالله إيمانًا صادقًا؛ ينتج التوحيد والإخلاص، والمراقبة والتوكل، والأنس بالله ومحبته، ويبعد عن أضدادها ‏من الرياء ومراعاة الخلق والغفلة عن الله.‏
‏‌ه- إيثار الآخرة على الدنيا بحيث يصير ذلك خلقًا للإخوان يحملهم على الاهتمام بشئون آخرتهم كاهتمامهم بشئون دنياهم أو أشد.‏
‏‌و- الشجاعة في الحق والثبات على المبدأ مع اعتقاد أن أقدس المبادئ هو "الدين".‏

وهذا هو القسم الثاني من مبادئ الإخوان المسلمين
‏ ‌ز- الأمل في النجاح وعدم اليأس وتقدير المرشد العام للإخوان، والسمع والطاعة له.‏
‏ ‌ح- حب العمل للمجموع، وتقديم مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد.‏
‏‌ط- الاجتهاد في نشر الدعوة الإسلامية بين طبقات الأمة حبًا في خيرها وسعادتها لا لشيء آخر من عرض الدنيا ومآربها.‏
وهذا هو القسم الثالث من مبادئ الإخوان المسلمين
‏ ‌ي-حب الحق والخير أكثر من كل شيء في الوجود مادة 2 فقرة "أ" من القانون.‏

مادة 3- وعلى حضرات الأعضاء حفظ هذه المبادئ العشرة حفظًا جيدًا والرجوع إلى شرحها في كتاب القول المبين في شرح مبادئ الإخوان ‏المسلمين.‏

الباب الثالث: المبايعات، والأوراد، والوظائف العبادية:‏

الفصل الأول: المبايعات:‏

مادة 16- كيفية المبايعة أن يجلس المُبَايِع أمام المُبَايَع كجلوسه للصلاة مستقبل القبلة مغمض العينين على طهارة كاملة، ثم يستحضر كل ‏منهما في قلبه عظمة الله تبارك وتعالى وحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وشخص المرشد ثم يلقنه المبايع صيغة البيعة وهو يرددها بعده ثم يتلو آية ‏ختام البيعة ثم يتلو آيات التعاهد (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ) [النحل: 91] الآية (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ) [الفتح: 10] الآية، ثم يدعو الله لمن يبايعه سرًا ‏ويأذنه بتلاوة ورد الإخوان ووظائفهم، ثم يلقنه الشهادتين ويصليان ويسلمان على النبي صلى الله عليه وسلم وبذلك تتم البيعة ويوقع الأخ على الصورة ‏الكتابية منها لتحفظ مع أوراقه.‏

مادة 17- مبايعات الإخوان أربعة:‏

‏1- بيعة الأخوة: ونصها: (أستغفر الله العظيم وأتوب إليه "ثلاثًا"، اللهم إني أعاهدك على طاعتك وترك معصيتك، وحب مرشدي وإخواني فيك، ‏والبعد عن إخوان السوء، والاجتهاد في تعلم أحكام الدين والإخلاص لمبادئ الإخوان المسلمين والمواظبة على وردهم وأن ألزم بذلك زوجتي وأبنائي ‏وأنشره بين إخواني وأصدقائي ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم).‏
ورمز هذه البيعة الآية الكريمة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا ‏نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران: 102، 103].‏

‏2- بيعة العمل: ونصها: (أستغفر الله العظيم "ثلاثًا"، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، اللهم إني أعاهدك على الثبات على ‏مبادئي، والعمل لتحقيق غاية جماعتي، والسمع والطاعة لمرشدي ونائبي، والتأدب بآداب ديني ما حييت، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ‏وسلم).‏
ورمز هذه البيعة الآية الكريمة: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ‏‏[التوبة: 105].‏

‏3- بيعة النقابة: نصها: (بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين، ونستغفر ‏الله العظيم ونتوب إليه، اللهم إني أعاهدك على البر بإخواني، والسمع والطاعة لمرشدي ونائبي، وحسن الخلق في كل شأني، وتحمل الأذى في نصرة ‏مبدئي، والإخلاص لك في عملي، وإيثار الآخرة على الدنيا في جهادي ماحييت، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم).‏
ورمز هذه البيعة الآية الكريمة: (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ ‏وَآمَنتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ) [المائدة: 12].‏

‏4- بيعة النيابة: ونصها: (بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه ومن تبع هداهم ‏إلى يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أستغفر الله العظيم وأتوب إليه "ثلاثًا"، اللهم إني أعاهدك على نسيان نفسي والفناء في مبدئي ‏وغايتي والسمع والطاعة لمرشدي وإخلاص النصيحة لإخواني وتقديم مصالحهم على مصالحي، والجهاد في نصرة ديني، وأن أقتدي في أقوالي وأفعالي ‏وأحوالي بسنة نبيي صلى الله عليه وآله وسلم، وأن أحب الله ورسوله والمرشد أشد من حبي لنفسي ووالدي وولدي والناس أجمعين، وأقسم بالله على ذلك، ‏وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم).‏
ورمز هذه البيعة الآية الكريمة: (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ‏وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) [الفتح: 18].‏

أما بيعة الكمال فتكون بين المرشد والأخ المبايع بحسب ما يفيض الله على قلبيهما.‏

مادة 18- يحتفل الإخوان بكل أخ يترقى من درجة إلى درجة احتفالاً لائقًا بعد تلقينه البيعة، ويقلد في هذا الاحتفال شارته الخاصة بهذه الدرجة، ‏كما يحتفلون بالإخوان المنتسبين بعد قبولهم احتفالاً يقلدون فيه وسام الجمعية العام بعد مبايعتهم بيعة الأخوة.‏

الفصل الثاني: وظائف الإخوان وأورادهم:‏

مادة 19- تنقسم أورادالإخوان إلى ما يأتي:‏

‏‌أ- الورد العام وهو: أستغفر الله "مائة"، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم "مائة"، لا إله إلا الله سيدنا محمد رسول الله "مائة" ‏صباحًا ومساء، وتستحسن الطهارة والصمت عن الكلام العادي وإغماض العينين واستحضار صورة الرسول صلى الله عليه وسلم والاستمداد منه حتى ‏ينتهي الورد.‏

‏ ‌ب- ورد الاجتماع وهو: نستغفر الله "عشرًا"، اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه "عشرًا"، لا إله إلا الله سيدنا محمد رسول الله ‏‏"عشرًا"، وهذا الورد تستفتح به اجتماعات الإخوان الخاصة.‏

‏‌ج- ورد الختام: سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك "ثلاثًا" سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على ‏المرسلين والحمد لله رب العالمين "ثلاثًا"، لا إله إلا الله سيدنا محمد رسول الله "ثلاثًا"، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم ثم ‏تلاوة الفاتحة والدعاء لمرشدهم وإخوانهم والمسلمين جميعًا وأنفسهم والانصراف على ذلك بالأدب والخشوع.‏

مادة 20- يرتب كل أخ على نفسه ما يستطيع القيام به من أذكار الصباح والمساء ليجعلها وظيفة دائمة له، يتلوها بعد صلاة الصبح وبعد صلاة ‏العصر وفق (رسالة الذكر والمأثورات) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أذكار الصباح والمساء ولا يترك ما رتب على نفسه إلا لعذر قاهر. ‏

وبتاريخ 08/06/1933 كتب حسن البنَّا رسالة[8] إلى الإخوان المسلمين قبل إنعقاد مجلس الشورى الأول للإخوان بأسبوع واحد، وكانت تلك الرسالة تركز على موضوع روحي تربوي يتناول معنى تربويًا هامًا كان حريصًا على غرسه في نفوس الإخوان دائمًا، وهو التوازن بين العلم الذي ‏يحصله الفرد وبين العمل به وتطبيقه وتحويله إلى واقع عملي في حياته وسلوكه، والترهيب من غلبة العلم والمعرفة دون التزام وعمل.‏ ويلاحظ فيها الروح الإيمانية العالية التي يشعر بها كل مَن يطالع الرسالة ويتأثر بها، كما يلاحظ فيها حرص حسن البنَّا على ضبط هذا الجانب من جوانب التربية والسلوك لدى الإخوان، والتركيز عليه في هذه الفترة المبكرة، يقينًا منه ‏أن هذا هو الأساس الذي ستبنى عليه باقي جوانب التربية والإصلاح للشخصية المسلمة المنشودة‏، وفيما يلي نص تلك الرسالة[9]:

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله على سيدنا محمد نور الكون وجماله وعلى آله وصحبه، ومَن تبع هداهم إلى يوم الدين.‏

أيها الإخوان المسلمون الكرام، أيد الله بكم الحق، وألهمكم الرشد، وأمدكم بروح منه، وجعلكم من القائمين بأمره المهتدين بهدي رسوله، الداعين ‏إلى شريعته، الظاهرين على الحق لا يضرهم مَن عاداهم حتى تقوم الساعة.‏

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

والحنين نحوكم، والحمد لكم والشوق إليكم

وبعد فاعلموا إخواني أوضح الله لي ولكم نهج الحق أن الغرض من هذه الرسالة الخاصة بكم وبمن أحبكم من الإخوان الكرام التحدث إليكم ‏والتذكرة بمبادئكم والتعاون معكم على الوصول إلى الغاية التي عاهدتم الله على العمل لها والجهاد في سبيلها، فأنصتوا تؤجروا وتفهموا ما يُتلى عليكم ‏بقلوبكم فإن كنتم تعلمونه فهو ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين، وإن كان غير ذلك فهو طلب للعلم، وقد أمرنا رسولنا بطلب العلم ولو في الصين.‏

واعلموا إخواني أن العلم علمان؛ علم في القلب، فهو العلم النافع، وعلم على اللسان، فذلك حجة الله على ابن آدم، وقد بيَّن الله لكم صنفين من ‏الناس في كتابه؛ صنفًا وصفهم بقوله ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ ‏بِهَا أُولِئكَ كَالأْنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ﴾ (الأعراف: 179)، وصنفًا وصفهم بقوله ﴿اللًّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ ‏جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ (الزمر: 23).‏

فالصنف الأول: هم الغافلون الذين لا يستمعون للعلم، ولا يفقهون العظة والنصح.‏

والصنف الثاني: هم المؤمنون الذين رقَّت قُلوبهم، وانشرحت بالإيمان صدورهم، فهم للعلم يستمعون وبالموعظة يتأثرون ﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآياتِ ‏رَبِّهِمْ لَمْ يَخِّرُوا عَلَيْهَا صُمًّا وُعُمْيَانًا﴾ (الفرقان: 73)، فانظر أي الطريقين تسلك أيها الأخ الكريم.‏

يا أخي.. إن القلب المظلم لا يستفيد شيئًا كالأرض إن سبخت لم ينفع المطر، وإن القلب الرقيق اللين الذي يفهم ما يسمع ويعمل بما يفهم هو ‏موضع الفائدة ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيْبُ يَخْرُجُ نَبَاتُه بِإذْنِ رَبِّه﴾ (الأعراف: 58)، فكن قلبًا مستنيرًا وفؤادًا واعيًا وجارحة مستعدة للعمل تكن من الفائزين، وإن قليلاً ‏من العلم تحسنه ثم تعمل به خير من كثير تحفظه بدون عمل، وقد كان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من علم لا ينفع. ‏

‏ يا أخي أرسل أحد تلامذة الإمام الغزالي- رضي الله عنه- إلى شيخه يطلب إليه أن يبعث له برسالة تتضمن ما ينفعه في دنياه وآخرته مع ‏الاختصار، فأجابه الشيخ برسالة عظيمة جعل أولها وصيته بأن يعمل بما يعلم، ولأنقل لك ملخص هذا الفصل من هذه الرسالة لعظيم فائدته فاسمع:‏

قال الإمام الغزالي رضي الله عنه:‏ ‏"يا ولدي النصيحة سهلة، ولكن الصعب قبولها؛ لأنها في فم مَن لم يتعودها مرة المذاق، وإن مَن يحصل العلم ولا يعمل به تكون الحجة عليه ‏أعظم، كما قال رسول الله "أشد الناس عذابًا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه".‏

يا ولدي لا تكن من الأعمال مفلسًا، ولا من الاجتهاد في الطاعة خاليًا، وتيقن أن العلم المجرد لا يأخذ باليد- مثاله: لو كان مع رجل عشرة ‏أسياف هندية وأسلحة أخرى، وهو في صحراء فخرج عليه أسد مهيب، فهل تدفع عنه هذه الأسلحة بدون أن يستعملها؟ ‏

فذلك مثل العلم والعمل لا فائدة في الأول بدون الثاني، ‏

ومثل آخر- لو مرض شخص بمرض مستعصي ووُصف له دواء مركب من عقاقير مختلفة، فأحضر الدواء ولم يستخدمه هل يشفيه هذا الدواء ‏من مرضه؟ كذلك العلم لا يفيد النفس في الدنيا ولا يؤدي إلى النجاة في الآخرة إلا بالعمل.‏

والفُرْسُ يقولون: "كرمي دوخرار رطل هي بيمائي بأمي نحوري نباشرت سيداتي"‏ ومعناها بالعربية: "لو كلمت ألفي رطل خمر لم تكن لتصير نشوانًا إذا لم تشرب".‏

يا ولدي- لو قرأت العلم مائة سنة، وجمعت ألف كتاب لا تكون مستعدًا لرحمة الله إلا بالعمل ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى﴾ (النجم:39)، ‏‏﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ (الكهف:110).‏

يا ولدي: ما لم نعملْ لم نأخذْ الأجرَ، وفيما يُنسب إلى سيدنا عَلِيٍّ- كرم الله وجهه-: ‏‏"مَن ظن أنه بدون الجهد يصل فهو متمنٍ، والمُنى بضائع الموتى"، ‏وقال الحسن البصري- رضي الله عنه-: "طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب"، ‏ وفي الخبر عن الله تعالى: "ما أقل حياءً مَن يطمع في جنتي بغير عمل.."، ‏وقد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:"الكيس مَن دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنَّى على الله الأماني".‏

يا ولدي: عشْ ما شئت فإنك ميت، وأحبب مَن شئت فإنك مفارقه، واعملْ ما شئت فإنك مجزي به، والعلم بلا عمل جنون، والعمل بغير علم لا ‏يكون، ولابد منهما معًا، وإن العلم وحده لا يبعدك اليوم عن المعاصي ولا ينجيك غدًا من النار، فإذا لم تجتهد اليوم في العمل.. ‏

فيوم القيامة تقول: "ارجعون لعلي أعمل صالحًا" ‏

فيقال لك: "يا هذا أنت من هناك جئت" ‏

انتهى.‏

أرأيت أيها الأخ المسلم هذه الوصية الغالية، إنها وصيتي إليك في هذه الرسالة فتفهمها، واستعد للعمل بها، واجعلها أساسًا تلاحظه، وتذكره فيما ‏سيُعرض لك من الرسائل التالية إن شاء الله، ‏

والله ولي توفيقي وتوفيقك إلى ما يُحبه ويرضاه.‏

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الفقير إليه تعالى

حسن أحمد البنَّا ‏- خادم مبادئ الإخوان المسلمين

وقد ألف حسن البنَّا "رسالة التعاليم" وهي أحد أشهر الرسائل التي كتبها وذكر فيها الأركان العشرة للبيعة لدى جماعة الإخوان المسلمين[10] وهي: الفهم والإخلاص والعمل والجهاد والتضحية والطاعة والثبات والتجرد والأخوَّة والثقة، وذكر ضمن ركن "الفهم" الأصول العشرين لفهم الإخوان للإسلام والتي تعتبر الرؤية والأرضية التي تقوم عليها الجماعة في كل مكان. وقال: "إنما أريد بالفهم أن توقن بأن فكرتنا إسلامية صميمة وأن تفهم الإسلام كما نفهمه، في حدود هذه الأصول العشرين الموجزة كل الإيجاز":

1. الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء، وهو مادة وثروة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء.

2. والقرآن الكريم والسنة المطهرة مرجع كل مسلم في تعرف أحكام الإسلام، ويفهم القرآن طبقا لقواعد اللغة العربية من غير تكلف ولا تعسف، ويرجع في فهم السنة المطهرة إلى رجال الحديث الثقات.

3. وللإيمان الصادق والعبادة الصحيحة والمجاهدة نور وحلاوة يقذفهما الله في قلب من يشاء من عباده، ولكن الإلهام والخواطر والكشف والرؤى ليست من أدلة الأحكام الشرعية، ولا تعتبر إلا بشرط عدم اصطدامها بأحكام الدين ونصوصه.

4. والتمائم والرقي والودع والرمل والمعرفة والكهانة وادعاء معرفة الغيب، وكل ما كان من هذا الباب منكر تجب محاربته إلا ما كان آية من قرآن أو رقية مأثورة.

5. ورأي الإمام ونائبه فيما لا نص فيه، وفيما يحتمل وجوها عدة وفي المصالح المرسلة معمول به ما لم يصطدم بقاعدة شرعية، وقد يتغير بحسب الظروف والعرف والعادات، والأصل في العبادات التعبد دون الالتفات إلى المعاني، وفي العاديات الالتفات إلى الأسرار والحكم والمقاصد.

6. وكل أحد يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم، وكل ما جاء عن السلف رضوان الله عليهم موافقا للكتاب والسنة قبلناه، وإلا فكتاب الله وسنة رسوله أولى بالإتباع، ولكنا لا نعرض للأشخاص ـ فيما اختلف فيه ـ بطعن أو تجريح، ونكلهم إلى نياتهم وقد أفضوا إلى ما قدموا.

7. ولكل مسلم لم يبلغ درجة النظر في أدلة الأحكام الفرعية أن يتبع إماما من أئمة الدين، ويحسن به مع هذا الإتباع أن يجتهد ما استطاع في تعرف أدلته، وان يتقبل كل إرشاد مصحوب بالدليل متى صح عنده صلاح من أرشده وكفايته، وأن يستكمل نقصه العلمي إن كان من أهل العلم حتى يبلغ درجة النظر.

8. والخلاف الفقهي في الفروع لا يكون سببا للتفرق في الدين، ولا يؤدي إلى خصومة ولا بغضاء ولكل مجتهد أجره، ولا مانع من التحقيق العلمي النزيه في مسائل الخلاف في ظل الحب في الله والتعاون على الوصول إلى الحقيقة، من غير أن يجر ذلك إلى المراء المذموم والتعصب.

9. وكل مسألة لا ينبني عليها عمل فالخوض فيها من التكلف الذي نهينا عنه شرعا، ومن ذلك كثرة التفريعات للأحكام التي لم تقع، والخوض في معاني الآيات القرآنية الكريمة التي لم يصل إليها العلم بعد، والكلام في المفاضلة بين الأصحاب رضوان الله عليهم وما شجر بينهم من خلاف، ولكل منهم فضل صحبته وجزاء نيته وفي التأول مندوحة.

10. ومعرفة الله تبارك وتعالى وتوحيده وتنزيهه أسمى عقائد الإسلام، وآيات الصفات وأحاديثها الصحيحة وما يليق بذلك من التشابه، نؤمن بها كما جاءت من غير تأويل ولا تعطيل، ولا نتعرض لما جاء فيها من خلاف بين العلماء، ويسعنا ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) (آل عمران:7).

11. وكل بدعة في دين الله لا أصل لها ـ استحسنها الناس بأهوائهم سواء بالزيادة فيه أو بالنقص منه ـ ضلالة تجب محاربتها والقضاء عليها بأفضل الوسائل التي لا تؤدي إلى ما هو شر منها.

12. والبدعة الإضافية والتَّركِية والالتزام في العبادات المطلقة خلاف فقهي، لكل فيه رأيه، ولا بأس بتمحيص الحقيقة بالدليل والبرهان.

13. ومحبة الصالحين واحترامهم والثناء عليهم بما عرف من طيب أعمالهم قربة إلى الله تبارك وتعالى، والأولياء هم المذكورون بقوله تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ)، والكرامة ثابتة بشرائطها الشرعية، مع اعتقاد أنهم رضوان الله عليهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا في حياتهم أو بعد مماتهم فضلا عن أن يهبوا شيئا من ذلك لغيرهم.

14. وزيارة القبور أيا كانت سنة مشروعة بالكيفية المأثورة، ولكن الاستعانة بالمقبورين أيا كانوا ونداؤهم لذلك وطلب قضاء الحاجات منهم عن قرب أو بعد والنذر لهم وتشيد القبور وسترها وأضاءتها والتمسح بها والحلف بغير الله وما يلحق بذلك من المبتدعات كبائر تجب محاربتها، ولا نتأول لهذه الأعمال سدا للذريعة.

15. والدعاء إذا قرن بالتوسل إلى الله بأحد من خلقه خلاف فرعي في كيفية الدعاء وليس من مسائل العقيدة.

16. والعرف الخاطئ لا يغير حقائق الألفاظ الشرعية، بل يجب التأكد من حدود المعاني المقصود بها، والوقوف عندها، كما يجب الاحتراز من الخداع اللفظي في كل نواحي الدنيا والدين، فالعبرة المسميات لا بالأسماء.

17. والعقيدة أساس العمل، وعمل القلب أهم من عمل الجارحة، وتحصيل الكمال في كليهما مطلوب شرعاّ وإن اختلفت مرتبتا الطلب.

18. والإسلام يحرر العقل، ويحث على النظر في الكون، ويرفع قدر العلم والعلماء، ويرحب بالصالح والنافع من كل شيء، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها.

19. وقد يتناول كل من النظر الشرعي والنظر العقلي ما لا يدخل في دائرة الآخر، ولكنهما لن يختلفا في القطعي، فلن تصطدم حقيقة علمية صحيحة بقاعدة شرعية ثابتة، ويؤول الظني منهما ليتفق مع القطعي، فإن كانا ظنيين فالنظر الشرعي أولى بالإتباع حتى يثبت العقلي أو ينهار.

20. ولا نكفر مسلما أقر بالشهادتين وعمل بمقتضاهما وأدى الفرائض ـ برأي أو بمعصية ـ إلا إن أقر بكلمة الكفر، أو أنكر معلوما من الدين بالضرورة، أو كذب صريح القرآن، أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال، أو عمل عملا لا يحتمل تأويلا غير الكفر.

"وإذا علم الأخ المسلم دينه في هذه الأصول، فقد عرف معنى هتافه دائما (القرآن دستورنا والرسول قدوتنا)".

وفي "رسالة التعاليم" ذكر حسن البنَّا "واجبات الأخ العام" بالتفصيل فقال:

أيها الأخ الصادق :

إن إيمانك بهذه البيعة يوجب عليك أداء هذه الواجبات حتى تكون لبنة قوية في البناء :

1 – أن يكون لك ورد يومي من كتاب الله لا يقل عن جزء، واجتهد ألا تختم في أكثر من شهر، ولا في أقل من ثلاثة أيام.

2 – أن تحسن تلاوة القرآن و الاستماع إليه والتدبر في معانيه، وأن تدرس السير المطهرة و تاريخ السلف بقدر ما يتسع له وقتك، و أقل ما يكفي في ذلك كتاب (حماة الإسلام)، و إن تكثر من القراءة في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن تحفظ أربعين حديثا على الأقل ولتكن الأربعين النووية، وأن تدرس رسالة في أصول العقائد و رسالة في فروع الفقه.

3 – أن تبادر بالكشف الصحي العام وان تأخذ في علاج ما يكون فيك من أمراض، وتهتم بأسباب القوة و الوقاية الجسمانية وتبتعد عن أسباب الضعف الصحي.

