الرأي الشرعي بالجماعة

لم يقتصر إنتقاد جماعة الإخوان المسلمين على مواقفها وتحالفاتها السياسية، بل تعرضت للنقد المرير في بعض الجوانب العقائدية والمنهجية الشرعية وأقوال وتصرفات أتباعها، فمن الناحية العقائدية مثلاً أُخذ على مؤسس تلك الجماعة قوله في مجال تعداد صفات الحركة الشمولية "وحقيقة صوفية"، والتصوف يُعتبر طريقة عبادة مبتدعة مخالفة عموماً لمنهج أهل السُنَّة والجماعة، وربما يكون مؤسس هذه الجماعة قد تأثر منذ نشأته الأولى بإحدى الطرق الصوفية أو أنه سعى لتقريب أهل التصوف لجماعته، وهذا توجه خاطئ لأنه يستحيل جمع الحق بالباطل إلا بالتنازل والمداهنة لتحقيق مصالح مشتركة، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾[1]، كما أن الجماعة كانت لا تهتم جدياً بنشر عقيدة السلف الصالح والدعوة الصحيحة إلى التوحيد الخالص والتحذير من البدع والشركيات المنتشرة بين العامة ومنها مناجاة الأولياء الصالحين وتقديس القبور، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ ‏أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[2]، وهذا الأسلوب بالتنظيم الحزبي قد جعل جماعة الإخوان المسلمين تهتم بالتحشيد الجماهيري العشوائي الواسع بدلاً من إستقطاب النخبة المثقفة الواعية لأن هدف هذه الجماعة كان ومايزال هو زيادة العدد وليس النوعية.

ومن المآخذ أيضاً على بعض أتباع جماعة الإخوان المسلمين الإنحراف الفكري وتقديس قياداتهم وتبجيل زعماؤهم والغلو في إعجابهم بإمامهم حسن البنَّا ومُنظرهم سيد قطب وغيرهم من مرشدي الجماعة ورموزها القيادية[3]، وصدرت عن بعض أتباع الإخوان أقوال وأوصاف لا يجيزها الشرع الإسلامي الحنيف، حيث يقول بعض المُريدين من الإخوان وأتباع حسن البنَّا أنه لم يقع بحياته قط في خطأ ويحاولون ترويج مقولة أن "المرشد لا يخطئ" وأنه "مُنَزَّه عن الخطأ" وكأنه من الأنبياء المُرسلين! قال الله سبحانه وتعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾[4]، ويقول الشيخ محمد الغزالي: "قال لي ذات يوم واحد من أقرب رجال المرشد إليه: إن الإيمان بالقائد جزء من الإيمان بالدعوة، ألا ترى أن الله تعالى ضم الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان بذاته جل شأنه؛ ذلك لأن المظهر العملي للطاعة والأسوة هو اتباع القائد اتباعا مطلقاً"[5]!! وقال سعيد حوى القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمون (فرع سورية) وأحد كبار مُنظريها: "فهل رأى أحد في هذه الأمة رجلاً كحسن البنا؟"[6]. وأثناء نكسة 1967 وهزيمة الجيش المصري أمام إسرائيل قال علّال الفاسي[7] شامتاً من الرئيس جمال عبدالناصر: "ما كان اللهُ لينصر حرباً يقودها قاتل سيد قطب"[8]!!

ويوجد الكثير من الأمثلة على تلك الهرطقات والبدع في كتب جماعة الإخوان المسلمين[9]، رغم أن حسن البنَّا مؤسس هذه الجماعة لم يكن من الفقهاء أو العلماء وإنما كما قال هو عن نفسه[10]: "يا أخي إني لست بعالم، ولكني رجل مُدرس مدني أحفظ بعض الآيات وبعض الأحاديث النبوية الشريفة وبعض الأحكام الدينية من المطالعة في الكتب، وأتطوع بتدريسها، فإذا خرجت بي عن هذا النطاق فقد أحرجتني". وفي مدينة رشيد أقام جماعة الإخوان حفلاً بمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج بحضور حسن البنَّا، فتحدث أحد أتباع الإخوان المتحمسين فقال: "إن مثلنا الآن من الأستاذ المرشد وهو يشير إليه كمثل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه"، وما كاد ذلك المتحدث ينتهي من هذه العبارة حتى صعد حسن البنَّا إلى المنصة ثم اتجه إلى الناس قائلاً: "أيها الإخوة، معذرة إذا كان المتحدث قد خانه التعبير، فأين نحن من تلامذة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نزل إلى مكانه"[11].

وهناك الكثير من فتاوى علماء أهل السنة والجماعة تدحض شرعية تنظيم الإخوان المسلمين[12] والعديد من المقالات التي نشرها علماء المسلمين[13] عن حقيقة تنظيم الإخوان المسلمين، ومنهم الشيخ عبدالعزيز بن باز، الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، الشيخ صالح بن محمد اللحيدان، الشيخ محمد بن صالح العثيمين، الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ، الشيخ عبدالله بن غديان، الشيخ عبدالمحسن العباد، الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