4 – أن تبتعد عن الإسراف في قهوة البن والشاي، ونحوها من المشروبات المنبهة، فلا تشربها إلا لضرورة، وأن تمتنع بتاتا عن التدخين.

5 – أن تعني بالنظافة في كل شيء في المسكن و الملبس و المطعم و البدن و محل العمل، فقد بني الدين على النظافة.

6 – أن تكون صادق الكلمة فلا تكذب أبدا.

7 – أن تكون وفيا بالعهد والكلمة و الوعد، فلا تخلف مهما كانت الظروف.

8 – أن تكون شجاعا عظيم الاحتمال، وأفضل الشجاعة الصراحة في الحق وكتمان السر، والاعتراف بالخطأ والإنصاف من النفس وملكها عند الغضب.

9 - أن تكون وقورا تؤثر الجد دائما، ولا يمنعك الوقار من المزاح الصادق و الضحك في تبسم.

10 – أن تكون شديد الحياء دقيق الشعور، عظيم التأثر بالحسن و القبح، تسر للأول و تتألم للثاني، و أن تكون متواضع في غير ذلة ولا خنوع ولا ملق، وأن تطلب أقل من مرتبتك لتصل إليها.

11 – أن تكون عادلا صحيح الحكم في جميع الأحوال، لا ينسيك الغضب الحسنات ولا تغضي عين الرضا عن السيئات، ولا تحملك الخصومة على نسيان الجميل، وتقول الحق ولو كان على نفسك أو على أقرب الناس إليك وإن كان مرّا.

12 – أن تكون عظيم النشاط مدربا على الخدمات العامة، تشعر بالسعادة والسرور إذا استطعت أن تقدم خدمة لغيرك من الناس، فتعود المريض وتساعد المحتاج و تحمل الضعيف وتواسي المنكوب و لو بالكلمة الطيبة، وتبادر دائما إلى الخيرات.

13 – أن تكون رحيم القلب كريما سمحا تعفو وتصفح و تلين وتحلم وترفق بالإنسان و الحيوان، جميل المعاملة حسن السلوك مع الناس جميعا، محافظا على الآداب الإسلامية الاجتماعية فترحم الصغير وتوقر الكبير و تفسح في المجلس، ولا تتجسس ولا تغتاب ولا تصخب، وتستأذن في الدخول والانصراف..الخ.

14 – أن تجيد القراءة و الكتابة، وأن تكثر من المطالعة في رسائل الإخوان وجرائدهم و مجلاتهم ونحوها، و أن تكون لنفسك مكتبة خاصة مهما كانت صغيرة، وأن تتبحر في علمك و فنك إن كنت من أهل الاختصاص، وان تلم بالشؤون الإسلامية العامة إلماما يمكنك من تصورها و الحكم عليها حكما يتفق مع مقتضيات الفكرة.

15 – أن تزاول عملا اقتصاديا مهما كنت غنيا، وأن تقدم العمل الحر مهما ضئيلا، وأن تزج بنفسك فيه مهما كان كانت مواهبك العملية.

16 – أن لا تحرص على الوظيفة الحكومية، و أن تعتبرها الضيق أبواب الرزق ولا ترفضها إذا أتيحت لك، ولا تتخل عنها إلا إذا تعارضت تعارضا تاما مع واجبات الدعوة.

17 – أن تحرص كل الحرص على أداء مهنتك من حيث الإجادة والإتقان وعدم الغش و ضبط الموعد.

18 – أن تكون حسن التقاضي لحقّك، وأن تؤدي حقوق الناس كاملة غير منقوصة بدون طلب، ولا تماطل أبدا.

19 – أن تبتعد عن الميسر بكل أنواعه مهما كان المقصد من ورائها، وتتجنب وسائل الكسب الحرام مهما كان وراءها من ربح عاجل.

20 – أن تبتعد عن الربا في جميع المعاملات وأن تطهر منه تماما.

21 – أن تخدم الثروة الإسلامية العامة بتشجيع المصنوعات والمنشآت الاقتصادية الإسلامية، وأن تحرص على القرش فلا يقع في يد غير إسلامية مهما كانت الأحوال، ولا تلبس ولا تأكل إلا من صنع وطنك الإسلامي.

22 – أن تشترك في الدعوة بجزء من مالك، تؤدي الزكاة الواجبة فيه، وان تجعل منه حقا معلوما للسائل والمحروم مهما كان دخلك ضئيلا.

23 – أن تدخر للطوارئ جزءا من دخلك مهما قل، وألا تتورط في الكماليات أبدا.

24 – أن تعمل ما استطعت على إحياء العادات الإسلامية و إماتة العادات الأعجمية في كل مظاهر الحياة، ومن ذلك التحية و اللغة والتاريخ والزي والأثاث، ومواعيد العمل والراحة،والطعام و الشراب، والقدوم والانصراف، والحزن والسرور..الخ، وأن تتحرى السنة المطهرة في ذلك.

25 – أن تقاطع المحاكم الأهلية وكل قضاء غير إسلامي، والأندية والصحف و الجماعات والمدارس والهيئات التي تناهض فكرتك الإسلامية مقاطعة تامة.

26 – أن تديم مراقبة الله تبارك وتعالى، وتذكر الآخرة وتستعد لها، وتقطع مراحل السلوك إلى رضوان الله بهمة وعزيمة، وتتقرب إليه سبحانه بنوافل العبادة ومن ذلك صلاة الليل وصيام ثلاثة أيام من كل شهر على الأقل، والإكثار من الذكر القلبي واللساني، و تحرّي الدعاء في المذكور في كل الأحوال.

27 – أن تحسن الطهارة وأن تظل على وضوء غالب الأحيان.

28 – أن تحسن الصلاة وتواظب على أدائها في أوقاتها، وتحرص على الجماعة والمسجد ما أمكن ذلك.

29 – أن تصوم رمضان و تحج البيت إن استطعت إليه سبيلا، وتعمل على ذلك إن لم تكن مستطيعا الآن ذلك.

30 – أن تستصحب دائما نية الجهاد و حب الشهادة وأن تستعد لذلك ما وسعك الاستعداد.

31 – أن تجدد التوبة والاستغفار دائما وأن تتحرز من صغائر الآثام فضلا عن كبارها، وأن تجعل لنفسك ساعة قبل النوم تحاسبها فيها على ما عملت من خير أو شر، وأن تحرص على الوقت فهو الحياة فلا تصرف جزءا منه من غير فائدة، وأن تتورع عن الشبهات حتى لا تقع في الحرام.

32 – أن تجاهد نفسك جهادا عنيفا حتى يسلس قيادتها لك، وأن تغض طرفك وتضبط عاطفتك وتقاوم نوازع الغريزة في نفسك، وتسمو بها دائما إلى الحلال الطيب، وتحول بينها وبين الحرام من ذلك أيا كان.

33 – أن تتجنب الخمر والمسكر والمفتر وكل ما هو من هذا القبيل كل الاجتناب.

34 – أن تبتعد عن أقران السوء و أصدقاء الفساد و أماكن المعصية و الإثم.

35 – أن تحارب أماكن اللهو فضلا عن أن تقربها، وأن تبتعد عن مظاهر الترف و الرخاوة جميعا.

36 – أن تعرف أعضاء كتيبتك فردا فردا معرفة تامة، وتعرفهم نفسك معرفة تامة كذلك، وتؤدي حقوق أخوتهم كاملة من الحب والتقدير والمساعدة والإيثار وأن تحضر اجتماعاتهم فلا تتخلف عنها إلا بعذر قاهر، وتؤثرهم بمعاملتك دائما.

37 – أن تتخلى عن صلتك بأية هيئة أو جماعة لا يكون الاتصال بها في مصلحة فكرتك وخاصة إذا أُمرت بذلك.

38 – أن تعمل على نشر دعوتك في كل مكان وأن تحيط القيادة علما بكل ظروفك ولا تقدم على عمل يؤثر فيها جوهريا إلا بإذن، وأن تكون دائم الاتصال الروحي و العملي بها، وأن تعتبر نفسك دائما جنديا في الثكنة تنتظر الأوامر.

وقد حدد النظام الأساسي لجماعة الإخوان المسلمين الذي وافقت عليه الجمعية العمومية للإخوان المسلمين بتاريخ 08/12/1945 والمعدل بتاريخ 06/05/1948 تعريف التنظيم وأسس دعوته[11]:

المادة 1: في شهر ذي القعدة 1347 الموافق 1928 تألفت هيئة الإخوان المسلمين ومقرها الرئيسي مدينة القاهرة.

المادة 2: الإخوان المسلمون هيئة إسلامية جامعة تعمل لتحقيق الأغراض التي جاء من أجلها الإسلام الحنيف بما يلي:
أ ـ شرح دعوة القرآن الكريم شرحاً دقيقاً يوضحها، ويردها إلى فطرتها وشمولها، ويعرضها عرضاً يوافق العصر.
ب ـ جمع القلوب والنفوس على هذه المبادئ القرآنية.
ج ـ تنمية الثروة القومية وحمايتها وتحريرها، ورفع مستوى المعيشة.
د ـ تحقيق العدالة الاجتماعية والتأمين الاجتماعي لكل مواطن.
هـ ـ تحرير وادي النيل والبلدان العربية، والإسلامية من كل سلطان أجنبي، ومساعدة الأقليات المسلمة في كل مكان.
و ـ قيام الدولة الصالحة التي تنفذ أحكام الإسلام.
ز ـ مناصرة التعاون العالمي لصون الحريات، وبناء السلام والحضارة الإنسانية.

ويعتمـد الإخوان المسلمون في تحقيق هذه الأغراض على الوسائل التالية:
أ. الدعـوة بطريق نشر المطبوعات، والإذاعة، والوفود.
ب. التربيـة التي تطبع أعضاء الإخوان على هذه المبادئ، وتكوينهم جسدياً وعقلياً وروحياً.
ج. التوجيـه بوضع المناهج الصالحة في كل شئون المجتمع.
د. العمل بإنشاء مؤسسات اقتصادية واجتماعية وعلمية ودينية، وتأسيس المساجد والمدارس والمستوصفات والملاجئ، والاهتمام بالشؤون الاجتماعية كالتكافل وغيره، وتنظيم الزكاة، والصدقات لأعمال البـر، ومقاومة الآفات الاجتماعية، والمخدرات والمسكرات والبغاء، وإرشاد الشباب إلى طريق الاستقامة والرشاد، وشغل أوقات الفراغ بما يفيد وينفع، وتكون هذه الأنشطة الاجتماعية تحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية.

ثم انعقد مجلس الشورى العام الثاني للجماعة بتاريخ 19/01/1934، الذي قام بتحديد مبادئ الإخوان في صِيَّغ عامة كما جاء في نصوص قرارات المجلس على الوجه التالي:‏

وافق الإخوان المجتمعون على وضع مبادئ عامة للإخوان يحفظونها ويدرسونها ويوضع لها شرح تفصيلي يبين مجملها، كما أشار إلى ذلك ‏القانون الأساسي للإخوان المسلمين، وقد عرض فضيلة المرشد العام صورة من هذه المبادئ ملخصة فوافق عليها المجتمعون وتركوا لفضيلته صياغتها ‏وإعلانها ".‏

وقد صيغت هذه المبادئ في صيغتها الختامية تحت عنوان “عقيدتنا” وصدق عليها مكتب الإرشاد العام بالقاهرة، واعتبرت ميثاقا لكل أخ ‏وجعلت نصوصها كالآتي‎ ‎‏:‏

‏1- أعتقد أن الأمر كله لله وأن سيدنا محمدا -صلى الله عليه وسلم- خاتم رسله‎ ‎للناس كافة. ‏وأن الجزاء حق، وأن القرآن كتاب الله، وأن الإسلام قانون شامل لنظام‎ ‎الدنيا والآخرة. ‏وأتعهد أن أرتب على نفسي حزبا من القرآن الكريم وأن أتمسك بالسنة‎ ‎المطهرة، وأن أدرس السيرة النبوية وتاريخ الصحابة الكرام.‏

‏2- أعتقد أن الاستقامة والفضيلة والعلم من أركان الإسلام. ‏وأتعهد بأن أكون‎ ‎مستقيما أؤدي العبادات وابتعد عن المنكرات، ‏فاضلا أتحلى بالأخلاق الحسنة، وأتخلى‎ ‎عن الأخلاق السيئة وأتحرى العادات الإسلامية ما استطعت، ‏وأوثر المحبة والود على‎ ‎التحاكم والتقاضي، فلا ألجأ إلى القضاء إلا مضطرا، ‏وأعتز بشعائر الإسلام ولغته،‎ ‎وأعمل على بث العلوم والمعارف النافعة في طبقات الأمة.‏

‏3- أعتقد أن المسلم مطالب بالعمل والتكسب، وأن في ماله الذي يكسبه حقا مفروضا‎ ‎للسائل والمحروم. ‏وأتعهد بأن أعمل لكسب عيشي وأقتصد لمستقبلي ‏وأؤدي زكاة مالي وأخصص‎ ‎جزءًا من إيرادي لأعمال البر والخير، ‏وأشجع كل مشروع اقتصادي إسلامي نافع، وأقدم‎ ‎منتجات بلادي وبني ديني ووطني، ولا أتعامل بالربا في شأن من شؤوني، ولا أتورط في‎ ‎الكماليات فوق طاقتي.‏‎ ‎

‏4- أعتقد أن المسلم مسؤول عن أسرته وأن من واجبه أن يحافظ على صحتها وعقائدها‎ ‎وأخلاقها. ‏وأتعهد بأن أعمل لذلك جهدي وأن أبث تعاليم الإسلام في أفراد أسرتي. ولا‎ ‎أدخل أبنائي أية مدرسة لا تحفظ عقائدهم وأخلاقهم، ‏وأقاطع كل الصحف والنشرات‎ ‎والكتب والهيئات والفرق والأندية التي تناوئ تعاليم الإسلام.‏‎ ‎

‏5- أعتقد أن من واجب المسلم أحياء مجد الإسلام بإنهاض شعوبه وإعادة تشريعه وأن‎ ‎راية الإسلام يجب أن تسود البشر، وأن من مهمة كل ‏مسلم تربية العالم على قواعد‎ ‎الإسلام. ‏وأتعهد بأن أجاهد في سبيل أداء هذه الرسالة ما حييت، وأضحي في سبيلها بكل‎ ‎ما أملك.‏

‏6- أعتقد أن المسلمين جميعا أمة واحدة تربطها العقيدة الإسلامية وأن الإسلام‎ ‎يأمر أبنائه بالإحسان إلى الناس جميعا. ‏وأتعهد بأن أبذل جهدي في توثيق رابطة الإخاء‎ ‎بين جميع المسلمين وإزالة الجفاء والاختلاف بين طوائفهم وفرقهم.‏

‏7- أعتقد أن السر في تأخر المسلمين ابتعادهم عن دينهم، وأن أساس الإصلاح العودة‎ ‎إلى تعاليم الإسلام وأحكامه، وأن ذلك ممكن لو عمل ‏له المسلمون وأن فكرة الإخوان‎ ‎المسلمين تحقق هذه الغاية. ‏وأتعهد بالثبات على مبادئها والإخلاص لكل من عمل لها،‎ ‎وأن أظل جنديا في خدمتها أو أموت في سبيلها. ‏

وقد وضع حسن البنَّا منهاج تربية الإخوان المسلمين ومقاصده[12] وهو يقول عنه بأنه "محدد المراحل واضح الخطوات، فنحن نعلم تمامًا ماذا نريد، ونعرف الوسيلة إلى تحقيق هذه الإرادة".

1- نريد أولاً الرجل المسلم في تفكيره وعقيدته وخلقه وعاطفته، وفي عمله وتصرفه؛ فهذا تكويننا الفردي.

2- ونريد بعد ذلك البيت المسلم فى تفكيره وعقيدته وخلقه وعاطفته، وفي عمله وتصرفه. ونحن لهذا نُعنى بالمرأة عنايتنا بالرجل، ونُعنى بالطفولة عنايتنا بالشباب. وهذا هو تكويننا الأسرى.

3- ونريد بعد ذلك الشعب المسلم في ذلك كله أيضا. ونحن لهذا نعمل على أن تصل دعوتنا إلى كل بيت، وأن يسمع صوتنا في كل مكان، وأن تنتشر فكرتنا وتتغلغل في القرى والنجوع، والمدن والمراكز، والحواضر والأمصار، لا نألو في ذلك جهدًا ولا نترك وسيلة.

4- ونريد بعد ذلك الحكومة المسلمة التي تقود هذا الشعب إلى المسجد، وتحمل به الناس على هدى الإسلام من بعد ما حملتهم على ذلك بأرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر من قبل.

5- ونريد بعد ذلك أن نضم إلينا كل جزء من وطننا الإسلامي الذي فرَّقته السياسة الغربية وأضاعت وحدته المطامع الأوروبية.

6- ونريد بعد ذلك أن تعود راية الله خافقة عالية على تلك البقاع التي سعدت بالإسلام حينًا من الدهر، ودوَّى فيها صوت المؤذن بالتكبير والتهليل، ثم أراد لها نكد الطالع أن ينحسر عنها ضياؤه فتعود إلى الكفر بعد الإسلام.

7- نريد بعد ذلك ومعه أن نعلن دعوتنا على العالم، وأن نبلغ الناس جميعا، وأن نعم بها آفاق الأمم، وأن يخضع لها كل جبار؛ حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله. ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم.

ولكل خطوة من هذه الخطوات أهمية خاصة وارتباط وثيق بالخطوة التي تسبقها والتي تليها.

إن الفرد المسلم هو اللبنة الأساسية في البناء، سواء في البيت المسلم أو المجتمع المسلم أو الحكومة المسلمة. وبقدر ما ينال الفرد من قسط وافر من التربية بقدر ما يكون البناء متينًا؛ فأي تقصير في مجال التربية للأفراد يعتبر ضعفًا في الأساس يعرِّض البناء للانهيار إن عاجلاً أو آجلاً.

ويقول حسن البنَّا في رسالته إلى الشباب[13]

يخطئ من يظن أن الإخوان المسلمين يتبرمون بالوطن والوطنية؛ فالمسلمون أشد الناس إخلاصًا لأوطانهم وتفانيًا في خدمة هذه الأوطان واحترامًا لكل من يعمل لها مخلصًا، ولكن الفارق بين المسلمين وبين غيرهم من دعاة الوطنية المجردة، أن أساس وطنية المسلمين العقيدة الإسلامية؛ فهم يعملون لوطن مثل مصر ويجاهدون في سبيله ويفنون في هذا الجهاد؛ لأن مصر من أرض الإسلام وزعيمة أممه، كما أنهم لا يقفون بهذا الشعور عند حدودها، بل يشركون معها فيه كل أرض إسلامية وكل وطن إسلامى.

وحسبك من وطنية الإخوان المسلمين أنهم يعتقدون عقيدة جازمة لازمة أن التفريط في أي شبر أرض يقطنه مسلم؛ جريمة لا تغتفر، حتى يعيدوه أو يهلكوا دون إعادته. ولا نجاة لهم من الله إلا بهذا.

ويخطئ من يظن أن الإخوان المسلمين دعاة كسل أو إهمال؛ فالإخوان يعلنون في كل أوقاتهم أن المسلم لا بد أن يكون إمامًا في كل شيء، ولا يرضون بغير القيادة والعمل والجهاد والسبق في كل شيء؛ في العلم وفي القوة، وفي الصحة وفي المال. والتأخر في أية ناحية من النواحي ضار بفكرتنا، مخالف لتعاليم ديننا.

ويخطئ من يظن أن الإخوان المسلمين دعاة تفريق عنصري بين طبقات الأمة؛ فنحن نعلم أن الإسلام عنى أدق العناية باحترام الرابطة الإنسانية العامة بين بني الإنسان في مثل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) (الحجرات: 13). كما أنه جاء لخير الناس جميعًا ورحمة من الله للعالمين. وأوصى بالبر والإحسان بين المواطنين وإن اختلفت عقائدهم وأديانهم (لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ): (الممتحنة: 8)، كما أوصى بإنصاف الذميين وحسن معاملتهم (لهم ما لنا وعليهم ما علينا). نعلم كل هذا؛ فلا ندعو إلى فرقة عنصرية ولا إلى عصبية طائفية، لكننا إلى جانب هذا لا نشتري هذه الوحدة بإيماننا، ولا نساوم في سبيلها على عقيدتنا، ولا نهدد من أجلها مصالح المسلمين، وإنما نشتريها بالحق والإنصاف والعدالة وكفى؛ فمن حاول غير ذلك أوقفناه عند حده، وأبنَّا له خطأ ما ذهب إليه. ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين.

ويؤكد هذا المعنى في خطابه أمام رؤساء المناطق فيقول: «على أننا نعود فنقول: أي نظام في الدنيا، دينيًّا أو مدنيًّا، استطاع أن يفسح في قلوب المؤمنين به والمتعصبين له والفانين فيه لغيرهم من المخالفين ما أفسح من ذلك الإسلام الحنيف الذي يفرض على المسلم بكل نبي سبق وبكل كتاب نزل، وأن يثني على كل أمة مضت وأن يحب الخير لكل الناس، وأن يكون رحيمًا بكل ذي كبد رطبة، حتى إن الجنة لتفتح أبوابها الثمانية لرجل أطفأ ظمأ كلب، وتسعر النار بأعمق دركاتها لامرأة حبست هرة؟! ما أعظم هذا الدين الرحيم!/ لا يمكن إلا أن يكون مصدر حب ووحدة وسلام ووئام.

ويقول اللواء فؤاد علام - الذي كان ضابط في جهاز مباحث أمن الدولة في مصر - واصفاً شخصية حسن البنَّا[14]: "كان حسن البنا واعظا من الدرجة الأولى، تنفذ كلماته بسرعة إلى العقول والقلوب.. كان يظهر غير باطنه، ويتحدث في اتجاه ويسير في اتجاه آخر مختلف تماما. مثل الزئيق الذي يصعد ويهبط حسب درجات الحرارة. كان معسول القول واللفظ والعبارة ولكن قلبه يضمر أطماعا لا حدود لها"! وقد ذكر اللواء فؤاد علام في كتابه الكثير من الوقائع الصادمة والأخبار المؤسفة عن حسن البنَّا وجماعته وخاصة تستره على الفضائح الأخلاقية لصهره عبدالحكيم عابدين الذي وصفه بـ "ذئب النساء".

ثم عَقد مجلس الشورى جلساته في الفترة من يوم 16/03/1935 حتى 18/03/1935 وأصدر العديد من القرارات الإدارية والتنظيمية علاوة على الإصدار الفكري التالي[15]:‏

منهاج الإخوان المسلمين:‏

اعتبار عقيدة الإخوان رمزًا لهذا المنهاج.‏

على كل مسلم أن يعتقد أن هذا المنهج كله من الإسلام، وأن كل نقص منه نقص من الفكرة الإسلامية الصحيحة.‏

على كل أخ مسلم أن يعمل على نشر هذه المبادئ في جميع البيئات، وأن يتحمس لها تحمسًا تامًا، وأن يطبقها في منزله مهما احتمل في ‏سبيل ذلك من المكاره.‏

كل أخ لا يلتزم هذه المبادئ لنائب الدائرة أن يتخذ معه العقوبة التي تتناسب مع مخالفته، وتعيده إلى التزام حدود المنهاج، وعلى حضرات ‏النواب أن يهتموا بذلك؛ فإن الغاية هي تربية الإخوان قبل كل شيء.‏

موقف الإخوان المسلمين من غيرهم:‏

على الأخ المسلم أن يتعرف غايته تمامًا وأن يجعلها المقياس الوحيد فيما بينه وبين الهيئات الأخرى.‏

كل منهاج لا يؤيد الإسلام ولا يرتكز على أصوله العامة لا يؤدي إلى نجاح.‏

كل هيئة تحقق بعملها ناحية من نواحي منهاج الإخوان المسلمين يؤيدها الأخ المسلم في هذه الناحية.‏

يجب على الإخوان المسلمين إذا أيدوا هيئة ما من الهيئات أن يستوثقوا أنها لا تتنكر لغايتهم في وقت من الأوقات.‏

الهيئات النافعة توجه إلى الغاية بتقويتها لا بإضعافها.‏

يرحب الإخوان بكل فكرة ترمي إلى توحيد جهود المسلمين في سائر بقاع الأرض، وتأييد فكرة الجامعة الإسلامية كأثر من آثار اليقظة ‏الشرقية.‏

الإخوان المسلمون يخلصون لكل الهيئات الإسلامية ويحاولون التقريب بينها بكل الوسائط، ويعتقدون أن الحب بين المسلمين هو أصلح ‏أساس لإيقاظهم، وهم يناوئون كل هيئة تشوه معنى الإسلام مثل البهائية والقاديانية.‏

التكوين العملي للإخوان المسلمين:‏

على المكاتب والهيئات الرئيسية لدوائر الإخوان المسلمين أن تعني بتربية الإخوان تربية نفسية صالحة تتفق مع مبادئهم وتميز هذه المبادئ ‏في نفوسهم، وتحقيقًا لهذه الغاية يكون الانضمام للإخوان على ثلاث درجات[16]:‏

1- الانضمام العام: وهو من حق كل مسلم توافق على قبوله إدارة الدائرة ويعلن استعداده للصلاح، ويوقع استمارة التعارف ويتعهد بتسديد ‏الاشتراك المالي الذي يتطوع به للجماعة، وللنائب حق إعفاء من يرى عذرًا بالنسبة له من بعض الأعضاء، ويسمى الأخ في هذه الدرجة أخًا مساعدًا.‏

2- الانضمام الأخوي: وهو حق كل مسلم توافق على قبوله إدارة الدائرة السابقة، وواجباته – فضلاً عن الواجبات السابقة – حفظ العقيدة ‏والتعهد بالتزام الطاعات والكف عن المحرمات وحضور الاجتماعات الأسبوعية والسنوية وغيرها متى دُعي إليها، ويسمى الأخ في هذه المرتبة أخًا ‏منتسبًا.‏

3- الانضمام العملي: وهو من حق كل مسلم توافق إدارة الدائرة على قبوله، وتكون واجبات الأخ فيه – فضلاً عن الواجبات السابقة – إحضار ‏صورته الشخصية وإعطاء البيانات الكافية التي تطلب منه عن شخصه، ودراسة شرح عقيدة الإخوان المسلمين والتعهد بالورد القرآني وحضور مجالس ‏القرآن الأسبوعية، ومجالس الدائرة، والاشتراك في صندوق الحج والاشتراك في لجنة الزكاة متى كان مالكًا للنصاب، والانضمام إلى فرقة الرحلات ما ‏دامت سنه تسمح بذلك والتزام التحدث باللغة العربية الفصحى بقدر المستطاع، وإلزام المنزل مبادئ الإخوان المسلمين والعمل على تثقيف نفسه في ‏الشئون الاجتماعية العامة والاجتهاد في حفظ أربعين حديثًا نبويًا، وقبول مناصفات الإخوان التأديبية، ويسمى الأخ في هذه الدرجة من درجات الانضمام ‏أخًا عاملاً.‏

وهناك درجة رابعة من درجات الانضمام وهي درجة الانضمام الجهادي وهي ليست عامة بل هي من حق الأخ العامل الذي يثبت لمكتب ‏الإرشاد محافظته على واجباته السابقة، وفحصها من حق المكتب، وواجبات الأخ في هذه المرتبة – فضلاً عما سبق – تحرّى السنة المطهرة ما استطاع ‏إلى ذلك سبيلاً في الأقوال والأفعال والأحوال، ومن ذلك قيام الليل وأداء الجماعة إلا لعذر قاهر، والزهادة والعزوف عن مظاهر المتع الفانية، والبعد عن ‏كل ما هو غير إسلامي في العبادات وفي المعاملات وفي شأنه كله، والاشتراك المالي في مكتب الإرشاد وصندوق الدعوة، والوصية بجزء من تركته ‏لجماعة الإخوان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما دام أهلاً لذلك، وتلبية دعوة المكتب متى وجهت إليه في أي وقت وفي أي مكان، وحمل ‏المصحف ليذكره بواجبه نحو القرآن الكريم والاستعداد لقضاء مدة التربية الخاصة بمكتب الإرشاد، ويسمى الأخ في هذه المرتبة مجاهدًا.‏

وقد كانت الأنشطة الحركية لجماعة الإخوان المسلمين تعتمد على:‎
  • المحاضرات والدروس في الدور والمساجد‎.
  • إصدار (رسالة المرشد العام) عددين فقط، ثم‎ ‎‏(‎مجلة‎ ‎الإخوان المسلمين‎‎‏) ‎الأسبوعية.
  • إصدار عدد من الرسائل والنشرات‎.
  • إنشاء الشُعب بالقاهرة،‎ ‎وزيادة شُعب الأقاليم، وبدء نشر الدعوة وتأسيس الشُعب في الخارج‎.
  • بدء تنظيم التشكيلات الكشفية والرياضية‎.
  • تركيز الدعوة في الجامعة والمدارس وإنشاء قسم الطلاب الانتفاع بجهود‎ ‎الأزهر‎ ‎الشريف (علمائه طلابه‎‏).
  • إقامة عدة مؤتمرات دورية‎ ‎للإخوان‎ ‎في‎ ‎القاهرة‎ ‎والأقاليم‎.
  • المساهمة في إحياء الاحتفالات الإسلامية والذكريات المجيدة في‎ ‎القاهرة‎ ‎والأقاليم كذلك.‏
  • المساهمة في مناصرة القضايا الإسلامية الوطنية وبخاصة قضية‎ ‎فلسطين‎.
  • تناول الناحية الأخلاقية السياسية والاجتماعية بالبيان والإيضاح‎ ‎والتوجيه وكتابة المذكرات والمقالات والرسائل بهذا الخصوص‎.
  • المساهمة في الحركات الإسلامية، كحركة مقاومة التنصير وحركة تشجيع‎ ‎التعليم الديني.‏
  • بدء مهاجمة الحكومات المقصرة إسلامياً ومهاجمة الحزبية والدعوة في‎ ‎وضوح إلى المنهاج الإسلامي وتأليف اللجان لدراسات فنية في هذه ‏النواحي‎.

وفي المؤتمر الصحفي الذي عُقد بدار المركز العام بمناسبة مرور عشرين عاما على قيام أول تشكيلة للإخوان، ألقى حسن البنَّا بيانًا جاء فيه[17]:

أكثر الناس لا يعرفون إلا أن الإخوان يريدون إقامة الحدود الإسلامية. وهذا في الحقيقة تصور قاصر؛ فإن الإخوان يريدون إحياء النظام الإسلامي الاجتماعي الكامل، وهو كل لا يقبل التجزئة، ووحدة متكاملة بكل مظاهره من حيث المثل العليا الاجتماعية أولاً على أن قضية الحدود الإسلامية نفسها لم يفهمها الأكثرون على وضعها الإسلامي الصحيح، ولو فهموا لعرفوا أنها أعدل وارحم وأحكم تشريع لمكافحة ناجحة تفوق أحدث النظريات القانونية والنفسية والاجتماعية للتشريع الحديث. وليست حركة الإخوان المسلمين حركة طائفية موجهة ضد عقيدة من العقائد أو دين من الأديان أو طائفة من الطوائف؛ إذ إن الشعور الذي يهيمن على نفوس القائمين بها، أن القواعد الأساسية للرسالات جميعًا قد أصبحت مهددة الآن بالإلحادية والإباحية، وعلى الرجال المؤمنين بهذه الأديان أن يتكاتفوا أو يوجهوا جهودهم لإنقاذ الإنسانية من هذين الخطرين الزاحفين.... ولا يكره الإخوان المسلمون الأجانب النزلاء في البلاد العربية والإسلامية، ولا يضمرون لهم سوءًا. حتى اليهود المواطنون لم يكن بيننا وبينهم إلا العلاقات الطيبة. أما اشتراكهم الفعلي في مساعدة العصابات الصهيونية بفلسطين بكل صنوف المساعدة، فلم يكن بد من أن يشعروا بأن هذا المسلك المعوج الخاطئ قد أفقدهم العطف. ومنهج الإخوان قائم الانفتاح على المجتمع بانطلاق لا انغلاق فيه، وهي أيضًا تعتمد على التدرج في الخطوات، ولا تلجأ إلى القفز فوق الاعتبارات الواقعية والسنة الكونية والأصول الشرعية.

وقد وضع حسن البنَّا المرشد للعام لجماعة الإخوان المسلمين ومؤسسها "المطالب الخمسون" التي أرسلها لحكام الدول الإسلامية[18] في "رسالة نحو النور" وطالبهم فيها بتطبيق النظم الإسلامية وإصلاح نظم الحكم من منظور إسلامي. وفي شهر أيار/مايو 1947 رفع حسن البنَّا خطاباً موجزاً لملوك وأمراء ورجال حكومات البلدان الإسلامية وأعضاء الهيئات التشريعية والجماعات الإسلامية وأهل الرأي والغيرة في العالم الإسلامي، وجاء في آخر ذلك الخطاب بيان خمسين مطلباً من المطالب العملية التي تنبني على تمسك المسلمين بإسلامهم وعودتهم إليه في شأنهم وعرفت هذه المطالب بالمطالب الخمسين، لمزيد من التفاصيل إنظر (ملحق رقم 1 - رسائل البنا نحو النور)، ويذكر حسن البنَّا هذه المطاب قائلا أما رؤوس مناحي الإصلاح المرتكز على الروح الإسلامي الصحيح فهي:

أولا : في الناحية السياسية والقضائية والإدارية

1. القضاء على الحزبية وتوجيه قوى الأمة السياسية في وجهة واحدة وصفّ واحد.
2. إصلاح القانون حتى يتفق مع التشريع الإسلامي في كل فروعه.
3. تقوية الجيش والإكثار من فرق الشباب وإلهاب حماستها على أسس من الجهاد الإسلامي.
4. تقوية الروابط بين الأقطار الإسلامية جميعا، وبخاصة العربية منها تمهيدا للتفكير الجدي العملي في شأن الخلافة الضائعة.
5. بث الروح الإسلامي في دواوين الحكومة بحيث يشعر الموظفون جميعا بأنهم مطالبون بتعاليم الإسلام.
6. مراقبة سلوك الموظفين الشخصي وعدم الفصل بين الناحية الشخصية والناحية العملية.
7. تقديم مواعيد العمل في الدواوين صيفا وشتاء حتى يعين ذلك على الفرائض ويقضي على السهر الكثير.
8. القضاء على الرشوة والمحسوبية والاعتماد على الكفاية والمسوغات القانونية فقط.
9. أن توزن كل أعمال الحكومة بميزان الأحكام والتعاليم الإسلامية، فتكون نظم الحفلات والدعوات والاجتماعات الرسمية والسجون والمستشفيات بحيث لا تصطدم بقاعدة بتعاليم الإسلام، وتكون الدوريات في الأعمال على تقسيم لا يتضارب مع أوقات الصلاة.
10. استخدام الأزهريين في الوظائف العسكرية والإدارية وتدريبهم.

ثانيا : في الناحية الاجتماعية والعلمية
1. تعويد الشعب احترام الآداب العامة، ووضع إرشادات معززة بحماية القانون في ذلك الشأن، وتشديد العقوبات على الجرائم الأدبية.
2. علاج قضية المرأة علاجا يجمع بين الرقى بها والمحافظة عليها وفق تعاليم الإسلام، حتى لا تترك هذه القضية التي هي أهم قضايا الاجتماع تحت رحمة الأقلام والآراء الشاذة من المفرطين والمفرطين.
3. القضاء على البغاء، بنوعيه السري والعلني، واعتبار الزنا مهما كانت ظروفه جريمة منكرة يجلد فاعلها.
4. القضاء على القمار بكل أنواعه من ألعاب ويناصيب ومسابقات وأندية.
5. محاربة الخمر كما تحارب المخدرات، وتحرمها وتخليص الأمة من شرورها.
6. مقاومة التبرج والخلاعة وإرشاد السيدات إلى ما يجب أن يكون، والتشديد في ذلك بخاصة على المدرسات والتلميذات والطبيبات والطالبات ومن في حكمهن.
7. إعادة النظر في مناهج تعليم البنات ووجوب التفريق بينها وبين مناهج تعليم الصبيان في كثير من مراحل التعليم.
8. منع الاختلاط بين الطلبة والطالبات، واعتبار خلوة أي رجل بامرأة لا تحل له جريمة يؤاخذان بها.
9. تشجيع الزواج والنسل بكل الوسائل المؤدية إلى ذلك، ووضع تشريع يحمي الأسرة ويحض عليها ويحل مشكلة الزواج.
10. إغلاق الصالات والمراقص الخليعة وتحريم الرقص وما إلى ذلك.
11. مراقبة دور التمثيل وأفلام السينما والتشديد في اختيار الروايات والأشرطة.
12. تهذيب الأغاني واختيارها ومراقبتها والتشديد في ذلك.
13. حسن اختيار ما يذاع أو يعرض على الأمة من برامج ومحاضرات وأغاني وموضوعات واستخدام الإذاعة والتلفاز في تربية وطنية خلقية فاضلة.
14. مصادرة الروايات المثيرة والكتب المشككة المفسدة والصحف التي تعمل على إشاعة الفجور وتستغل الشهوات استغلالا فاحشا.
15. تنظيم المصايف تنظيما يقضى على الفوضى والإباحية التي تذهب بالغرض الأساسي من الاصطياف.
16. تحديد مواعيد افتتاح وإغلاق المقاهي العامة ومراقبة ما يشتغل به رواده وإرشادهم إلى ما ينفعهم وعدم السماح لها بهذا الوقت الطويل كله.
17. استخدام هذه المقاهي في تعليم الأميين القراءة والكتابة ويساعد على ذلك هذا الشباب المتوثب من رجال التعليم الإلزامي والطلبة
18. مقاومة العادات الضارة اقتصاديا أو خلقيا أو غير ذلك وتحويل تيارات الجماهير عنها إلى غيرها من العادات النافعة، أو تهذيب نفسها تهذيبا يتفق مع المصلحة وذلك كعادات الأفراح والمآتم والموالد والزار والمواسم والأعياد وما إليها، وتكون الحكومة قدوة صالحة في ذلك.
19. اعتبار دعوة الحسبة ومؤاخذة من يثبت عليه مخالفة شيء من تعاليم الإسلام أو الاعتداء عليه، كالإفطار في رمضان وترك الصلاة عمدا أو سب الدين وأمثال هذه الشؤون.
20. ضم المدارس الإلزامية في القرى والمساجد وشمولها معا بالإصلاح التام من حيث الموظفين والنظافة وتمام الرعاية، حتى يتدرب الصغار على الصلاة ويتدرب الكبار على العلم.
21. تقرير التعليم الديني مادة أساسية في كل المدارس على اختلاف أنواعها كل بحسبه وفى الجامعة أيضا.
22. تشجيع تحفيظ القرآن في المكاتب العامة الحرة، وجعل حفظه شرطا في نيل الإجازات العلمية التي تتصل بالناحية الدينية واللغوية، مع تقرير حفظ بعضه في كل مدرسة.
23. وضع سياسة ثابتة للتعليم، تنهض به وترفع مستواه، وتوحد أنواعه المتحدة الأغراض والمقاصد، وتقرب بين الثقافات المختلفة في الأمة، وتجعل المرحلة الأولى من مراحله خاصة بتربية الروح الوطني الفاضل والخلق القويم.
24. العناية باللغة العربية في كل مراحل التعليم وإفرادها في المراحل الأولى عن غيرها من اللغات الأجنبية.
25. العناية بالتاريخ الإسلامي والتاريخ الوطني التربية الوطنية وتاريخ حضارة الإسلام.
26. التفكير في الوسائل المناسبة لتوحيد الأزياء في الأمة تدريجيا.
27. القضاء على الروح الأجنبية في البيوت من حيث اللغة والعادات والأزياء والمربيات والممرضات..الخ، وتصحيح ذلك وبخاصة في بيوت الطبقات الراقية.
28. توجيه الصحافة توجيها صالحا وتشجيع المؤلفين والكاتبين على طرق الموضوعات الإسلامية الشرقية.
29. العناية بشؤون الصحة العامة، من نشر الدعاية الصحية بمختلف الطرق والإكثار من المستشفيات والأطباء والعيادات المتنقلة وتسهيل سبل العلاج.
30. العناية بشأن القرية من حيث نظامها ونظافتها وتنقية مياهها ووسائل الثقافة والراحة والتهذيب فيها.

ثالثا : في الناحية الاقتصادية
1. تنظيم الزكاة دخلا ومنصرفا بحسب تعاليم الشريعة السمحة، والاستعانة به في المشروعات الخيرية التي لابد منها كملاجئ العجزة والفقراء واليتامى وتقية الجيش.
2. تحريم الربا وتنظيم المصارف تنظيما يؤدي إلى هذه الغاية، وتكون الحكومة قدوة في ذلك بإلغاء الفوائد في مشروعاتها الخاصة بها كبنك التسليف والسلف الصناعية وغيرها.
3. تشجيع المشروعات الاقتصادية والإكثار منها، وتشغيل العاطلين من المواطنين فيها واستخلاص ما في أيدي الأجانب منها للناحية الوطنية البحتة.
4. حماية الجمهور من عسف الشركات المحتكرة وإلزامها حدودها والحصول على كل منفعة ممكنة للجمهور.
5. تحسين حال الموظفين الصغار برفع مرتباتهم واستبقاء علاواتهم ومكافأتهم وتقليل مرتبات الموظفين الكبار.
6. حصر الوظائف وخصوصا الكثيرة منها، والاقتصار على الضروري، وتوزيع العمل على الموظفين توزيعا عادلا والتدقيق في ذلك.
7. تشجيع الإرشاد الزراعي والصناعي والتجاري، والاهتمام بترقية الفلاح والصانع من الناحية الإنتاجية.
8. العناية بشؤون العمال الفنية والاجتماعية، ورفع مستواهم في مختلف النواحي الحيوية.
9. استغلال الموارد الطبيعية كالأرض البور والمناجم المهملة وغيرها.
10. تقديم المشروعات الضرورية على الكماليات في الإنشاء والتنفيذ.

وقد قام حسن البنَّا المرشد للعام لجماعة الإخوان المسلمين ومؤسسها بتصنيف الناس - حسب رأيهم وقناعتهم بدعوته - إلى أربعة فئات[19]:

1- مؤمن: إما شخص آمن بدعوتنا وصدق بقولنا وأعجب بمبادئنا، ورأى فيها خيرا اطمأنت إليه نفسه، وسكن له فؤاده، فهذا ندعوه أن يبادر بالانضمام إلينا والعمل معنا حتى يكثر به عدد المجاهدين ويعلوا بصوته صوت الداعين، ولا معنى لإيمان لا يتبعه عمل، ولا فائدة في عقيدة لا تدفع صاحبها إلى تحقيقها والتضحية في سبيلها، وكذلك كان السابقون الأولون ممن شرح الله صدورهم لهدايته فاتبعوا أنبيائه وآمنوا برسالاته وجاهدوا فيه حق جهاده، ولهؤلاء من الله أجزل الأجر وأن يكون لهم مثل ثواب من اتبعوهم لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا.

2- متردد: وإما شخص لم يستبين وجه الحق، ولم يتعرف في قولنا معنى الإخلاص والفائدة، فهذا نتركه لتردده ونوصيه بأن يتصل بنا عن كثب، ويقرأ عنا من قريب أو بعيد، ويطالع كتاباتنا ويزور أنديتنا ويتعرف إلى إخواننا، فسيطمئن بعد ذلك لنا إن شاء الله، وكذلك كان شأن المترددين من أتباع الرسل من قبل.

3- نفعي: وإما شخص لا يريد أن يبذل معونته إلا إذا عرف ما يعود عليه من فائدة وما يجره هذا البذل له من مغنم فنقول له: حنانيك ليس عندنا من جزاء إلا ثواب الله إن أخلصت، والجنة إن علم فيك خيرا، أما نحن فمغمورون جاها فقراء مالا، شأننا التضحية بما معنا وبذل ما في أيدينا، ورجاؤنا رضوان الله سبحانه وتعالى وهو نعم المولى ونعم النصير، فإن كشف الله الغشاوة عن قلبه وأزاح كابوس الطمع عن فؤاده فسيعلم أن ما عند الله خير وأبقى، وسينضم إلى كتيبة الله ليجود بما معه من عرض الحياة الدنيا لينال ثواب الله في العقبى، وما عندكم ينفد وما عند الله باق، وإن كانت الأخرى فالله عني عمن لا يرى لله الحق الأول في نفسه وماله ودنياه وآخرته وموته وحياته، وكذلك كان شأن قوم من أشباهه حين أبوا مبايعة رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا أن يجعل لهم الأمر من بعده، فما كان جوابه صلى الله عليه وسلم إلا أن أعلمهم أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين.

4- متحامل : وإما شخص أساء فينا ظنه وأحاطت بنا شكوكه، فهو لا يرانا إلا بالمنظار الأسود القاتم، ولا يتحدث عنا إلا بلسان المتحرج المتشكك، ويأبى إلا أن يلج في غروره ويسدر في شكوكه ويظل مع أوهامه، فهذا ندعو الله لنا وله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، وأن يلهمنا وإياه الرشد، ندعوه إن قبل الدعاء ونناديه إن أجاب النداء وندعو الله فيه وهو أهل الرجاء، ولقد أنزل الله على نبيه الكريم في صنف من الناس: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) القصص: 56 وهذا سنظل نحبه ونرجو فيئه إلينا واقتناعه بدعوتنا، وإنما شعارنا معه ما أرشدنا إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم من قبل: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون). نحب أن يكون الناس معنا واحدا من هؤلاء، وقد حان الوقت الذي يجب فيه على المسلم أن يدرك غايته ويحدد وجهته، ويعمل لهذه الوجهة حتى يصل إلى غايته المنشودة، أما تلك الغفلة السادرة والخطرات اللاهية والقلوب الساهية والانصياع الأعمى واتباع كل ناعق فما هو من سبيل المؤمنين في شيء.

وبعد الكثير من حوادث الشغب العنيفة والتفجيرات والإغتيالات في مصر والتي تم إتهام جماعة الإخوان المسلمين بها، صدرت مذكرة تفسيرية من وكيل الداخلية ‏عبدالرحمن عمار ‏إلى رئيس الوزراء المصري يطلب فيها حل جمعية الإخوان المسلمين يقول فيها[20]:

‎تألفت منذ سنوات جمعية اتخذت ‏لنفسها اسم (الإخوان المسلمين) ‎وأعلنت على الملأ أن لها أهدافا دينية واجتماعية دون أن تحدد لها هدفا سياسيا معينا ترمي إليه، وعلى هذا الأساس نشطت الجمعية وبثت دعايتها، ولكن ما كادت تجد لها أنصارا وتشعر بأنها اكتسبت شيئا من رضا بعض الناس إلى وصولهم إلى الحكم وقلب النظم المقررة في البلاد. وقد اتخذت هذه الجماعة - في سبيل الوصول إلي ‏أغراضها - طرقا شتى يسودها طابع العنف، فدربت أفرادًا من الشباب أطلقت عليهم إسم (الجوالة) وأنشأت مراكز رياضية تقوم بتدريبات عسكرية مستترة وراء الرياضة. كما أخذت تجمع الأسلحة والقنابل والمفرقعات وتخزنها لتستعملها في الوقت الذي تتخيره، وساعدها على ذلك ما كانت تقوم به بعض الهيئات من جمع الأسلحة والعتاد بمناسبة قضية فلسطين. ‎وأنشأت مجلات أسبوعية وجريدة سياسية يومية تنطق باسمها سرعان ما انغمست في تيار النضال السياسي متغافلة عن ‏الأغراض الدينية والاجتماعية التي أعلنت الجماعة أنها قامت لتحقيقها.

ولا أدل على هذا مما أثبته ممثل النيابة العسكرية العليا في مذكرة له في شأن ما أسفر عنه تحقيق قضية الجناية العسكرية ‏رقم 882 لسنة 1942 قسم الجمرك، إذ قال عن جمعية الإخوان المسلمين "‎وبفحص المكاتب الأخرى اتضح من الإطلاع على التقرير المرسل من بعض أعضاء الجماعة في طنطا أنهم يعيبون على الجمعية سياستها الحالية التي تصطبغ بصبغة دينية بحتة، ويطلبون أن تكشف الجمعية للجمهور عن حقيقة مراميها وعن الغرض الأساسي من تكوينها الذي ينصب بالذات ‏على أن الجمعية ليست جمعية دينية بالمعني الذي يفهمه الجمهور، وإنما هي جمعية سياسية دينية إجتماعية تنادي بتغيير ‏القوانين وأساليب الحكم الحالية، وأن الخطب الدينية لا تفيد في توجيه الجمهور إلى تفهم غرضها الحقيقي، وأن الوسيلة ‏لبلوغ هذا هو إثارة الجمهور بطريقة طرق مشاعره وحساسيته لا عقله وتقديره، إذ أن هذه الناحية الأخيرة هي ناحية ضامرة فيه... ‎إلخ" وقد كتب الشيخ حسن البنا رئيس الجماعة بخط يده على هذا التقرير إنه مؤمن بما ورد فيه وموافق على ‏ما تضمنه من مقترحات.

‎ومما يؤيد هذا الاتجاه ما حدث في8 ‎ فبراير 1946 ‎بإحدى قرى مركز أجا إذ قام طالب يخطب الناس حاثاً إياهم على ‏الانضمام لشعبة الإخوان المسلمين في تلك القرية ومحرضا على مقاومة كل من يتعرض لهذه الجماعة من رجال الإدارة وغيرهم ولو أدى ذلك إلى استعمال السلاح. ‎وقد استمر قادة الجماعة ورؤساؤها يعالجون الأمور السياسية في خطبهم ‏وأحاديثهم ونشراتهم جهرة متابعين الأحداث السياسية، منتهزين كل فرصة تسنح لهم للوصول إلى أغراضهم. وكان بعض الموظفين قد استهوتهم الأهداف الإجتماعية والدينية التي اتخذتها الجماعة لأحزاب سياسية. كما امتدت دعوة الجماعة إلى أوساط الطلبة، واجتذبت فريقا منهم، فأفسدت عليهم أمر تعليمهم وجعلت من بينهم من يجاهر بانتسابه إليها ويأتمر بأمرها ‏فيحدث الشغب، ويثير الاضطراب في معاهد التعليم، مما أخل بالنظام فيها إخلالا واضح الأثر.

‎ولقد تجاوزت الجماعة الأغراض السياسية المشروعة إليى أغراض يجرمها الدستور وقوانين البلاد، فهدفت إلى تغيير النظم السياسية المشروعة إلى أغراض يجرمها الدستور وقوانين البلاد، فهدفت إلى تغيير النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية بالقوة والإرهاب، ولقد أمعنت في نشاطها فاتخذت الإجرام وسيلة لتنفيذ مراميها، ‎وفيما يلي بعض أمثلة قليلة لهذا النشاط ‏الإجرامي كما سجلته التحقيقات الرسمية في السنوات الأخيرة:‎

أولاً: أوضحت تحقيقات الجناية العسكرية العليا سنة 1942 قسم الجمرك حقيقة أغراض هذه الجماعة، وأنها تهدف إلى ‏قلب النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية متخذة طرقاً إرهابية بواسطة فريق من أعضائها دربوا تدريبا عسكريا وأطلق عليهم إسم "‎فريق الجوالة".

ثانياً: وبتاريخ 6 يونيو 1946 وقع اصطدام في مدينة بورسعيد بين أعضاء هذه الجماعة وخصوم لهم استعملت فيه ‏القنابل والأسلحة، وأسفر عن قتل أحد خصومهم وإصابة آخرين. وضبطت لذلك واقعة الجناية رقم 679 ‎لسنة 1946 ‎قسم ‏ثان بورسعيد.

ثالثاً: وبتاريخ 10 ديسمبر 1946 ‎ضبط بعض أفراد هذه الجماعة بمدينة الإسماعيلية يقومون بتجارب لصنع القنابل والمفرقعات.

رابعاً: كما وقعت بتاريخ 24 ديسمبر 1946 حوادث إلقاء قنابل انفجرت في عدة أماكن بمدينة القاهرة وضبط من مرتكبيها إثنان من هذه الجماعة، قدما لمحكمة الجنايات فقضت بإدانة أحدهما، قضية الجناية رقم 767 لسنة 1046 ‎قسم عابدين 117 سنة 1946 كلي‎.

خامساً: وقد تعددت حوادث اشتباك أفراد هذه الجماعة مع رجال البوليس ومقاومتهم لهم بل والاعتداء عليهم وهم يؤدون ‏واجبهم في سبيل حفظ الأمن وصيانة النظام، مثال ذلك ما حدث في يوم 29 يوليو 1947 ‎بدائرة قسم الخليفة من اعتداء فريق جوالة الإخوان المسلمين على مأمور هذا القسم ورجاله.

‎سادساً: ‎وقد ثبت من تحقيق الجناية رقم 4726 لسنة 1947 الإسماعيلية أن أحد أفراد هذه الجماعة ألقى قنبلة بفندق الملك جورج بتلك المدينة فانفجرت وأصيب من شظاياها عدة أشخاص، كما أصيب ملقيها نفسه بإصابات بالغة.

سابعاً: وحدث في 19 يناير 1948 أن ضُبط خمسة عشر شخصا من جماعة الإخوان المسلمين بمنطقة جبل المقطم يتدربون على إستعمال الأسلحة النارية والمفرقعات والقنابل، وكانوا يحرزون كميات كبيرة من هذه الأنواع وغيرها من ‏أدوات التدمير والقتل.

ثامناً: وفي 17 فبراير 1948 اعتدى فريق من هذه الجماعة على خصوم لهم في الرأي بأن أطلقوا عليهم أعيرة نارية قتلت أحدهم، وكان ذلك بناحية كوم النور مركز ميت غمر وضبطت لذلك واقعة الجناية رقم 1407 لسنة 1948.

تاسعاً: كما عثر بتاريخ 22 أكتوبر 1948 بعزبة فرغلي رئيس شعبة الإخوان المسلمين بالإسماعيلية على صندوق يحتوي على قنابل، مما استدعى تفتيش منزله، فإذا بأرض إحدى الغرف سردابان بهما كميات ضخمة من القنابل المختلفة والمفرقعات والمقذوفات النارية والبنادق والمسدسات وأحد عشر مدفعا. كما عثر في فجوة بأرض الغرفة على وثائق تقطع ‏بأن هذه الجماعة تعد العدة للقيام بأعمال إرهابية واسعة النطاق.

عاشراً: وحرقت في 18 يناير 1947 أحطاب لأحد الملاك بناحية كفر بداوي، واتهم بوضع النار فيها فريق من شعبة ‏الإخوان المسلمين بتلك القرية، ولما قام البوليس بالفحص عن أحوال تلك الشعبة تبين أن أحد أعضائها مقدم لمحكمة ‏الجنايات في جريمة قتل شيخ خفراء البلدة.

حادي عشر: وبتاريخ 3 فبراير 1948 ‎قام بعض أفراد شعبة الإخوان المسلمين بناحية البرامون بإيهام الأهالي بأنهم ‏سيعملون علي زيادة أجورهم وإرغام تفتيش أفيروف الذي يقع بزمام القرية على تأجير أراضيه مقسمة على الأهالي بإيجار معتدل، وقاموا بمظاهرات طافت بالقرية تردد هتافات مثيرة، ولما أقبل رجال البوليس لقمع الفتنة اعتدوا عليهم بإطلاق النار وقذف الأحجار. ‎وقد وقع شجار بعد ذلك بنفس القرية في يوم 3 مارس 1948 ‎بين جماعة الإخوان المسلمين ومن والاهم وبين خصوم لهم فأسفر عن قتل أحد الأشخاص وإصابة آخرين.

ثاني عشر: وفي يوم 26 يونية 1948 ‎حرض الإخوان المسلمون عمال تفتيش زراعة محلة موسى التابع لوزارة الزراعة على التوقف عن العمل مطالبين بتملك أراضي هذا التفتيش، الأمر الذي سجلته القضية رقم 921 لسنة 1948 ‎جنح كفر ‏الشيخ.

ثالث عشر: من الأساليب التي لجأت إليها الجماعة إرسال خطابات تهديد لبعض الشركات والمحال التجارية لابتزاز أموال منها على زعم أنها مقابل الاشتراك في جريدتهم، واقتنصوا بالفعل أموالا بهذه الوسيلة، ‎وقد تقدمت بعض هذه ‏الشركات بالشكوى من هذا التهديد طالبة حمايتها من أذى هذه الجماعة.

‎ولم تقف شرور هذه الجماعة عند هذا الحد، بل عمدت إلى إفساد النشئ، فبذرت بذور الإجرام وسط الطلبة والتلاميذ، فإذا بمعاهد التعليم وقد إنقلبت مسرحاً للشغب والإخلال بالأمن وميدانا للمعارك والجرائم، ومن أمثلة ذلك الحوادث التالية:

أ- حدث ببندر دمنهور في يوم 25 مايو 1947 بمدرسة الصنايع أن اعتدى تلاميذ الإخوان المسلمين على أحد المخالفين ‏لهم في الرأي وشرعوا في قتله بطعنة سكين، ‎وضبطت لذلك واقعة الجناية رقم 1248 لسنة 1947 ببندر دمنهور.

ب- وفي يوم 3 فبراير 1948 حرض بعض التلاميذ من أعضاء هذه الجماعة زملاؤهم تلاميذ مدرسة الزقازيق الثانوية على الإضراب، وألقى أحدهم قنبلة يدوية انفجرت وأصابت بعض رجال البوليس. كما ضبط مع آخر منهم قنبلة يدوية قبل أن يتمكن من استخدامها في الاعتداء.

ج- وفي يوم 24 يناير 1948 ‎تحرش بعض تلاميذ مدرسة شبين الكوم المنتمين إلى الإخوان المسلمين بزملاء لهم، ‏الأمر الذي أدى إلي حادث قتل.

‎ولم ترع هذه الجماعة عن أن يمتد إجرامها إلى القضاء الذي ظل رجاله في محراب العدل ذخراً للمصريين، وملاذا لهم‏، ينعمون بثقة المتقاضين وطمأنينتهم، ‎إذ قصدوا إلى إرهاب القضاة عن طريق قتل عَلَم منهم هو الغفور له أحمد الخازندار ‏بك وكيل محكمة استئناف مصر، الذي حكم بإدانة بعض أعضاء الجماعة لجرائم اقترفوها باستخدام القنابل، وثبت أن أحد المجرمين القاتلين كان سكرتيرًا خاصًا للشيخ حسن البنا.

‎ولقد أدركت الحكومات المتعاقبة خطورة الأهداف والمقاصد التي تسعى هذه الجماعة لتحقيقها فحاولت - ‎في حدود القوانين القائمة - أن تحد من شرورها وساعدت الأحكام العرفية التي أعلنت خلال الحرب العالمية الأخيرة على اعتقال ‏بعض قادة هذه الجماعة، وعلى الرغم من ذلك فقد ظلت الجماعة سادرة في جرائمها، الأمر الذي استوجب إصدار الأمر ‏العسكري يحل شعبتي الإخوان المسلمين بالإسماعيلية وبورسعيد. ولقد وقعت في يوم 4 ديسمبر 1948 حوادث مؤلمة بجامعة فؤاد الأول بالجيزة، ألقى فيها الطلاب قنابل على رجال البوليس وأطلقوا عليهم الرصاص وقذفوهم بالأحجار ‏فأصيب عدد منهم، كما حدث في نفس اليوم أن اعتصم بعض طلبة كلية الطب بأسطح مبنى الكلية، وأشعلوا النار في أماكن ‏متفرقة وقذفوا رجال البوليس الذين كانوا يحافظون على النظام ببعض القنابل وكميات هائلة من الأحجار وقطع الأخشاب وزجاجات مملوءة بالأحماض ثم ألقوا على حكمدار بوليس العاصمة قنبلة أودت بحياته.

وحدث في يوم 6 ديسمبر 1948 ‎أن تجمع طلبة مدرسة الخديوي واندس بينهم بعض الغرباء وألقوا قنبلتين على رجال البوليس الذين كانوا خارج أسوار المدرسة، فأصيب ضابط وسبعة من العساكر، ‎وكان مقترفوا هذه الحوادث المروعة من ‏المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، ولا تزال النيابة العامة ماضية في تحقيق حادث ضبط سيارة بها مواد متفجرة وذخائر ومستندات خطيرة، بدائرة قسم الوايلي يوم 15 نوفمبر 1948 وقد أدى التقصي عن ظروف هذا الحادث إلى ضبط كميات ‏هائلة من القنابل والمفرقعات جاءت أضعافاً مضاعفة لما ضبط في تلك السيارة، وقد كشفت ملابسات هذا الحادث حتى ‏الآن عن أن جماعة من الإخوان المسلمين يكونون عصابات إجرامية هي المسئولة عن حوادث الانفجارات الخطيرة التي ‏حدثت في مدينة القاهرة خلال الشهور الستة الأخيرة، وكان آخرها حادث نسف شركة الإعلانات الشرقية يوم 12 نوفمبر 1948 وما نجم عنه من هدم وتخريب في المباني وقتل بعض الأهالي ورجال البوليس وجرح عدد غير قليل من الأشخاص. ‎وبما أنه يتبين بجلاء من استعراض هذه الحوادث - وهي قليل من كثير - أن هذه الجماعة قد أمعنت في شرورها بحيث أصبح وجودها يهدد الأمن العام والنظام تهديدا بالغ الخطر، لذلك أرى أنه بات من الضروري اتخاذ التدابير الحاسمة لوقف نشاط هذه الجماعة التي تروع أمن البلاد في وقت هي أحوج ما تكون فيه إلى هدوء كامل وأمن شامل ضمانا لسلامة أهلها في الداخل وجيوشها في الخارج.

وبتاريخ 08/12/1948 صدر أمر عسكري بتوقيع محمود فهمي النقراشي باشا رئيس الوزراء المصري يقضي بحل جمعية الإخوان المسلمين ومصادرة أموالها[21]:

بعد الإطلاع على المرسوم الصادر في ‏‎31 مايو‏‎1948 ‎ بإعلان الأحكام العرفية، وعلى المادة الثالثة بند 8 من القانون رقم 15 لسنة 1923 ‎الخاص بنظام الأحكام العرفية والقوانين المعدلة له، وبمقتضى السلطات المخولة آنفا بناءً على المرسوم المتقدم ذكره ما هو آت

مادة-1 ‎تحل فوراً الجمعية المعروفة باسم "جماعة الإخوان المسلمين" بشعبها في جميع أنحاء المملكة المصرية وتغلق الأمكنة المخصصة لنشاطها، وتضبط الأوراق والوثائق والسجلات والمطبوعات والمبالغ والأموال، وعلى العموم كافة ‏الأشياء المملوكة للجمعية.‎ ‎ويحظر على أعضاء مجلس إدارة الجمعية المذكورة وشعبها ومديريها وأعضائها والمنتمين إليها بأية صفة كانت مواصلة ‏نشاط الجمعية، وبوجه خاص عقد إجتماعات لها أو لإحدى شعبها أو تنظيم مثل هذه الإجتماعات أو الدعوة إليها أو جمع ‏الإعانات أو الاشتراكات أو الشروع في شيء من ذلك، ويعد من الإجتماعات المحظورة في تطبيق هذا الحكم إجتماع خمسة ‏فأكثر من الأشخاص الذين كانوا أعضاء بالجمعية المذكورة، ‎كما يحظر على كل شخص طبيعي أو معنوي السماح باستعمال أي مكان له لعقد مثل هذه الاجتماعات أو تقديم أية مساعدة مادية أو أدبية أخرى.‎

مادة-2 يحظر إنشاء جمعية أو هيئة من أي نوع كانت أو تحويل طبيعة جمعية أو هيئة قائمة إذا كان الغرض من ‏الإنشاء أو التحويل القيام بطريق مباشر بالنشاط الذي كانت تتولاه الجمعية المنحلة أو إحياء هذه الجمعية على أية صورة من ‏الصور كما يحظر الاشتراك في كل ذلك أو الشروع فيه.

مادة-3 على كل شخص كان عضوا في الجمعية المنحلة أو منتميا إليها وكان مؤتمنا على أوراق أو مستندات أو دفاتر ‏أو سجلات أو أدوات أو أشياء من أي نوع كانت متعلقة بالجمعية أو بإحدى شعبها أن يقدم تلك الأوراق والأشياء إلى مركز ‏البوليس المقيم في دائرته في خلال خمسة أيام من تاريخ نشر هذا الأمر.‎

مادة-4 يعين بقرار من وزير الداخلية مندوب خاص تكون مهمته إستلام جميع أموال الجمعية المنحلة وتصفيه ما يرى ‏تصفيته منها، ويخصص الناتج من التصفية للأعمال الخيرية أو الاجتماعية التي يحددها وزير الشئون الاجتماعية بقرار منه.

مادة-5 علي كل شخص كان عضوا في الجمعية المنحلة أو منتميا إليها وكان مؤتمنا على أموال - أيا كان نوعها - ‎تخص الجمعية أو إحدى شعبها أن يقدم عنها إقرارا للمندوب الخاص المشار إليه في المادة السابقة في خلال أسبوع من ‏تاريخ نشر هذا الأمر، وعليه أن يسلمها إلي ذلك المندوب في الميعاد الذي يحدده لهذا الغرض أو في تاريخ استحقاقها على حسب الأحوال.

‎ مادة-6 يجب على كل شخص طبيعي أو معنوي كانت له معاملات مالية من أي نوع كانت أن يقدم عنها إقرارا مبينا به ‏طبيعة هذه المعاملات والمستندات المؤيدة لها، وما إذا كان مدينا أو دائنا بأي مبلغ وموعد الاستحقاق إلى غير ذلك من ‏البيانات التي تسمح بتعرف مع الجمعية أو إحدى تلك المعاملات، ويقدم هذا الإقرار إلى المندوب الخاص المعين طبقا للمادة ‏الرابعة بكتاب موصي عليه في خلال أسبوع من تاريخ نشر هذا الأمر. ‎ويجوز دائما للمندوب الخاص إلغاء جميع العقود ‏التي كانت الجمعية المنحلة أو إحدى شعبها مرتبطة بها ولم يبدأ أو لم يتم تنفيذها دون أن يترتب علي هذا الإلغاء أي حق في ‏التعويض للمتعاقدين معها.

مادة-7 ‎كل مخالفة لأحكام المواد 1 و 2 و 3 ‎يعاقب مرتكبها بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنتين ‏وبغرامة لا تقل عن مائتي جنيه ولا تجاوز ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، وذلك مع عدم الإخلال بتطبيق أي عقوبة ‏أشد ينص عليها قانون العقوبات أو أي قانون أو أمر آخر، فضلا عن مصادرة الأموال موضع الجريمة، ويجوز لرجال ‏البوليس أن يغلقوا بالطريق الإداري الأمكنة التي وقعت فيها الجريمة.

مادة-8 ‎كل مخالفة لأحكام المادة الخامسة يعاقب مرتكبها بالحبس وبغرامة قدرها خمسون جنيها، فإذا كانت قيمة المبلغ ‏الذي لم يقدم عنه الإقرار المشار إليه في المادة الخامسة تزيد على خمسين جنيها كانت العقوبة الحبس وغرامة تعادل قيمة ‏المبلغ المذكور بحيث لا تزيد على أربعة آلاف‎ ‎جنيه.

مادة-9 ‎إذا كان الشخص المحكوم عليه في إحدى الجرائم السابقة موظفا أو مستخدما عموميا أو بمجالس المديريات أو ‏المجالس البلدية أو القروية أو أية هيئة عامة أخرى أو كان عمدة أو شيخا تحكم المحكمة أيضا بفصله من وظيفته، وإذا كان ‏طالبا في إحدى معاهد التعليم الحكومية أو الواقعة تحت إشراف الحكومة تحكم أيضا بفصله منها وحرمانه من الالتحاق بها ‏لمدة لا تقل عن سنة.

مادة-10 ‎يكون للمندوب الخاص المعين طبقا للمادة الرابعة صفة رجال الضبطية القضائية في تنفيذ أحكام المادتين 3 و 5 ‎وله في هذا السبيل حق دخول المنازل وتفتيشها كما أن له تفويض من يندبه لهذا الغرض في إجراء عمل معين من تلك الأعمال. ويعفى المندوب المذكور والمفوضون عنه وكذلك رجال الضبطية القضائية في مباشرة تلك الإجراءات من التقيد ‏بالأحكام الموضوعية لهذا الغرض في قانوني تحقيق الجنايات.

وبتاريخ 28/12/1948 تم إغتيال محمود فهمي النقراشي باشا وذلك بعد مضي ثلاثة أسابيع فقط على قراره بحل جمعية جماعة الإخوان المسلمين، وكان القاتل "عبدالمجيد أحمد حسن" من أعضاء التنظيم الخاص لجماعة الإخوان المسلمين وتم واعتقاله واعترف بقتله النقراشي لأنه أصدر قرار بحل جماعة الإخوان المسلمين، كما تبين من التحقيقات وجود شركاء له في تلك الجريمة من جماعة الإخوان، وتم الحكم على القاتل بالإعدام شنقاً وعلى شركائه بالسجن مدى الحياة. وقد أصدر حسن البنا عقب ذلك الحادث بياناً استنكر فيها تلك الجريمة و"تبرأ" من فاعليه تحت عنوان (ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين).


ويؤكد محمود الصباغ - أحد أعضاء التنظيم الخاص - بأن قتل النقراشي هو عمل "فدائي" وليس إغتيال سياسي! حيث قال[22]: "لا يمكن أن يعتبر أن قتل النقراشي باشا من حوادث الاغتيالات السياسية فهو عمل فدائي صرف قام به أبطال الإخوان المسلمين، لما ظهرت خيانة النقراشي باشا صارخة في فلسطين، بأن أسهم في تسليمها لليهود، ثم أعلن الحرب على الطائفة المسلمة الوحيدة التي تنزل ضربات موجعة لليهود، كما شهد بذلك ضباط القوات المسلحة المصرية سابقًا... فحل جماعتهم واعتقل قادتهم وصادر ممتلكاتهم وحرم أن تقوم دعوة في مصر تدعو إلى هذه المبادئ الفاضلة إلى الأبد، فكانت خيانة صارخة لا تستتر وراء أي عذر أو مبرر، مما يوجب قتل هذا الخائن شرعًا، ويكون قتله فرض عين على كل مسلم ومسلمة، وهذا ما حدث له من بعض شباب النظام الخاص للإخوان المسلمين دون أي توجيه من قيادتهم العليا، فقد كان المجرم الأثيم قد أودعهم جميعًا السجون والمعتقلات وحال بين الإخوان وبين مرشدهم، حيث وضعت كل تحركاته تحت رقابة بوليسية علنية من تاريخ إصدار قرار الحل حتى اغتياله بأيدي جنود إبراهيم عبدالهادي".

وقال هاني النقراشي، نجل محمود فهمي النقراشي باشا رئيس وزراء مصر في حواره مع برنامج "الحدث المصري" على قناة العربية: "كان عمري 13 عامًا عندما تم اغتيال والدي، وأتذكر قبل اغتياله بشهور كان عائدًا من الأمم المتحدة وكنت أقضي اجازة الصيف في الإسكندرية في هذا التوقيت، وطلبت أن أعود إلى القاهرة حتى أكون في استقباله في المطار، ولكن والدتي رفضت بعد أن عرفت أن الآلاف من المصريين سيزحفون إلى المطار لاستقباله بعد خطابه القوي في الأمم المتحدة، ومطالبته للإنجليز بالخروج من مصر.. وقال نصًا للإنجليز «أخرجوا من بلادنا أيها القراصنة»، وخرجت الجماهير إلى المطار لاستقباله وشاهدت الاستقبال في دور السينما، حيث لم تكن الفضائيات أو التلفزيون وتابعت الأعداد الغفيرة"، مشيرًا إلى أن والده بدأ حياته عصاميًا وكان مدرسًا لمادة الرياضيات، وتعرف على الزعيم الوطني سعد زغلول، وتدرج في العمل العام حتى أصبح رئيسًا لوزراء مصر مرتين، على حد قوله. وسرد قصة اغتيال والده الراحل، قائلاً: "حتى الآن لم أنسَ الحادث الإرهابي الذي أودى بحياة الدي.. والقصة شبه معروفة وهي أن والدي كان رئيسًا للوزراء وفي نفس الوقت يشغل منصب وزير الداخلية، وفي مبنى الوزارة في العاشرة إلا الثلث من صباح هذا اليوم، دخل ضابط بوليس برتبة ملازم أول صالة وزارة الداخلية في الطابق الأول، فأدى له حراس الوزارة التحية العسكرية، وأخذ يقطع الوقت بالسير البطيء في صالة الوزارة كأنه ينتظر شيئًا، وعندما أحس بقرب وصول دولة النقراشي باشا، اتجه نحو المصعد ووقف بجانبه الأيمن، وفي تمام العاشرة وخمس دقائق، حضر النقراشي باشا ونزل من سيارته محاطًا بحرسه الخاص، واتجه إلى المصعد فأدى له هذا الضابط التحية العسكرية فرد عليه مبتسمًا، وعندما أوشك والدي على دخول المصعد أطلق عليه هذا الضابط ثلاث رصاصات في ظهره فسقط على الأرض، ونقل جثمانه إلى منزلنا في مصر الجديدة"، على حد وصفه. وأكد النقراشي، أن من اغتال والده "هم جماعة الإخوان"، موضحًا أن "الذي طلب منهم تنفيذ ذلك هم الإنجليز؛ نظرًا لمعارضة والدي الشديدة للاحتلال البريطاني، وتم تجنيد الإخوان ونفذوا الجريمة، وهذا الاتهام ثابت باعترافات القاتل نفسه، ومنذ سنوات مضت قابلت باحثًا سودانيًا في ألمانيا حيث أعيش يدعى (كرم حلا) وهو باحث في التاريخ ونشر كتابًا مهمًا ذكر فيه أن الإنجليز حرضوا الإخوان على ضرورة التخلص من والدي، بذريعة حله لجمعية الإخوان.. وقصة اغتياله تفاصيلها معروفة فقد اتضح أنه ضابط مزيف كان يتردد على قهوة بالقرب من وزارة الداخلية"، على حد قوله. ومضى يقول: "الخلاف بين والدي والإنجليز طويل؛ حيث قدم قبل منصب الوزارة للمحاكمة وتم تلفيق تهمة له عقوبتها الإعدام، وكانت هيئة المحكمة تضم قاضيًا إنجليزيًا رئيسًا لها ومعه قاضيان مصريان، ولكن نجح المحامي الشهير مكرم عبيد، في الدفاع عنه وتفنيد الاتهامات، وحكم على والدي بالسجن، ولهذا تأخر سن زواجه ولم يتزوج إلا بعد عمر 48 عامًا".

وبتاريخ 12/02/1949 تم إغتيال حسن البنا بعد شهر ونصف فقط من إغتيال النقراشي باشا، لكن بعد قيام الثورة المصرية بقيادة الضباط الأحرار على النظام الملكي بتاريخ 23/07/1952 تم محاكمة المتورطين باغتيال حسن البنا نظراً للتقارب الذي كان موجوداً بين قادة تلك الثورة وقادة الإخوان في البداية، وقُدم القتلة للعدالة وصدرت أحكام بالسجن ضدهم في ولكنها اقتصرت على أصحاب الأيدي الملطخة بالدماء ولم تطل أصحاب قرار الاغتيال، حيث أعادت سلطات الثورة التحقيق في ملابسات الحادثة في الأيام الأولى من قيامها وتم القبض على المتهمين باغتياله وتقديمهم أمام محكمة جنيات القاهرة حيث صدرت ضدهم أحكام بالسجن في شهر أغسطس 1954 ونص القاضي في حيثيات الحكم على: "إن قرار الاغتيال قد اتخذته الحكومة السعدية بهدف الانتقام لم يثبت تواطؤ القصر في ذلك لكن القاضي أشار إلى أن العملية تمت بمباركة البلاط الملكي، المتهم الأول أحمد حسين جاد الأشغال الشاقة المؤبدة المتهم السابع محمد محفوظ الأشغال الشاقة خمسة عشر عاماً المتهم الثامن الأميرلاي محمود عبد المجيد الأشغال الشاقة خمسة عشر عاماً البكباشي محمد الجزار سنة مع الشغل قضاها في الحبس الاحتياطي فأفرج عنه، إضافة لتعويض مادي كبير تمثل في دفع عشرة آلاف جنيه مصري كتعويض لأسرة البنا".

وبتاريخ 30/12/2009 نشر الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين اللائحتان العامة والعالمية[23]، التي يقول عنها: "جماعة الإخوان المسلمين قد اهتمَّت منذ نشأتها سنة 1928م بتوضيح ‏فكرتها وتبيان حقيقة دعوتها وكونها هيئةً إسلاميةً جامعةً، تحمل مشروع اليقظة في العالم الإسلامي كله، ولذلك أكدت منذ ‏البداية مرجعيتها الإسلامية ومنهجها في العمل، وسجَّلت كل ذلك في أدبياتها الكثيرة التي تحتشد في المكتبات ويعتمد عليها ‏الباحثون والدارسون في شتَّى التخصصات. ومما سجَّله المؤرِّخون في مرحلة مبكرة النهج المؤسسي الذي اعتمدته جماعة ‏الإخوان المسلمين، وبيَّنته في لوائح واضحة محددة بكل دقة، تؤكد إدراك الجماعة المبكر لأهمية العمل المؤسسي وأسسه ‏وقواعده، التي تنظِّم هيكل الجماعة وعلاقة مستوياتها المختلفة ببعضها وتحدد مسئوليات كل مستوى في نظامها الداخلي. من ‏هذا المنطلق يعلن الإخوان المسلمون اللائحتين العامة والعالمية للجماعة"، لمزيد من التفاصيل إنظر (ملحق رقم 2 وملحق رقم 3).‏


وفيما يلي دراسة هامة جداً عن البناء التنظيمي لجماعات الإسلام السياسي في الوطن ‏العربي وأثره في السلوك السياسي لهذه الجماعات[24]، وقد تم نسخ هذه الدراسة كاملة في هذا الكتاب نظراً لأهميتها الاستثنائية في توضيح التركيبة التنظيمية للجماعات الإسلامية وأسلوب التجنيد فيها:

تمثل جماعات الإسلام السياسي واحدة من أهم ظواهر الحياة السياسية العربية المعاصرة، وتؤدي هذه الجماعات دورًا مؤثرًا في واقع هذه الحياة، مستخدمة أساليب الممارسة السياسية كافة، بما فيها العنف السياسي بصوره وأشكاله المتعددة. غير أن السمة الغالبة على نشاط هذه الجماعات هي لجوؤها إلى استخدام العنف، الأمر الذي يثير التساؤل حول العوامل التي تدفع هذه الجماعات الى تفضيل استخدام العنف كأداة من أدوات الممارسة السياسية. وقد تعددت الدراسات التي تناولت هذا الموضوع في الأدبيات السياسية العربية المعاصرة بعضها يركز على الجوانب السياسية والأخر على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، والثالث على الجانب الفكري، وبعض هذه الجوانب المشار إليها كافة ولكن ليس بوصفها عوامل أو عناصر منفصلاً بعضها عن البعض الآخر، وإنما بوصفها عناصر متفاعلة في ما بينها، الأمر الذي أدى إلى خلق ظاهرة الإسلام السياسي في المجتمع العربي كما نلمسها اليوم.

ونحاول في هذه الدراسة تناول الموضوع من جانب لم ينل، ربما، العناية الكافية من قبل، وهو الجانب المتعلق بالبنية التنظيمية لهذه الجماعات، ونحاول من ثم اختيار صحة الفرض التالي وهو أن البناء التنظيمي لجماعات الإسلام السياسي كان عاملاً من العوامل التي دفعت هذه الجماعات إلى العنف السياسي، وسنحاول قياس صحة هذا الفرض استنادًا إلى المعايير التالية:
  • أسلوب تجنيد الأعضاء وإعدادهم للانضمام إلى هذه الجماعات.
  • خصائص البناء الهيكلي لهذه الجماعات.
  • التكوين العضوي لهذه الجماعات بمعنى نسبة الشبان إلى كبار السن.

ونظرًا إلى توافر المعلومات عن جماعات الإسلام السياسي في مصر، وبخاصة جماعة الاخوان المسلمين التي نرى أنها الجماعة الأم التي خرجت من أحشائها الجماعات المعاصرة كافة في الوطن العربي، إضافة إلى وضوح تأثر هذه الجماعات بفكر هذه الجماعة وخبرتها، فإننا سنقوم بدراسة البناء التنظيمي لهذه الجماعات في مصر كحالة للدراسة، مع تقديم دراسة مقارنة في الخاتمة عن البناء التنظيمي لبعض جماعات الإسلام السياسي في الوطن العربي والتي توافرت بشأنها معلومات علمية دقيقة.

وتتحدد خطة البحث في هذه الدراسة على النحو التالي:
أولاً: أسلوب تجنيد الأعضاء وإعدادهم للانضمام إلى جماعات الإسلام السياسي في مصر.
ثانيًا: خصائص البناء الهيكلي لهذه الجماعات في مصر.
ثالثًا: التكوين العضوي لهذه الجماعات.
رابعًا: دراسة تحليلية مقارنة لواقع البناء التنظيمي لجماعات الإسلام السياسي في الوطن العربي.

أولا: أسلوب تجنيد الأعضاء وإعدادهم للانضمام إلى جماعات الإسلام السياسي

سنبدأ بدراسة أسلوب تجنيد جماعة الاخوان المسلمين، بوصفها الجماعة الأم لهذه الجماعات، ثم نبين مدى تأثر هذه الجماعات المعاصرة بهذا الأسلوب. لهذا، سنحاول أن نعرض بالتفصيل لهذا الأسلوب سواء في نطاق المستوى العلني لجماعة الإخوان المسلمين أو مستوى النظام الخاص (السري) لهذه الجماعة. ونعرض بعد ذلك أسلوب التجنيد السياسي لعضوية ثلاث جماعات إسلامية معاصرة، هي: حزب التحرير الإسلامي (جماعة الفنية العسكرية)، جماعة المسلمين (التكفير والهجرة)، تنظيم الجهاد الإسلامي، مقابلين إياها بجماعة الإخوان.

١- أسلوب التجنيد السياسي لجماعة الاخوان المسلمين في نطاق النشاط العلني للجماعة

سنلحظ، في هذا المجال، أن أسلوب التجنيد يمر بعدة مراحل كما أوضحت ذلك الخبرة السياسية لتكوين هذه الجماعات. تتمثل المرحلة الأولى في الدعوة المباشرة من خلال الاتصال المباشر بالجماهير، وهذا الأسلوب يتسم به تقريبًا معظم هذه الجماعات. وعادة ما تبدأ هذه الدعوة في نطاق محدود، ثم تتسع تدريجيًا، فجماعة الاخوان المسلمين في مصر بدأت بالتكوين من خلال مجموعة لا تتجاوز سبعة أفراد بمن فيهم المرشد العام حسن البنا على نحو مايذكر في مذكراته. بعد ذلك بدأت هذه الحلقة بالاتساع شيئًا فشيئًا، من خلال الاتصال المباشر بالناس، وقد اضطلع الشيخ حسن البنا بهذه المهمة، فأخذ يجوب القرى والنجوع في جميع أنحاء مصر، داعيًا إلى دعوته. ويشير أحد الباحثين إلى أن رحلات البنا قد تكررت مئات بل آلاف المرات، والشيخ الشاب يحمل حقيبة صغيرة فيها ملابسه، يتجول من قرية إلى قرية، يقصد أعيان القرى يقيم في مضايقهم، يتحدث ويناقش ويدعو فإن لم يجد صدرًا رحبًا، فالمسجد موجود فيه يستريح وينام ويدعو الناس.

ويشير أحد الكتاب الأمريكيين الذين التقوا الشيخ حسن البنا إلى هذا الصبر العجيب الذي تمتع به الرجل في الانتقال بين قرى الصعيد في فترة الصيف، وهي فترة تكون فيها الظروف المناخية شديدة الحرارة والقسوة في هذه المناطق، وقد كان من أهم الانتقادات التي وجهت إلى المرشد العام الثاني حسن الهضيبي، عزوفه عن القيام بمثل هذه الرحلات إلى الصعيد في الصيف، حيث كان يقضي الصيف في الإسكندرية. 

وقد أمدته هذه الرحلات في خمسة عشر عامًا، زار خلالها أكثر من ألفي قرية، وزار كل قرية بضع مرات، بفيض غزير من العلم والفهم للتاريخ القريب للأسر والعائلات والبيوت، وأحداثها وأمجادها وما ارتفع منها وما انخفض، وألوانها السياسية وأثرها في قراها، ورضا الناس عنها وبغضهم لها، وما بين البلاد أفرادًا وأحزابًا وهيئات وطوائف من خلافات أو حزازات. ويعلق رفعت السعيد على هذا فيذكر أن هذه الشبكة الواسعة جدًا من العلاقات الشخصية هي مصدر زعامة حسن البنا وهيمنته على الجماعة، فإن عشرات الآلاف من أعضاء الجماعة كانوا يفخرون بأنهم أصدقاء شخصيون للبنا، ومن هذه الصداقات وبها أقام المرشد جماعته وهيمن عليها.

والواقع أننا نستطيع أن نقدم الملاحظات التالية على هذه المرحلة من مراحل التجنيد السياسي لأعضاء جماعة الاخوان المسلمين في مصر:

أ- اختار البنا الأسلوب المناسب لعرض دعوته، في مجتمع ترتفع فيه الأمية، وللدين موضعه في حياته، كما أن للدين الإسلامي تقاليده الخاصة والمتأصلة في المجتمع من حيث الاتصال الشفوي المباشر والذي يتم عادة من خلال خطب الجمعة والدروس الدينية التي تعقد في المساجد. هذا النوع من الاتصال المباشر بالجماهير هو أكثر الأنواع فاعلية من حيث الإقناع، كما أنه يتيح للقائم بالاتصال فرصة التعرف إلى رد فعل المتلقين إيجابيًا أو سلبًا، الأمر الذي يمكنه من تطوير رسالته الاتصالية بما يحقق لاتصاله أكبر إقناع ممكن. وقد أتاح استخدام البنا هذا الأسلوب فرصة القيام بالحشد والتعبئة للجماهير على نطاق واسع بالنسبة إلى دعوته، وهو ما أتاح له، بعد ذلك، قاعدة واسعة مهيأة للتجنيد والانضمام إلى عضوية الجماعة.

ب- أتاحت الرحلات العديدة التي قام بها البنا إلى آلاف القرى والنجوع فرصة الإلمام بخصائص الواقع الذي يتعامل معه، الأمر الذي جعله يختار الأساليب المناسبة للتعامل مع الجماهير في هذه المناطق، مع تجنب أية أخطاء قد تحدث نتيجة لهذا التعامل، والتي قد ترجع إلى طبيعة العلاقات بين العائلات والأفراد في هذه المناطق. كما أتاحت له فرصة التعرف إلى الشخصيات المؤثرة والقوية التي يمكن، من خلال إقناعها بالدعوة وضمها إلى الاخوان، أن تقوم بدور مؤثر في توسيع قاعدة العضوية، وأن تكون عوضًا للجماعة في نشاطها بعد ذلك.

ج- خلق هذا الأسلوب في الاتصال المباشر بالجماهير نوعًا من علاقة الولاء لشخص المرشد العام للاخوان المسلمين، الأمر الذي ساعده بعد ذلك على إقامة علاقته مع أتباعه على الطاعة المطلقة في المنشط والمكره.

وتتمثل المرحلة الثانية في أسلوب التجنيد السياسي الذي اتبعه البنا في إقامة نظام محكم للعضوية، وكان ذلك من خلال المؤتمر العام الثالث للاخوان عام ١٩٣٥. ويحدد المرشد العام شروط العضوية ودرجاتها، أما بالنسبة إلى الشروط العامة للعضوية فيقول: على العضو الراغب في الانضمام أن يتحلى بالأخلاق والسمعة الحسنة والسلوك المتين، ويكون لديه الاستعداد للطاعة التامة وتنفيذ ما يلقى عليه من أوامر. وعلينا أن نضع أكثر من علامة استفهام بالنسبة إلى الشرط الأخير الخاص بـ الطاعة التامة وتنفيذ ما يلقى عليه من أوامر، فهذا الشرط سيعد مهمًا بالنسبة إلى عضو الجماعة، وسنلاحظ بعد ذلك اتجاه المرشد العام إلى تعميق هذه الصفة لدى الأعضاء إلى حد دمجهم الكامل في نطاق الجماعة. أما درجات العضوية، فقد حددها على النحو التالي: الانضمام العام ويسمى الأخ في هذه المرتبة أخًا مساعدًا، ثم الانضمام الأخوي الذي يكون فيه العضو أخًا منتسبًا، فالانضمام العملي الذي يصبح فيه العضو أخًا عاملاً؛ ونصل إلى الدرجة الرابعة وهي درجة الانضمام الجهادي، وهي ليست حقًا لكل مسلم يرغب في ذلك كما هي الحال في الدرجات الثلاث السابقة، بل هي من حق العضو العامل فقط الذي يثبت لمكتب الإرشاد محافظته على واجباته السابقة.

ويلاحظ أن القاعدة المتاحة للتجنيد السياسي للأعضاء تضيق من مرحلة إلى أخرى، فمن قاعدة جماهيرية متسعة يتم إقامة العضوية المنظمة بدرجاتها الثلاث المشار إليها سابقًا، ثم من قاعدة العضوية العاملة يتم تجنيد الأعضاء المجاهدين، وكل هذا يتم وفقًا لقواعد صارمة شديدة الدقة. ولمكتب الإرشاد والمرشد العام دور مباشر وقوي في هذا المجال، فإذا ما علمنا أن المرشد العام كان مسيطرًا سيطرة شبه تامة على مكتب الإرشاد، فيمكن القول إنه كان له دور مهم في هذا الصدد. كما يلاحظ أن أحد العوامل المهمة لتجنيد العضو وتصعيده من درجة إلى أخرى، هو الطاعة والالتزام التام بالأوامر والواجبات التي تحددها له الجماعة، ولعل في قسم البيعة عند الاخوان ما يؤكد هذا. يقول هذا القسم أعاهد الله العلي العظيم على التمسك بدعوة الاخوان المسلمين والجهاد في سبيلها والقيام بشرائط عضويتها والثقة التامة بقيادتها، والسمع والطاعة في المنشط والمكره، وأقسم بالله على ذلك، والله على ما أقول وكيل. وواضح أن هذا القسم يعني الخضوع التام للمرشد من قبل الأعضاء، وفي أدبيات الاخوان العديد من الآراء في هذا الموضوع والتي تدور حول الأسس الفقهية لهذا الوضع.

ولنعرض لآراء الشيخ عمر التلمساني المرشد العام الثالث للاخوان المسلمين في هذا الجانب، فبالنسبة إلى بيعة الامام أو المرشد العام يقول إن كلمة البيعة التي يدور حولها الكثير من الجدل، بل ربما الشكوك من الذين يريدون أن يشوهوها ليست بالكلمة التي تخيف انسانًا أو تربط انسانًا بإنسان لأن الله تعالى يقول: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم، فالأخ المسلم – على حد قوله – إذا بايع رئيس الجماعة، فهو لا يبايع إنسانًا بالذات، ولكنه يبايع الله سبحانه وتعالى على الوفاء مخلصًا في العمل الذي أراد أن يساهم فيه.

ولن نعلق على هذا الرأي إلا بأن المخاطب في هذه الآية هو رسول الله. ويقول الشيخ التلمساني عن العلاقة مع المرشد العام: نحن أميل إلى الثقة في كلام مرشدنا عن أي شخص آخر، نعتقد دائمًا أنه على صواب إلا إذا حاد فنقول له إنك لست مرشداً.

ونصل إلى المرحلة الثالثة من مراحل التجنيد السياسي وهي مرحلة تجنيد الأعضاء المجاهدين. وضع البنا نظامًا يعرف باسم نظام الأسر، الذي يعتبر المجال العملي للتربية الروحية للاخوان المسلمين. وعندما نظمت عضوية الاخوان إلى مراتب، أصبح دخول نظام الأسر قاصرًا على الاخوان العاملين، وكانت كل أسرة تتكون من عدد يتراوح ما بين خمسة وعشرة أعضاء، وتقوم على أساس فئوي، فكانت تتكون إما من طلبة أو موظفين أو عمال. ومن تعاليم نظام الأسر أن يعرف كل فرد فيها أعضاء أسرته الاجتماعية والثقافية والأخلاقية والعائلية، وكانت كل أسرة تعقد اجتماعًا أسبوعيًا في منزل أحد الأعضاء لزيادة التآلف، وتدارس النواحي الدينية، كما كان من برامجها القيام برحلات وحضور اجتماعات روحية، مع أشخاص أكثر إلمامًا وفهمًا لشؤون الدعوة.

ولم يلبث نظام الأسر أن تحول إلى نظام لتخريج المجاهدين، وهم خاصة الاخوان وأرقى مراتب العضوية فيها. وقد وجه الإمام البنا خطابه إلى الاخوان المجاهدين في رسالة التعاليم، وحدد في هذه الرسالة أركان البيعة بعشرة هي: الفهم؛ الإخلاص؛ العمل؛ الجهاد؛ التضحية؛ الطاعة؛ الثبات؛ التجرد؛ الاخوة، والثقة. وعرَّف الجهاد بأنه الفريضة الماضية إلى يوم القيامة، والمقصودة بقول رسول الله: من مات ولم يغز ولم ينو الغزو مات ميتة الجاهلية؛ وفسر التضحية بأنها بذل النفس والمال والوقت والحياة وكل شيء في سبيل الغاية؛ وفسر الطاعة، بأنها امتثال للأمر وانقاذه توًا في العسر واليسر والمنشط والمكره؛ وفسر الثقة، بأنها اطمئنان الجندي إلى قائده في كفاءته وإخلاصه اطمئناناً عميقاً.

ويرى عبد العظيم رمضان أن الأسر قد أصبحت مدخلاً للنظام الخاص باعتباره المجال العملي للجهاد، والأسر هي المجال الروحي، فقد روعي في نظامها أن ينقل العضو إلى النظام الخاص انتقالاً تدريجيًا طبيعيًا. والواقع أن الأسر أصبحت واحدة من القنوات التي يتم من خلالها تجنيد الأعضاء للانضمام إلى النظام الخاص، فلم يكن العديد من أعضاء النظام الخاص ملتحقين بالأسر، وبعضهم لم يكن عضوًا عاملاً في الاخوان، ولكن مع اتجاه قيادة الجماعة إلى بناء النظام الخاص اتبعت أكثر من وسيلة ولجأت إلى أكثر من قناعة لتجنيد أعضاء النظام الخاص.

٢- أسلوب تجنيد عضو التنظيم الخاص بالاخوان المسلمين

سنستند في عرضنا أسلوب تجنيد عضو التنظيم الخاص بالاخوان المسلمين إلى أحد قادة هذا التنظيم وهو محمود الصباغ، من خلال ما كتبه ونشر عام ١٩٨٩، وقد استند في عرضه إلى الأوراق المضبوطة في واقعة ضبط سيارة الجيب عام ١٩٥٠، والتي حوت الأوراق الخاصة بهذا التنظيم.

ويوضح الصباغ في كتابه أسلوبين من أساليب التجنيد السياسي لأعضاء النظام الخاص للاخوان المسلمين، الأول عند بداية تكوين هذا التنظيم، وكان الأسلوب المتبع هو أن يرتبط بالأخ عبد الرحمن السندي بصفته المسؤول عن إعداد هذا الجيش المسلم في تنظيم الاخوان المسلمين، كل من يرى نفس الرأي ويشعر بنفس الشعور، ويجب الارتباط بالجيش المسلم الذي يجري إعداده لأداء فريضة الجهاد، وكان أول ما يتعاهد عليه من يكتشف الأخ الصالح للارتباط بهذا الجيش مع العضو الجديد، هو تميز هذا الجيش عن الدعوة العامة بالسرية الكاملة في أقواله وأفعاله، فلا يصح الحديث في شأنه، إلا مع زميل من أعضائه الذين يتعرف عليهم بواسطة قيادة النظام، وكان أول ما يختبر به جدية العضو الجديد فيما أعلنه من رغبة صادقة في الجهاد في سبيل الله أن يكلف بشراء مسدس على نفقته الخاص.

وقد تطور، بعد ذلك، أسلوب تجنيد الأعضاء بعد استكمال البناء التنظيمي للنظام الخاص، فأحد أفراد الجيش يرشح شخصًا يرى من روحه من يناسب التجنيد ثم يرسل الترشيح إلى القيادة العليا، مرفقًا به بيان الأسباب التي دعت الفرد إلى هذا الترشيح مع تقرير شامل عن حالة المرشح الصحية والاجتماعية، وطباعه البارزة، وميوله الحزبية وثقافته، ويذكر أمام كل حالة التفصيلات الخاصة بها، ويكفي الميل لأي حزب آخر كي يرفض الترشيح رفضًا باتًا، إذ يجب أن يكون المرشح مؤمنًا تمامًا بصلاحية الدعوة كمبدأ، وأنه متى توفر هذا الإيمان التام، فإنه يمكن ضم أي شخص ولو كان ذا عاهة، إذ إن لكل عمل ما يناسبه، ومجلس القيادة هو الذي يقبل المرشح أو يرفضه. ويمكن أن تسمى هذه المرحلة في التجنيد، للانضمام إلى النظام الخاص، مرحلة الترشيح، فإذا ما قبل المرشح تبدأ مرحلة جديدة وهي مرحلة الاختبار. ويلاحظ أنه قد تم تشكيل خاص لهذه المرحلة يسمى جماعة المكونين، ويتخصصون في هذا العمل، ويقابل المكون الشخص المرشح للانضمام إلى النظام الخاص على انفراد في مكان محدد (المنزل، مثلاً)، ويكون الضوء مناسبًا، بحيث يكون للمقابلة الأثر المطلوب في نفس الشخص. بعد ذلك تبدأ عملية الإعداد والاختبار للعضو المراد تجنيده، من خلال ثماني جلسات تتضمن التعرف إلى المعلومات الخاصة بهذا الشخص كافة، وتوجيهات خاصة بالثقة في القيادة والاقتناع بمشروعية العمل، وضرورة الصمت والكتمان، وكذلك توجيهات خاصة بما يجب مراعاته عند تكليفه القيام بأي عمل. كما تشمل هذه الجلسات تكليفه بعمل له أهمية ورسم خطة له، ومراقبته أثناء التنفيذ، ثم العدول عن الفكرة مع إفهامه بأسباب هذا العدول بشكل معقول في حالة النجاح بالاختبار. 

يقدم الشخص للبيعة في القاهرة، بصحبة باقي أفراد جماعته، ويكون ارتباط أفراد الجماعة لأول مرة وقت البيعة. يقوم رقم (١) بتوصية الأفراد بحق الطاعة لأميرهم بعد البيعة مباشرة، وفي حالة الرسوب في أحد الاختبارات السابقة يلحق الشخص بأسرة، أو ما شابه ذلك من الأعمال العامة، وفي حالة النجاح يعرف الشخص أن ما فات كان اختبارًا وقد اجتازه بنجاح، وأنه الآن في انتظار أوامر حقيقية. 

تبدأ بعد ذلك مرحلة التكوين للعضو الذي تم تجنيده للانضمام إلى النظام الخاص، وتتكون هذه المرحلة من خطوات أربع، مدة كل منها خمسة عشر أسبوعًا، تتضمن الأولى دروسًا في المحاسبة وكتابة التقارير، ودراسة السلاح، وطريقة جمع الأخبار، ودروسًا في القرآن الكريم، والإسعافات الأولية، وتدريبًا رياضيًا. وبعد الانتهاء من الدراسة تعقد القيادة امتحانًا في ما ورد فيها، ينقل الناجحون فيه إلى المرحلة الثانية في التكوين وتشمل دراسة قانونية، ودراسة عملية وتطبيقية في مجال رسم الخرائط وتقدير المسافات ودراسة البوصلة، إضافة إلى بعض التدريبات الرياضية والروحية. ويجري امتحان ينتقل من يجتازه إلى المرحلة الثالثة التي تشمل تعليم قيادة الدراجة النارية والسيارة في القانون والإسعاف وتدريبات رياضية إلى دراسة منطقة معينة في القاهرة والأقاليم ورسم خريطة جغرافية لها وبيان الأبنية المهمة تفصيليًا. كذلك يجري امتحان يؤهل من اجتازه للمرحلة الرابعة التي تشمل قيام كل فرد من أفرادها بحصر قوات الشرطة في قسم معين، وحصر قوات المرور وأماكنهم في منطقة معينة، ودراسة عملية لمدينة القاهرة، وذلك ببيان أحيائها وعلاقتها بعضها بالبعض الآخر، ومسالكها، ومواصلاتها، وكيفية مهاجمة مكان ما، ودراسة حربية، ودروسًا في القانون وتدريبات رياضية ودراسة في التعقب يقوم بها كل فرد. ثم يعقد امتحان يكون من اجتازه قد اكتسب العضوية الكاملة في التنظيم الخاص للاخوان المسلمين.

ويمكن من خلال هذا العرض أن تقدم الملاحظات التالية:

أ- إن أسلوب تجنيد عضو الجهاز الخاص للاخوان المسلمين قد تميز بالتعقيد الشديد، والدقة البالغة، كما أن العضو لا يكتسب العضوية الكاملة إلا بعد فترة طويلة من التكوين تشمل العديد من الاختبارات الدقيقة.

ب- إن عملية التكوين تشمل الجوانب الروحية والاجتماعية والنفسية بالنسبة إلى الشخص المرشح للانضمام إلى العضوية، وذلك بحيث يتم دمج العضو في الجماعة دمجًا كاملاً، كما أن هذه المرحلة تتسم باكتسابه العديد من المهارات الرياضية والعسكرية وجمع المعلومات والأخبار وإعداد التقارير. كما أنها تتسم بطول الفترة، فمرحلة التكوين تتم خلال ستين أسبوعًا تسبقها مرحلة الاختبار، وهي تستغرق حوالي ثمانية أسابيع، فإجمالي هذه الفترة حوالي ثمانية وستين أسبوعًا، أي حوالي سنة ونصف السنة، وهي فترة طويلة يخضع خلالها العضو المرشح للمراقبة وللعديد من الاختبارات الدقيقة، النظرية والعملية.

ج- يتم الزام العضو المرشح بضرورة الكتمان وعدم إفشاء السر وإلا تعرض للموت، وقد جاء في هذا الصدد أن أية خيانة أو إفشاء سر، بحسن قصد أو بسوء قصد، يعرض صاحبه للإعدام، وإخلاء سبيل الجماعة منه مهما كانت منزلته، ومهما تحصن بالوسائل واعتصم بالأسباب التي يراها كفيلة له بالحياة، ويتم الزامه كذلك بالثقة التامة في قيادته المباشرة، فلا يجوز له رفع الأمر إلى القيادة الأعلى إلا عن طريق رقم (١)، ومخالفة ذلك ينظر فيها مجلس للتحقيق.

وما نصل إليه من خلال هذا العرض المفصل لأسلوب التجنيد السياسي لأعضاء جماعة الاخوان المسلمين، سواء في محيطها العام أو النظام الخاص، يتمثل في النتائج التالية:

(١) تعددت أساليب التجنيد السياسي للأعضاء وتطورت بما يتناسب ومراحل تطور الجماعة، سواء بالنسبة إلى مستوى الدعوة العامة العلنية أو مستوى التنظيم الخاص السري، الأمر الذي يعني توافر الخبرات التنظيمية الكفوءة والفعالة لدى الجماعة.

(٢) إن التجنيد السياسي في مفهوم الاخوان لا يتوقف عند إبداء العضو رغبته في الانضمام إلى الجماعة، بل يمتد إلى مرحلة قد تطول أو تقصر بحسب نوع العضوية التي سيرشح لها العضو الراغب في الانضمام، يتعرض خلالها العضو المرشح لإعداد فكري ونفسي وبدني ومهاراتي يتناسب ونوع العضوية المرشح لها ودرجتها.

(٣) إن عملية تكوين العضو المرشح تقسم بمحاولة دمجه دمجًا كاملاً في الجماعة، وتتم هذه العملية على مراحل بحيث يشعر العضو أن هذا أمر طبيعي، وقد أشار إلى ذلك قاتل النقراشي باشا في اعترافاته أمام المحكمة، حيث قال إنه انتقل إلى العمل في النظام الخاص للاخوان بشكل تدريجي طبيعي ولم يشعر بأي جديد في الأمر. وعملية الدمج هذه كانت تتم من خلال إحاطة العضو بسيل من الواجبات التي تحيط بحياته كلها، وترسم له أعماله وسلوكه اليومي وعلاقاته الشخصية وأدق تفاصيل حياته. واتباع هذه التعليمات يجعل العضو عضوًا بالجماعة في كل لحظة من لحظات حياته، فيمارس نشاطه اليومي ليس باعتباره فردًا عاديًا ولكن باعتباره عضوًا وأخًا مسلمًا، بحيث يصبح كما لو كان يستمد وجوده المادي من الجماعة، ويخلق فيه ذلك الطواعية والسلاسة لجماعته، فيشكل مع الآخرين من إخوانه مجتمعًا مغلقًا يحيا أفراده حياتهم اليومية وفق تعليمات وضعتها قيادتهم، لا يشاركهم أحد في الالتزام بها من خارجهم. بهذا يذوب الأفراد في الجماعة وفي زعيمها المجسد لها المبايع على السمع والطاعة بواسطة أمور لا تتعلق بهدف سياسي معين ولا بمنطق عقلي واضح ولا بنشاط عام محدد، وإنما يذوبون بالانسياق من الداخل باعتبار ما يتهدد الكيان الذاتي للفرد الذي تبني الجماعة جزئياته، وما يتهدده من انهيار وتهدم لو لفظته الجماعة من صفوفه.

عملية الدمج هذه، وتكوين المجتمع المغلق، والإحساس المغالي فيه بالذات باعتبار أنه ينتمي إلى الجماعة التي يعد منهاجها وحده، هو الإسلام الصحيح ولا يعتبر غيره كذلك، كلها عوامل تكون إنسانًا متعصبًا لجماعته لا يقبل بسهولة رأي الآخر الذي يختلف معه في الفكر، بل ينظر إلى هذا الآخر نظرة متعالية تستند، ضمنيًا، إلى أن إسلام هذا الآخر غير صحيح طالما أنه لم يوال الجماعة ولم ينضم إليها. وهكذا يكون عضو الجماعة قد خطا خطوات واسعة نحو العنف السياسي كسلوك.

(٤) على الرغم من أن عملية الدمج الكلي للعضو في الجماعة تعد شاملة للأعضاء كافة، فإنها تتم بدرجة أكبر بالنسبة إلى درجتين مهمتين من درجات العضوية، وهما درجة المجاهدين ودرجة أعضاء النظام الخاص، وهما المسؤولان اللذان سيمارسان العنف السياسي في أوضح صوره كالاغتيال السياسي مثلاً، الأمر الذي يؤكد ما سبق أن أشرنا إليه من أن أسلوب تكوين العضو بعد تجنيده يؤهله لممارسة العنف السياسي.

(٥) إن هذا الأسلوب في تكوين عضو الجماعة، يرجع إلى رؤية الاخوان المسلمين للإسلام بوصفه نظامًا يشمل جوانب حياة الإنسان كافة؛ وفي هذا الصدد يقول الشيخ عمر التلمساني: الدين لا يعرف شيئًا اسمه سياسة ولكن الدين ينظم حياة الفرد في جميع النواحي، كيف يأكل ويشرب، يتاجر ويتزوج، كيف يَحكم وكيف يُحكم، وكيف ينام، حتى ان أحد الأعراب قال لبعض الصحابة، لقد علمكم الرسول، كل شيء حتى قضاء الحاجة. إن القول بأن الاخوان المسلمين يعملون في السياسة هو قول غريب، ونحن نشتغل بالدين وعندما أقول الربا حرام فإنني لا أتعرض إلى الناحية السياسية والاقتصادية للبلد، ولكنني تعرضت للناحية الدينية بالتصدي، كذلك إذا قلت إن الدين يطالب بحرية الفرد وحكم الشورى، فأنا لا أتكلم في ناحية سياسية في الحكم أبدًا، بل أتكلم لأن الله سبحانه وتعالى يقول وأمرهم شورى بينهم.

(٦) إن الجانب المتعلق بالنواحي العسكرية أعطى النظام الخاص للاخوان أهمية بالغة في مرحلة تكوين العضو، ولم يقتصر على الجانب القتالي فحسب، بل امتد إلى الجانب السياسي لاستخدام الأداة العسكرية، ممثلاً في جمع المعلومات والأخبار والتدريب على إعداد التقارير في هذا الصدد، الأمر الذي وفر لقيادة النظام الخاص معلومات وفيرة عن الحالة الأمنية في البلاد والأماكن الاستراتيجية فيها، وكيفية السيطرة عليها، وبخاصة بالنسبة إلى العاصمة القاهرة، وهو الأمر الذي يثير أكثر من تساؤل حول الهدف من جمع هذه المعلومات، بغض النظر عن المقولة التي يطلقها الاخوان عادة لتبرير ذلك بوصفه إعداد المقاتلين والفدائيين لمواجهة المستعمر، وبخاصة مع إجمالي مؤرخي هذه الفترة على ضعف مشاركة الاخوان في هذا النشاط.

(٧) اعتمدت جماعة الاخوان المسلمين على علاقات العبادة والصداقة والقرابة كمدخل للتجنيد السياسي للأعضاء، وإن كان اعتمادها أكثر على علاقات العبادة والقرابة في المستوى العام العلني للجماعة، والذي يطلق عليه المحيط العام؛ أما في ما يتعلق بالنظام الخاص، فكان المدخل الأساسي هو علاقة الصداقة، فمحمود الصباغ انضم إلى عضوية هذا النظام من خلال صديقه مصطفى مشهور. كما أننا لا نجد من خلال تحليل علاقات قيادة هذا الجهاز أي علاقة للقرابة، الأمر الذي يؤكد ما توصلنا إليه من أن علاقة الصداقة كانت المدخل الأول الذي اعتمدت عليه الجماعة للتجنيد في النظام الخاص.

(٨) إن اهتمام الجماعة ومرشدها الأول بالصعيد، إلى حد قيامه برحلاته إلى قراه ونجوعه في فصل الصيف الشديد الحرارة في هذه المنطقة، يثير أكثر من تساؤل حول أهمية اتخاذ البعد المكاني في التحليل، وبخاصة أن صعيد مصر يعد من أكثر المناطق تخلفُا من حيث الخدمات والمرافق التحديثية، كما تسوده نوعية معينة من العلاقات الاجتماعية التقليدية التي تحتل فيها العائلة والقبيلة والعشيرة مكانة مهمة. وتشير إحدى الدراسات إلى أن مدينة أسيوط قد أصبحت معقلاً مهمًا للاخوان المسلمين عام ١٩٣٦، بحيث استطاعت الجماعة أن تجند في صفوفها أئمة المساجد ومدرسي المدارس الأولية، الأمر الذي أكسبها فعالية سياسية في أحياء أسيوط الفقيرة. ومما ضاعف في الوقت نفسه استقطاب الاخوان لفئات واسعة، أن أسيوط استهدفت منذ منتصف القرن التاسع عشر من حملات التبشير المختلفة، الأمر الذي يجعلنا نصل إلى أن جماعة الاخوان كانت تعطي اهتمامًا خاصًا بالبعد المكاني وخصائصه في عملية التجنيد السياسي للأعضاء.

بعد أن عرضنا تفصيلاً لأسلوب التجنيد السياسي لجماعة الاخوان المسلمين في محيطها العام ونظامها الخاص السري، نعرض الآن أسلوب التجنيد السياسي لدى ثلاث جماعات إسلامية معاصرة، هي:
(أ) حزب التحرير الإسلامي الذي أسسه صالح سرية في مطلع السبعينيات والمعروف بجماعة الفنية العسكرية.
(ب) جماعة المسلمين بزعامة شكري مصطفى والمعروفة باسم جماعة التكفير والهجرة.
(ج) تنظيم الجهاد الإسلامي بزعامة محمد عبد السلام فرج الذي نفذ عملية اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات.

لنتناول كلاً منها بشيء من التفصيل. 

أ- أسلوب التجنيد السياسي لحزب التحرير الإسلامي الذي قام بعملية الفنية العسكرية عام ١٩٧٤

تحرك صالح سرية مؤسس هذا الحزب في أوساط الشباب والطلبة في القاهرة والإسكندرية والكلية الفنية العسكرية، ونجح بضم عدد لا بأس به منهم، مع بعض الجنود، وكان عدد أعضاء التنظيم الذين كشفوا وقبض عليهم حوالي مئة عضو، وكان هناك بعض الأعضاء لم تصل إليهم يد أجهزة الأمن. وبحسب ما جاء في التحقيقات كانت الأولوية لتجنيد الشبان الحديثي السن، من طلبة الجامعات والمدارس الثانوية، تحت ستار الدين، وكان يراعى في الاختيار الأفراد الذين يتسمون بالاندفاع والتهور والاستعداد لتنفيذ ما يؤمرون به دون تردد، التزامًا بمبايعتهم لرئيس التنظيم على السمع والطاعة، كما كان يراعى فيهم كذلك ألا تكون لهم ارتباطات يحرصون عليها من وظيفة أو زوجة أو ولد، وعدم ارتباطهم بجماعات دينية أخرى. وكان سرية حريصًا على عدم إثارة الشكوك حوله، فلم ينفق مليمًا واحدًا على التنظيم، بل على العكس طلب إليهم التبرع للتنظيم.

ونجح بتشكيل مجموعات عدة من الشباب، كل مجموعة تضم ما بين أربعة وستة أعضاء لا يعرف أي منها أفراد المجموعات الأخرى. ويذكر الطالب كامل محمد عبد القادر أنه تعرف إلى شخص اسمه طلال الأنصاري في مسجد بمحطة الرمل في الإسكندرية، وبعد أن قويت الصلة بينهما ذكر له أن هناك جماعة اشترك فيها تهدف إلى الاستيلاء على السلطة في مصر، وإقامة الدولة الإسلامية، وأرسلني لمقابلة أمير هذه الجماعة وكان صالح سرية، وبعد أن وافق على انضمامي بايعته بقولي: أبايعك على السمع والطاعة، في العسر واليسر، والمنشط والمكره، والله على ما أقول وكيل وإنك على ما أقول شهيد. ويضيف: طلب د. سرية أن أعمل أنا وزملائي على ضم أفراد جدد، فتمكنا من ضم حوالي ٦٠ عضوًا في الاسكندرية وحدها قسموا إلى ست جماعات يرأس كلاً منها أمير، وكانوا يعقدون اجتماعاتهم التي تتخذ طابع السرية في الحدائق العامة، في مجموعات صغيرة، وقد كان للجماعة فروع في الجيزة. وتعقد اجتماعات بين أعضاء الجماعة في القاهرة والاسكندرية، كما تعقد اجتماعات خاصة بين قياداتها في الأماكن العامة، وفي المساجد. وأجريت بعض التجارب على ثبات الأعضاء، والتزامهم بالسمع والطاعة لأميرهم، فكان يطلب من بعضهم الحضور إلى مكان محدد في ساعة محددة متأخرة من الليل، وكان يطلب من البعض الآخر حمل حقائب ثقيلة زاعمًا أنها تحوي متفجرات، والمرور بها أمام مبان تشغلها أجهزة الأمن. كان أسلوب سرية في التجنيد، وفي اختيار الأعضاء يقوم على أساس تشكيل التنظيم في صورة خلايا صغيرة متفرقة لا يعرف بعضها البعض الآخر.

ب- أسلوب التجنيد السياسي في تنظيم جماعة المسلمين بزعامة شكري مصطفى

كان شكري مصطفى بين معتقلي الاخوان المسلمين الذين أفرج عنهم السادات في مطلع السبعينيات ومع خروجه من السجن عاد إلى موطنه في أسيوط، ليبدأ نشاطه في بناء تنظيم المسلمين، وكان أول من جنده ابن شقيقته ماهر عبد العزيز بكري الذي انقطع عن الدراسة، وانضم إلى التنظيم ووصل فيه إلى حد اعتباره خليفة شكري مصطفى الذي يرأس التنظيم من بعده إذا ما مات أو قبض عليه. وبدأ التنظيم يتسع حتى وصل عدد أعضائه خلال خمس سنوات إلى خمسة آلاف عضو، بينهم من لا يزيد عمره على أربعة عشر عامًا، وبينهم من يبلغ السبعين من عمره، وفيهم نساء وفتيات، وأسر كاملة (رجل وزوجته وأولاده)، أو شاب وشقيقاته، أو آخر وأشقاؤه، وعدد كبير منهم طلبة، إلى جانب موظفين، وتجار صغار وعاطلين عن العمل.

ويذكر اثنان من قيادات التنظيم ظروف تجنيدهم، فيشيران إلى أنهما سمعا عن شكري مصطفى وأنه يتحدث عن الدين، فذهبا إليه في أسيوط واستمعا إليه، وانضما إلى جماعته، ويشير أحدهما إلى أن دوره كان تلقي رسائل أمراء الجماعات ورفعها إلى شكري مصطفى، وتدريب الأفراد على الدفاع عن النفس. وقد أقاموا معسكرًا للتدريب البدني والعسكري. وكان تنظيم جماعة المسلمين التنظيم الوحيد الذي ضم النساء والفتيات إليه، وزوجهن إلى الأعضاء الرجال، حتى المتزوجة منهن كان يحق لها الزواج من آخر، لأنها بمجرد الانضمام إلى الجماعة تصبح حرة، ومحرمة على زوجها الآخر لأنه كافر. ولا شك في أن شكري مصطفى كان يريد إقامة مجتمع خاص، مثالي ينمو ويكبر ويقوى، ليصبح قادرًا على مواجهة مجتمع الكفر والجاهلية، لذلك كانت المرأة عنصرًا مهمًا في تنظيمه: أليست هي الرحم الذي ينجب؟، ولكي ينظم شكري مصطفى الأحوال الشخصية في جماعته، أعد نوعين من البطاقات للزواج: الأول بطاقات للرجال تسجل فيها بيانات الزوج: اللقب، الاسم، ما يحفظه من القرآن والحديث، مدى فهمه للفقه، ثقافته العلمية، حالته العلمية، مدى قدرته المالية والقانونية على الهجرة. وهناك خانة لتقويم أمير الجماعة له: مندفع، متردد، قدرته على الثبات والثقة والولاء وفهم المنهج. والنوع الثاني بطاقات للنساء، تسجل فيها بيانات عن الشكل، اللون، الحجم، الصفات البارزة – إن وجدت – وموقفها العائلي. وقد تولى شكري مصطفى كل الأمور، ومنها اختيار الزوج المناسب للفتاة المناسبة، عقد القرآن، اختيار عش الزوجية، وتحديد عمل الزوجة، أحيانًا. وكان العمل، إلى جانب الواجبات المنزلية المعتادة، ينحصر في الصناعات الغذائية والحرف البسيطة. وقد اشترطت الجماعة على الفتاة التي تنضم إليها أن تطيعها طاعة عمياء، وكان وراء هذا الشرط قائمة كبيرة من الممنوعات والمحرمات. أما هذه الممنوعات والمحرمات بالنسبة إلى الرجال فتتلخص بأن كل ما يأتي من المجتمع الجاهلي الكافر ممنوع وحرام.

وقد حدد شكري هدفه أمام المحكمة بقوله: إن مهمتي الأولى والأعظم والتي لايحل لي أن أغادرها إلى ما دونها هي تأسيس الانطلاق الإسلامي، وإيجاد الجماعة المسلمة والدولة المسلمة؛ إن موضوعي الأصيل هو السعي لإقامة الإسلام.

وتشير مجلة روز اليوسف في أحد تحقيقاتها الصحافية، إلى أنه كان معروفًا أن لهذه الجماعة معسكرات للتدريب على السلاح منتشرة في مناطق عديدة؛ وأن نساء هذه الجماعة يرتدين زيًا خاصًا أشبه بزي الراهبات؛ وأن هذه الجماعة مسيطرة على الجمعيات الدينية في كلية التجارة في القاهرة، وكلية الهندسة في عين شمس، وكلية الطب في الإسكندرية، وكلية العلوم والهندسة والزراعة في المنصورة، وبعض كليات جامعة أسيوط؛ وأن عددًا من شبان هذه الجماعات يقومون وينامون بصفة دائمة في مساجد الجيزة وعابدين والقللي؛ وأن تنظيمات هذه الجماعة معروفة، وبصورة علنية، في الكثير من المدن والقرى المصرية، وبخاصة في محافظات المنيا وأسيوط والجيزة، وأن لهذه الجماعات استمارات عضوية مطبوعة توزع على أفراد الشعب.

ج- أسلوب تجنيد السياسي لدى تنظيم الجهاد

يشير سعد الدين إبراهيم إلى ثلاثة أساليب للتجنيد استخدمها كل من تنظيم التكفير والهجرة والتنظيم الذي قام بعملية الفنية العسكرية، ويذكر أن كلاً من المجموعتين ركز بصورة مختلفة بالنسبة إلى كل أسلوب من الأساليب الثلاثة. ففي حين اعتمدت جماعة التكفير والهجرة، بصورة أساسية، على علاقات القرابة والصداقة، اعتمدت جماعة الفنية العسكرية على علاقات الصداقة والعبادة، وبالطريقة نفسها اعتمد تنظيم الجهاد في بناء قاعدة عضويته على الأساليب الثلاثة: القرابة، الصداقة، العبادة، ويبدو أن تنظيم الجهاد في بناء قاعدة عضويته قد اعتمد على الأساليب الثلاثة بالتساوي دون أن يركز على أي منها على حساب الآخر.

ويذكر أحد أعضاء التنظيم أن الفرق الرئيسي بين أسلوب التجنيد في تنظيم التكفير والهجرة، وأسلوب التجنيد في تنظيم الجهاد، أن الأول كان أكثر انتقاء من الثاني في عملية اختيار الأعضاء، حيث وضع شروطًا صارمة لعضويته، بينما فتح تنظيم الجهاد الباب واسعًا لدخول أعضاء جدد. هذه الرؤية تؤيدها إلى حد كبير أوراق القضية، وبعد تكوين مجلس الشورى تم تطبيق القرار الخاص بتوسيع قاعدة العضوية بنشاط، وقد كانت المساجد، وبخاصة المساجد الأهلية، هي الأماكن التي تم فيها رصد الأعضاء الممكنين والاقتراب منهم وتجنيدهم في النهاية، وتمت مفاتحة الأصدقاء والأقارب والجبران أيضًا. 

وقد أوضح محمد عبد السلام فرج أمير التنظيم، في التحقيقات التي أجريت معه، أنه لم تكن هناك شروط محددة لعضوية التنظيم إلا أن يكون أخًا مسلمًا صالحًا ملتزمًا، ولم يكن مهمًا أن يكون عضوًا في جماعة إسلامية أخرى، باستثناء تنظيم الجهاد القديم الذي تأسس عام ١٩٧٩ وذلك كإجراء وقائي تجاه سلطات الأمن.

ولم يكن معنى الحصول السهل نسبيًا على عضوية التنظيم أن الثقة الكاملة أعطيت لأي عضو أو أنه يتم تكليف أي عضو بسهولة بمهمة دقيقة، فقد كانت تلك المهام من اختصاص الأعضاء الذين تم اختبارهم فكريًا بصورة مكثفة، والذين تلقوا التدريب العسكري المطلوب بواسطة المجلس، الذي ثبت أن أعضاءه اتسموا بالمرونة والولاء والشجاعة وفوق كل اعتبار بالكتمان.

وما إن كان رصد العضو الصالح للتجنيد يتم حتى يفاتح ويبلغ، بوضوح، أهداف التنظيم ووسائله، فإذا أظهر الرغبة تعرض عليه فرصة التدريب في ضوء هذه الأهداف، والتكتم المطلق كان صفة لها اعتبار كبير، وكان إلقاء المحاضرات عن الأمن جزءًا من برنامج التدريب الذي لا بد للعضو من تلقيه. وركزت المحاضرات على ضرورة عدم إلقاء أية أسئلة، عدا الأسئلة المتصلة بالمهمة التي تم تكليف العضو بها، وعدم كشف معلومات عن التنظيم للأصدقاء أو حتى أفراد الأسرة، وتجنب حضور الاجتماعات الكبيرة. وتم تعليم الأعضاء استخدام الشيفرات في كتابة الرسائل. وكإجراء أمني تم إطلاق أسماء حركية على أشخاص معينين، وكان هناك شرط مسبق آخر لمن يكلف من الأعضاء بمهمة دقيقة وهو أن يقيم روابط تنظيمية داخل الوحدة التي ينتمي إليها.

من خلال هذا العرض لأسلوب جماعات الإسلام السياسي المعاصرة في التجنيد السياسي لعضويتها في مصر، يمكن أن نصل إلى النتائج التالية حول أسلوب التجنيد السياسي لهذه الجماعات في مصر:

(١) استفادت هذه الجماعات من خبرة الاخوان المسلمين في مجال التجنيد السياسيي، وبخاصة التنظيم الخاص، وإن تفاوتت قدرات هذه الجماعات في هذا المجال؛ فبينما نجد تفوقًا واضحًا للاخوان المسلمين، نجد أن حزب التحرير الإسلامي كان أضعف هذه الجماعات من حيث القدرة على تجنيد الأعضاء، ولعل هذا يرجع إلى سرعة اكتشافه والقبض على أعضائه، وسنلحظ تزايد قدرة تنظيم الجهاد على تجنيد الأعضاء بالمقابلة بتنظيم جماعة المسلمين (التكفير والهجرة)، ويمكن أن نرجع هذا إلى أن هذا التنظيم قد وضع شروطًا أكثر تعقيدًا للانضمام إليه، مقابلة بتنظيم الجهاد الذي اتبع أسلوب التوسع في العضوية.

(٢) سنجد توحدًا في قسم البيعة بين الاخوان والجماعات الثلاث الأخرى من حيث مبايعة أمير الجماعة على السمع والطاعة في المنشط والمكره وفي العسر واليسر، والكتمان وعدم إفشاء السر حتى لأقرب الناس إليه، الأمر الذي يخلق نوعًا من أنواع الولاء الشخصي لأمير الجماعة من قبل العضو، وهو ما يجسد القيادة الفردية في هذه الجماعات.

(٣) استخدمت هذه الجماعات علاقات الصداقة والقرابة والعبادة كوسائل للتجنيد السياسي وإن اختلفت كل منها في درجة الاعتماد على كل منها، فبينما اعتمدت جماعة الاخوان المسلمين على علاقات القرابة والعبادة في ضم الأعضاء على مستوى المحيط العام، ركزت على علاقات الصداقة بالنسبة إلى النظام الخاص، كذلك رّكز حزب التحرير الإسلامي على علاقتي العبادة والصداقة. أما جماعة المسلمين (التكفير والهجرة) فقد ركزت على أسلوب القرابة، بل سنلحظ أن شكري مصطفى قد استخدم هذا الأسلوب في بناء التنظيم من خلال قيامه بعملية تزويج الرجال والنساء الأعضاء في الجماعة، أما الجهاد فيبدو أنه استخدم العلاقات الثلاث بالتساوي.

(٤) نلاحظ تركيزًا واضحًا في نشاط هذه الجماعات في عملية التجنيد السياسي للأعضاء على منطقة الصعيد، بدءًا بالاخوان وانتهاء بتنظيم الجهاد، الأمر الذي يتطلب دراسة علمية متعددة الجوانب لهذه المنطقة لكي نصل إلى أسباب اتساع حلقات العضوية في هذه المنطقة. صحيح أن هناك بعض الدراسات في هذا المجال، لكننا نحتاج إلى دراسة متكاملة، إذ يركز كل منها على عامل أو أكثر لتفسير الظاهرة.

(٥) قام أسلوب التجنيد السياسي في معظم هذه الجماعات على أسس معقدة، وإن تفاوتت في درجة تعقيداتها من تنظيم إلى آخر، فسنجد أن نظام تجنيد أعضاء النظام الخاص للاخوان أكثر تعقيدًا من نظام التجنيد لدى منظمة الجهاد، وسنجد كذلك أن التكفير والهجرة أكثر تعقيدًا من بقية الجماعات المعاصرة من حيث أسلوب التجنيد. إلا أن معظم هذه التنظيمات قد اجتمع على ضرورة القيام بتكوين العضو تكوينًا فكريًا ونفسيًا وبدنيًا معينًا، فالعضو يخضع فيها لبرامج التثقيف الفكري والإعداد النفسي التي تؤدي إلى تبلور شخصية ذات خصائص معينة، أهمها الثقة والطاعة والانصياع التام لأوامر أمير الجماعة؛ الإحساس بالذات والتميز من الآخرين غير المنتمين إلى هذه الجماعات؛ القدرة على العيش في مجتمع مغلق هو مجتمع الجماعة التي ينتمي إليها، إضافة إلى تدريب العضو عسكريًا على استخدام الأسلحة والمفرقعات، والتدريب الرياضي والبدني للدفاع عن النفس. ولا شك في أن برا مج الإعداد هذه تهدف إلى توظيف العضو واستخدامه للقيام ببعض الأعمال ذات الطبيعة الخاصة، ليس من بينها ممارسة العمل السياسي العلني.

وما نخلص إليه هو أن أسلوب التجنيد السياسي لأعضاء هذه الجماعات وما يتبعه من عمليات للتكوين الفكري والبدني والعسكري يؤدي إلى إعداد العضو الإعداد المناسب للقيام ببعض أعمال العنف السياسي في المجتمع، بطريقة تجعله لا يشعر بأنه يقوم بعمل غير شرعي أو غير قانوني، بل بطريقة تجعله يؤمن بأن ما يقوم به هو ما يجب أن يفعله، وأنه نوع من الجهاد المقدس لإعلاء كلمة الله في الأرض، وإقامة الدولة الإسلامية استنادًا إلى رؤية هذه الجماعات وفكرها.

ثانيًا: خصائص البناء الهيكلي لجماعات الإسلام السياسي في مصر

من خلال مراجعة الدراسات والوثائق المتاحة لهذه الجماعات يمكن أن نحدد أهم خصائص البناء الهيكلي لهذه الجماعات على النحو التالي:

١- تتراوح خصائص هذا البناء بين التعقيد الشديد والبساطة بين هذه الجماعات، فبينما تقدم جماعة الاخوان المسلمين نظامًا هيكليًا معقدًا ومحكمًا، سواء بالنسبة إلى النظام العام العلني أو النظام الخاص السري، فإننا نجد جماعة التكفير والهجرة تتسم بالبساطة في البناء التنظيمي، فأمير الجماعة في القمة، ثم أمراء الجماعات ثم أعضاء الجماعات، والأمر نفسه بالنسبة إلى جماعة الفنية العسكرية. وتتوافر في هاتين الجماعتين قنوات الاتصال المباشر بين الأعضاء وأمير الجماعة، وهو ما لا نجده في نطاق النظام الخاص للاخوان الذي يمنع حدوث مثل هذا الاتصال إلا من خلال رقم (١) أي أمير الجماعة الصغيرة. أما تنظيم الجهاد فقد قدم نموذجًا وسطًا من حيث التعقيد والبساطة، حيث يقوم هذا التنظيم على الأمير الذي يرأس مجلس الشورى الذي يضم أحد عشر عضوًا، ثم ثلاث لجان فرعية يرأس ك ً لا منها أمير، وهي اللجنة الاقتصادية، ولجنة الدعوة، ولجنة الإعداد، إضافة إلى ستة تشكيلات على مستوى محافظات: قنا ويرأسها أمير واحد؛ نجع حمادي ويرأسها أمير واحد؛ أسيوط ويرأسها ثلاثة أمراء؛ المنيا ويرأسها أميران؛ القاهرة والجيزة. ويرأسهما أمير واحد.

٢- والواقع أن هذا التفاوت بين التعقيد والبساطة للنباء الهيكلي يرجع إلى عوامل عدة أهمها ظروف تكوين الجماعة، والأولويات التي حددتها لنشاطها، والمدى الزمني المتاح لها قبل اصطدامها بأجهزة الأمن، والخبرات التنظيمية المتاحة لها.

على الرغم من هذا الاختلاف من حيث درجة تعقيد البناء الهيكلي بين هذه الجماعات فإنها جميعًا قد اتسمت بسيطرة الفرد على جميع مستويات التنظيم. نجد هذا بوضوح في معظم هذه الجماعات بدءًا بالشيخ حسن البنا المرشد العام الأول للأخوان المسلمين، مرورًا بصالح سرية فشكري مصطفى، فعبد السلام فرج. فمعيار الترقي في سلم التدرج الهرمي للسلطة في هذه الجماعات يستند أساسًا إلى مدى ولاء العضو للقائد الفرد، ومن ثم فإن السمة الأساسية للعلاقة بين العضو والقيادة الفردية هي سمة الخضوع والولاء المطلق، وحتى جماعة الاخوان التي قدمت نموذجًا أكثر تقدمًا نسبيًا في هذا المجال، كانت تأخذ بعدم إلزامية الشورى للمرشد العام للإخوان، ولا تقتصر هذه العلاقة، علاقة الولاء والخضوع، على المستوى الأعلى للقيادة ولكنها تمتد إلى المستويات الأدنى أيضًا، فلا بد للعضو في القاعدة من أن يكون خاضعًا خضوعًا تامًا لأمير جماعته الصغرى، وهذا الأمير يخضع للمستوى الأعلى، وهكذا حتى نصل إلى قمة هرم السلطة في هذه الجماعات. غير أن هذا الخضوع في المستويات الأدنى يدور في محور أساسي ومحدد هو الولاء والخضوع للقيادة العليا الفردية في النهاية، الأمر الذي يجعل السمة الأساسية لعلاقات الأعضاء بسلطة هذه الجماعات هي السمة الأوتوقراطية في أنقى صورها ومعانيها.

٣- اتسم البناء الهيكلي لهذه الجماعات بالمرونة والقدرة على التأقلم مع ظروف التحرك، ولعل خير مثال على ذلك تنظيم الاخوان المسلمين في الجامعة الذي جاء بسيطًا وعلى درجة عالية من الكفاءة. فرئيس شعبة الجامعة هو المسؤول مسؤولية مباشرة عن رؤساء الكليات. وتنقسم الكليات إلى أقسام يختص كل قسم منها بشؤون إحدى السنوات الدراسية. ورؤساء أقسام الكلية مسؤولون عن سلوك أعضاء جماعتهم أمام أمير الكلية. وقد أتاح هذا التقسيم تنظيم الاخوان في داخل الجامعة في وحدات من الصغر بالقدر الذي يسمح لها بالتجمع بسرعة، ومن الكبر، أيضًا، بالقدر الذي يسمح لها بالتأثير الفعال داخل الكليات. أما الاتصال بين الكليات فكان يتم عن طريق أمير الجامعة. ولعل أهم ما كان يدهش معارض الاخوان في الجامعة قدرة الزعماء أو الأمراء على إيصال الإرشادات والقرارات عبر مستويات الاخوان المختلفة بسرعة شديدة وامتثال هؤلاء الأعضاء الكامل لتلك الإرشادات والقرارات.

وقد أفادت الجماعات الإسلامية المعاصرة من هذه الخبرة التنظيمية للاخوان في الجامعة، الأمر الذي أدى إلى زيادة فعاليتها بشكل واضح في الجامعات المصرية في السبعينيات والثمانينيات.

٤- اتجه معظم هذه الجماعات إلى الأخذ بالتنظيم العنقودي، الذي يقوم على أساس تكوين جماعات صغيرة لا يعرف بعضها البعض الآخر، من أجل توفير أقصى درجة ممكنة من درجات السرية لنشاطها، فأقصى عدد ممكن من الأعضاء الذين كان يمكن لعضو النظام الخاص في الاخوان أن يعرفهم أو يتصل بهم كان ثمانية، وتنظيم صالح سرية كان من بين مجموعة من الخلايا التي لا يعرف بعضها البعض الآخر، والأمر نفسه بالنسبة إلى تنظيم الجهاد. 

غير أن هذه الخلايا العنقودية كانت ترتبط بالقيادة العليا لهذه الجماعات، الأمر الذي يتيح لها إمكانية الحركة السريعة، وتنفيذ ما يصل إليها من توجيهات من القيادة بشكل منظم وفعال. والواقع أن هذه الخصائص التي اتسم بها الهيكل التنظيمي لهذه الجماعات وإن كان قد جعل من السهل على قيادة هذه الجماعات تحريك أعضائها وتوجيههم للقيام ببعض الأعمال والأنشطة العنيفة في المجتمع، فإنه قد أوجد، أيضًا، ظاهرة أخرى أكثر تعقيدًا، يمكن أن نطلق عليها ظاهرة توالد الجماعات الأكثر راديكالية وعنفًا من بين ثنايا هذه الجماعات. فنظرًا إلى التدرج الهرمي المحكم والصرامة الشديدة في الخضوع للأمير، فإن بعض الأفراد من هذه الجماعات حاولوا الخروج منها، ليقوموا بتشكيل جماعات أخرى أكثر تشددًا وأكثر ميلاً إلى استخدام العنف، وحدث هذا في العديد من الحالات، وبخاصة تلك الحالات التي يرى فيها البعض أن قرارات القيادة لم تكن مناسبة من وجهة نظرها بالنسبة إلى ظروف الحركة. ومع صعوبة إيصال هذه الآراء إلى القيادة العليا وعدم وجود تقاليد للمناقشة والحوار الديمقراطي في البناء التنظيمي لهذه الجماعات، فإن البعض قد لجأ إلى أسلوب الخروج وتشكيل جماعة أو جماعات جديدة، وكان رد الفعل عنيفًا من جانب أية جماعة تنشق عنها مجموعة، الأمر الذي يصل إلى حد التصفية الجسدية لهؤلاء الأعضاء المنشقين، الذين كان لا بد لهم من مواجهة العنف بالعنف. وهكذا، تتسع دائرة العنف حتى في العلاقات بين هذه الجماعات بعضها بالبعض الآخر، ليصيب رذاذها المجتمع.

ثالثًا: التكوين العضوي لهذه الجماعات

ونقصد به في هذا البحث، نسبة الشبان إلى كبار السن في هذه الجماعات. الواقع أن معظم الدراسات والوثائق المتاحة عن هذه الجماعات يوضح أن النسبة الغالبة من أعضائها كانت للشبان، بل ان معظم هذه الجماعات كان يركز نشاطه وسعيه لتجنيد الأعضاء بين الشبان من طلبة المدارس والجامعات. ولا تختلف في هذا جماعة الاخوان المسلمين، التي أولت الجامعة اهتمامًا خاصًا، وأقامت تنظيمًا خاصًا بالجامعة، كما أن معظم أعضاء النظام الخاص أو السري الذي اضطلع بالقيام ببعض الأعمال العنيفة، كانوا من الشباب. والواقع أن طغيان عنصر الشباب على التكوين العضوي لهذه الجماعات يشكل عاملاً مساعدًا على استخدام هذه الجماعات للعنف، نظرًا إلى ما يتسم به السلوك السياسي للشبان من خيالية ومثالية ورفض للواقع.

رابعًا: دراسة تحليلية مقارنة لواقع البناء التنظيمي لجماعات الإسلام السياسي في الوطن العربي

لا تتوافر المعلومات الخاصة بالبناء التنظيمي لجماعات الإسلام السياسي في بقية الأقطار العربية بالقدر المناسب كما هي الحال في مصر، ومن ثم، ففي ضوء ما هو متاح من معلومات، سنحاول أن نقدم دراسة موجزة لواقع البناء التنظيمي لهذه الجماعات من حيث أسلوب التجنيد السياسي للانضمام إلى هذه الجماعات، وخصائص بنائها الهيكلي، وتكوينها العضوي، وذلك مع مقابلة هذه الجوانب بما هو قائم في مصر.

١- أسلوب التجنيد السياسي

في ما يتعلق بأسلوب التجنيد السياسي للأعضاء سنجد أن هذه الجماعات قد استخدمت علاقات القرابة والطائفة والصداقة والعبادة، كمدخل لتجنيد الأعضاء، وإن اختلفت درجة أهمية كل منها من قطر إلى آخر. ففي المناطق العربية التي تتسم بالتنوع الديني والمذهبي والطائفي كما هي الحال في دول المشرق العربي التي تضم سوريا والعراق ولبنان وفلسطين والأردن، نلاحظ أن مدخل أسلوب التجنيد هو علاقات القرابة أو الطائفة، الأمر الذي تؤكده الخبرة السورية في هذا المجال، بحيث ينتمي معظم أعضاء جماعة الاخوان المسلمين إلى السنَّة. والجدير بالذكر أن هذه الجماعة، بفصائلها المختلفة، تمثل صلب جماعات الإسلام السياسي المعارضة في سوريا. والأمر نفسه سنلحظه بوضوح أكثر لدى الجماعات الإسلامية في لبنان – وإن كان أكثر وضوحًا – كحركة أمل وحزب الله. فعضوية مثل هذه الجماعات تكاد أن تقتصر على الشيعة، كما أن التيار الإسلامي الذي سيطر على مدينة طرابلس في شمال لبنان كان تيارًا سنيًا، ابتداءً من عام ١٩٨٥. وبينما لا نجد لحركات الإسلام السياسي نشاطًا واضحًا في العراق مقابلة بالأقطار العربية الأخرى، إلا أنه بفعل نجاح الثورة الإسلامية في إيران بزعامة الخميني، ظهر بعض التجمعات الشيعية الموالية لإيران. وإذا ما انتقلنا إلى السودان سنجد أن مدخل التجنيد السياسي لحزبين إسلاميين (حزبي الأمة والاتحادي)، كان الانتماء الطائفي إلى جماعة الأنصار بالنسبة إلى حزب الأمة، أو الانتماء إلى الطائفة الختمية بالنسبة إلى الحزب الاتحادي بعد سيطرة الجناح التقليدي عليه برئاسة الميرغني، أما الجبهة الإسلامية بزعامة حسن الترابي فهي تجمع يضم المثقفين، ومن ثم نتوقع أن يكون المدخل إلى التجنيد مختلفًا إلى حد ما. وفي ما يتعلق بتونس أوضحت دراسة الهرماسي اختلاف مناطق تركز هذه الجماعات من منطقة إلى أخرى في تونس، الأمر الذي يجعل لاعتبارات القرابة، من وجهة نظرنا، أهمية خاصة في عملية التجنيد السياسي لأعضاء هذه الجماعات، وإن كان لعلاقات العبادة تأثير لا يقل أهمية في ضوء رواية الغنوشي مرشد الجماعات الإسلامية. فقد بدأت هذه الجماعات في الانتشار من خلال الحلقات التي كانت تعقد في المساجد. وسنلحظ في الجزائر أن لعلاقات الصداقة أو الزمالة في الدراسة تأثيرًا واضحًا في التجنيد لعضوية هذه الجماعات، فالجامعة كانت الميدان الرئيسي لنشاط هذه الجماعات. والواقع أن هذه الأساليب أو المداخل للتجنيد السياسي لعضوية هذه الجماعات لا تختلف عما هو قائم في مصر. 

نستطيع أن نصل من خلال هذا التحليل إلى أن ثمة تأثيرًا لأسلوب التجنيد السياسي في السلوك السياسي لهذه الجماعات، فكلما كان المدخل إلى هذا التجنيد هو العلاقات الطائفية أو علاقات القرابة، اتسم السلوك السياسي لهذه الجماعات بتزايد درجة العنف، الأمر الذي يؤكده ما يحدث في سوريا ولبنان، وما يحدث في صعيد مصر حيث المدخل العائلي أو القرابي أو الطائفي هو المسيطر على عملية التجنيد السياسي للأعضاء. ويلي هذا مدخل علاقات الصداقة والزمالة، بخاصة إذا كانت بين الشبان، الأمر الذي يضفي على سلوك الجماعات التي تستند إلى هذا الأسلوب سمة العنف أيضًا، تؤكد هذا خبرة الجماعات الإسلامية في مصر والجزائر. أما مدخل العبادة فإنه قد يؤدي إلى سلوك أقل عنفًا وتشددًا، كما هي الحال بالنسبة إلى تونس، والمحيط العام أو النشاط العلني لجماعة الاخوان المسلمين في مصر.

وتقدم السعودية نموذجًا قد يبدو أنه يخرج قليلاً على نطاق هذه القاعدة، إذ جمعت جماعة المسلمين التي قادها العتيبي بين أسلوب الانتماء القبلي وأسلوب العبادة. كان الأسلوب الأول مّتبعًا بالنسبة إلى السعوديين والآخر بالنسبة إلى عامة المسلمين، حيث ضم التنظيم أفرادًا من جنسيات إسلامية مختلفة، ومع ذلك فقد اتسم سلوكه السياسي بالعنف الشديد. ويرجع ذلك إلى غلبة التكوين القبلي على هذا التنظيم من وجهة نظرنا، الأمر الذي يؤكد في الحقيقة القاعدة التي توصلنا إليها في هذا الصدد.

لا تقتصر مسألة التجنيد السياسي على مسالك ضم الأعضاء، وإنما تتضمن التكوين الفكري والنفسي لهؤلاء الأعضاء، وهذه مسألة نجد لها شواهد ملموسة سواء في مصر أو تونس أو السودان أو السعودية. هذا إضافة إلى اهتمام هذه الجماعات بالتأهيل البدني والعسكري اللازم للأعضاء للقيام بالمهام التي سيكلفون بها. وسنلحظ وجود درجة من درجات التوحد في الإعداد الفكري والنفسي للأعضاء في هذه الجماعات، الأمر الذي يؤدي إلى خلق رؤية فكرية وأحادية الجانب منغلقة على الذات لدى أعضاء هذه الجماعات.

٢- خصائص البناء الهيكلي

لا تقدم جماعات الإسلام السياسي في بقية أقطار الوطن العربي جديدًا إلى ما أشرنا إليه بصدد الخبرة المصرية في هذا المجال، فلأمير الجماعة السلطة شبه المطلقة، والبيعة على الطاعة. وهناك، عادة، هيئة للشورى، فالتكوينات الأدنى. ولا توجد معلومات متاحة بالقدر الذي يسمح بتحليل هذه التكوينات، وإن كانت مظاهر سلوكها السياسي، وبخاصة في الجامعات، توحي بأنها تأخذ شكل الخلايا الصغيرة التي يمكن تجميعها بسرعة وبفعالية من جانب القيادة. أما عن إمكانية ممارسة الحوار الديمقراطي في نطاق البنية التنظيمية لهذه الجماعات، فسنلحظ أن الخبرتين التونسية والسودانية تقدمان أسلوبًا أكثر تقدمًا في هذا المجال، وفي هذا الشأن يشير حسن الترابي إلى أن الجبهة الإسلامية مؤسسة ديمقراطية أسس الحزب فيها على المؤتمرات الشعبية، وتقوم كل المناصب القيادية بغير استثناء على الانتخاب، والأمر نفسه نجده في تونس على نحو ما يذكر الغنوشي، وسنجد تراجعًا في فكر هذه الجماعات في الحالتين السابقتين عن مقولات البيعة والمفاهيم المتعلقة بها. غير أن أهم ما سنلحظه بالنسبة إلى الجبهة الإسلامية في السودان والاتجاه الإسلامي الذي أطلق على نفسه حزب النهضة، مؤخرًا، في تونس، هو انخفاض حدة الانشقاقات التي حدثت فيهما مقابلة بما هو قائم في الأقطار العربية الأخرى، الأمر الذي يجعلنا نصل إلى نتيجة مؤداها أنه كلما اعتمدت هذه الجماعات على أسلوب الحوار الديمقراطي في إطار بنائها التنظيمي، استطاعت أن تحافظ على تماسكها، وتتزايد قدراتها على استيعاب الاتجاهات الأكثر تشددًا بين فصائلها، الأمر الذي يتيح للقيادة فرصة أفضل للتحكم في نشاط هذه الفصائل وتوجيهه بما يتوافق وما تراه القيادة محققًا لأهدافها ومصالحها في المجتمع، وبخاصة مع تبلورها في شكل حزب سياسي. وهذا ما يضفي على سلوك هذه الجماعات سمة أقل حدة وعنفًا مقابلة بالجماعات الأخرى التي لا تستخدم هذا الأسلوب الديمقراطي في نطاق بنيتها التنظيمية، إذ يكثر في هذه الحالة الأخيرة توالد الجماعات الاكثر تشددًا والأكثر اقتناعًا باستخدام العنف السياسي.

٣- التكوين العضوي لهذه الجماعات

سنلحظ غلبة عنصر الشباب بين أعضاء هذه الجماعات، الأمر الذي يؤكده العديد من الدراسات التي أجريت في هذا المجال، سواء بالنسبة إلى مصر أو تونس أو الجزائر أو المغرب أو السعودية. وهذا ما يضفي على السلوك السياسي لهذه الجماعات طابع العنف الذي يميز سلوك الشباب السياسي، فالشباب طاقة تحكمها بعض الرؤى المثالية أو الخيالية، فإذا ما اصطدمت هذه الرؤى المثالية بالواقع الذي يتناقض معها عادة، لا بد من أن تنطلق في صورة عنيفة.

وخلاصة ما نصل إليه في نهاية هذا البحث هو أن عنف جماعات الإسلام السياسي يرجع أساسًا إلى البنية الفكرية والتنظيمية لهذه الجماعات، وإن كنا لا نسقط أثر عنف الحكومات العربية في مواجهاتها لهذه الجماعات في تزايد درجة توجهها إلى استخدام العنف السياسي كأداة للتغيير في المجتمع العربي، وفي هذا الشأن يقول فؤاد زكريا: إن العنف ليس ظاهرة طارئة على هذه الجماعات المتطرفة، وإنما هو شيء ينتمي إلى تركيبها ذاته وهو جزء لا يتجزأ من تكوينها الذهني والنفسي، وهو وسيلتها الوحيدة لتحقيق أهدافها في المجتمع.

وفي وقفة نقدية مع جماعة الإخوان المسلمين، يقول الشيخ يوسف القرضاوي[25]
ومع ما اجتنينته من مدرسة الدعوة الإخوانية من ثمرات لا أجحدها، كما اجتناها أمثالي من الشباب الذين التحقوا بموكب هذه الدعوة، والتزموا بموقفها نحو إسلامهم ووطنهم وأمتهم، وتجنبوا ضياع (الشاة المنفردة) التي يلتهمها الذئب إذا بعدت عن القطيع، كما اجتنبوا متاهة الأحزاب التي أغرقت الشباب في دوامة من الصراعات من أجل السلطة، ولم تتعهدهم بأي قدر من التربية والتوجيه الديني. مع هذا أود أن أقف في هذه المرحلة ـ المرحلة الثانوية بالنسبة لي ـ وقفة نقدية أعاتب فيها الإخوان، على نهج ما يسمونه في عصرنا (النقد الذاتي) أو ما نسميه بلغتنا الإسلامية (محاسبة النفس). لقد التقطني الإخوان، فوجهوني في نشر الدعوة هنا وهناك، واعتصروني اعتصارا، دون أن يكون لهم أدنى اهتمام لتوجيه مثلي إلى ما يجب أن يقرأه وأن يعده للقاءاته ومحاضراته في البلدان المختلفة. فكنت أنا الذي أختار الموضوع، وأحدد عناصره، وأملأ فراغه بما يتراءى لي، وأقرأ له في إطار ما لدي من كتب وهي محدودة جدا في ذلك الوقت. صحيح أنه كان عندي من الوسائل والإمكانات الشخصية ما يشد الناس إلي، ولكن كان يمكن أن يكون أدائي أفضل، وإنتاجي أغزر، وموضوعاتي أخصب، لو كان معها التوجيه والتنظيم والإعداد العلمي. ثم التقويم والمراجعة للدعاة وأدائهم وأثرهم في كل مدة من الزمن، كل ثلاثة أشهر أو ستة أشهر أو سنة. ومرد ذلك إلى عيب في الجماعة هو ضعف الجانب الثقافي أو العلمي أو الفكري فيها، حتى شيخنا البهي الخولي عندما وجهنا في (كتيبة الذبيح) كان أكبر همه التوجيه الروحي والسلوكي، وهو مهم ولا شك، ولم يكن همه التكوين العلمي أو الثقافي، ولذا لم يوجهنا إلى أي كتاب نقرأه، أو يكلفنا بأي شيء علمي نقوم به، كانت الفكرة المسيطرة: أن يدربنا على (السمع والطاعة) فعلينا أن نقول لقادتنا ما قال إسماعيل لأبيه: يا أبت افعل ما تؤمر. فهو يريد جنودا مطيعين، لا دعاة مثقفين. كأنما كان هناك خوف من القراءة والثقافة أن تنشئ العقلية المتمردة، التي تقول في كل أمر: فيم؟ ولم؟ ولا تقول دائما: نعم، سمعا وطاعة. ربما كان هذا الهاجس هو السبب في وهن الجانب الفكري والعملي لدى الإخوان في تلك الفترة. وربما كان سببه اعتمادهم على مرشدهم ومؤسس حركتهم الأستاذ البنا، فرسائله ومقالاته مصدر تثقيفهم، ودروسه الأسبوعية كل ثلاثاء معين توجيههم. فإذا شغلت الأستاذ البنا الشواغل الكثيرة: الدعوية والوطنية والإسلامية، خوى وفاضهم، ونفدت بضاعتهم، وقل المعروض في سوقهم. وهو ما شعر به الأستاذ البنا، وجعله يفكر في إصدار مجلة (الشهاب) لتكون مددا ثقافيا مركزا للإخوان، كما ذكرنا من قبل. ولكن المجلة وحدها لا تكفي، فلا بد أن يتخلل ذلك كيان الجماعة، ويدخل مناهجها التثقيفية والتربوية، وأن يقدم العلم على العمل، كما هو منهج القرآن والسنة، فقد نزل قوله تعالى: (اقرأ باسم ربك) قبل قوله تعالى: (يا أيها المدثر. قم فأنذر، وربك فكبر، وثيابك فطهر). ولكن الإخوان شاع لديهم إيثار الجانب العملي والجهادي على الجانب العلمي والفكري، وهذا المناخ هو الذي ولد فيه الاتجاه الثقافي الذي سمي فيما بعد (لجنة الشباب المسلم) التي سعت إلى ترجمة رسائل الأستاذ أبي الأعلى المودودي، ومحاولة تلقيح فكر الإخوان بفكر (الجماعة الإسلامية) في شبه القارة الهندية. وكنت أتمنى من الإخوان أن يكون لديهم تفكير (استراتيجي) فيما يتصل بشبابهم، والانتفاع الأقصى بمواهبهم وقدراتهم الخاصة، ومساعدتهم في التوجه إلى أفضل ما ينفعهم وينفع دعوتهم وأمتهم. كان يمكنهم أن يوجهوا مثلي إلى تدريب قلمه على الكتابة، بدل أن تستنفد كل طاقته في الخطاب الشفهي، ولم أكن أكتب إلا عناصر الموضوع الذي أتحدث فيه. وكان يمكنهم أن يوجهوني إلى تعلم (اللغة الإنجليزية) وأن يساعدوني ماديا عليها، وقد كان لدي قدرة لغوية غير عادية، ولدي وقت فراغ، خصوصا في عطلات الصيف، ولو تم هذا لكان فيه خير كثير، لي وللدعوة التي نذرت حياتي لخدمتها. ولكنهم لم يفعلوا، بل لم يخطر لهم ذلك ببال. كان يمكنهم أن يرتبوا لقاءات منهجية لشباب الدعاة من الإخوان في الأقاليم بالأستاذ البنا، ليتعلموا منه، ويستمعوا إليه، ويلقوه وجها لوجه، في دروس معدة ومخططة، ولو في أثناء العُطَل، فيقبسوا من علم الأستاذ وثقافته، وحسن تجربته، ويشربوا من روحه. وكذلك من يرسخهم الأستاذ البنا من الدعاة والعلماء الذين يراهم أهلا لتوجيه الدعاة. ولكنهم للأسف لم يفعلوا، بل لم يفكروا مجرد تفكير في مثل ذلك، فقد كان الكثيرون تغيب عنهم النظرة الاستراتيجية أو الاستشرافية للمستقبل. هذا ملاحظة ناقدة سريعة ولكنها لا تمس جوهر الدعوة وسمو أهدافها، وعظم مجهودها في خدمة الدين والأمة بحال.


المراجع:

[1] إنظر سيرته الذاتية في موقع ويكيبيديا - حسن البنا. وأيضاً موسوعة الإخوان المسلمين وإنظر تعريفه في الزركلي، خير الدين: الأعلام.. قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين – بيروت، لبنان، دار العلم للملايين، ط15، 2002 (جزء 2 صفحة 183-184) 

[2] للمزيد من التفاصيل عن أفكار حسن البنا ونظرياته الإسلامية، يمكن قراءة الكتب التالية: 
  • البنَّا، حسن: الإمام الشهيد يتحدث إلى شباب العالم الإسلامي – بيروت، لبنان، دار القلم، 1974‏ 
  • البنَّا، حسن: الإيمان وأثره في حياة الإنسان – جدة، المملكة العربية السعودية، الدار السعودية للنشر والتوزيع، 1984‏ 
  • البنَّا، حسن: التعريف بالإخوان المسلمين – دار الكلمة للنشر والتوزيع، 2011‏ 
  • البنَّا، حسن: السلام في الإسلام – بيروت، لبنان، منشورات العصر الحديث، 1971‏ 
  • البنَّا، حسن: الصلاة عماد الدين – بيروت، لبنان، دار القلم، 1971‏ 
  • البنَّا، حسن: المأثورات 
  • البنَّا، حسن: المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع – جدة، المملكة العربية السعودية، الدار السعودية للنشر والتوزيع، ‏‏1984‏ 
  • البنَّا، حسن: تجديد أصول الفقه – جدة، المملكة العربية السعودية، الدار السعودية للنشر والتوزيع، 1984‏ 
  • البنَّا، حسن: تجديد الفكر الإسلامي – جدة، المملكة العربية السعودية، الدار السعودية للنشر والتوزيع، 1987‏ 
  • البنَّا، حسن: دين وسياسة – بيروت، لبنان، مكتبة حطين، 1970‏ 
  • البنا، حسن: رسالة الإخوان والإنتخابات – دار الكلمة للنشر والتوزيع، 2010‏ 
  • البنَّا، حسن: رسالة الانتخابات 
  • البنَّا، حسن: رسالة التعاليم 
  • البنَّا، حسن: رسالة المنهج 
  • البنَّا، حسن: قضايا الحرية والوحدة والشورى والديمقراطية والدين والفن- جدة، المملكة العربية السعودية، الدار ‏السعودية للنشر والتوزيع، 1987‏ 
  • البنَّا، حسن: قضيتنا 
  • البنَّا، حسن: مبادئ وأصول في مؤتمرات خاصة ‏ 
  • البنَّا، حسن: مجموعة الرسائل – الإسكندرية، مصر، دار التوزيع والنشر الإسلامي، 1992‏ 
  • البنَّا، حسن: مجموعة رسائل الشهيد حسن البنَّا – بيروت، لبنان، دار القرآن الكريم، 1984‏ 
  • البنَّا، حسن: مذكرات الدعوة والداعية – القاهرة، مصر، المكتب الإسلامي، 1983 / الكويت، مكتبة الآفاق، 2012‏ 
  • البنَّا، حسن: من رسائل الإخوان المسلمين – القاهرة، مصر، دار الطباعة والنشر الإسلامية 
  • البنَّا، حسن: منبر الجمعة – الإسكندرية، مصر، دار الدعوة، 1978‏ 
  • البنَّا، حسن: نظرات في إصلاح النفس والمجتمع – القاهرة، مصر، مكتبة الإعتصام، 1969‏ 

[3] علام، فؤاد: الأخوان وأنا.. من المنشية إلى المنصة – القاهرة، مصر، أخبار اليوم، طبعة خاصة بتصريح ‏من المكتب المصري الحديث (صفحة 22-23‏) 

[4] الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين ‏- إخوان أون لاين



[7] الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين ‏- إخوان أون لاين

[8] الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين ‏- إخوان أون لاين


[10] الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين ‏- إخوان أون لاين


[12] الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين ‏- إخوان أون لاين

[13] الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين ‏- إخوان أون لاين

[14] علام، فؤاد: الأخوان وأنا.. من المنشية إلى المنصة – القاهرة، مصر، أخبار اليوم، طبعة خاصة بتصريح ‏من المكتب المصري الحديث (صفحة 23-24‏) 

[15] البنَّا، حسن: مذكرات الدعوة والداعية – القاهرة، مصر، الكويت، مكتبة آفاق، ط1، 2012 (صفحة 226-250) 

[16] حوى، سعيد: المدخل إلى دعوة الإخوان المسلمين– القاهرة، مصر، مكتبة وهبة، ط3، 1984‏ (صفحة 285-287) 



[19] كتاب (مجموعة الرسائل) - حسن البنَّا 

[20] عبدالحليم، محمود محمد: الاخوان المسلمون.. أحداث صنعت التاريخ، رؤية من الداخل - الإسكندرية، مصر، ‏دار الدعوة للطباعة والنشر، ‏‏1979‏ (الجزء الثاني: صفحة 25-30) 

[21] عبدالحليم، محمود محمد: الاخوان المسلمون.. أحداث صنعت التاريخ، رؤية من الداخل - الإسكندرية، مصر، ‏دار الدعوة للطباعة والنشر، ‏‏1979‏ (الجزء الثاني: صفحة 22-24) 

[22] الصباغ، محمود: حقيقة التنظيم الخاص ودوره في دعوة الإخوان المسلمين – دار ‏الإعتصام، 1989‏ 

[23] الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين ‏- إخوان أون لاين

[24] أبوعامود، محمد سعد: "البناء التنظيمي ‏لجماعات الإسلام السياسي في الوطن ‏العربي وأثره في السلوك ‏السياسي لهذه ‏الجماعات (مصر كحالة للدراسة)" - مجلة المستقبل العربي، السنة‎ ‎‏13‏‎ ‎، العدد‎ ‎‏143، ‏‎كانون‎‏ ‏الثاني/يناير 1991، ‏صفحة 21 والمنشورة ‏أيضاً ‏في كتاب (الحركات الإسلامية والديمقراطية) عن مركز دراسات الوحدة العربية (الفصل ‏الحادي عشر، صفحة ‏‏‏241-264)‏.‏ 

[25] مذكرات القرضاوي -ابن القرية والكُتاب 17 – الموقع الرسمي يوسف القرضاوي


هناك تعليق واحد:

  1. مجهود رائع تشكر عليه وياريت يتم ترجمة هذا العمل الى اللغة الإنجليزية حتى يتم التعرف على فكر الإخوان الإرهابي على شكل أوسع.

    ردحذف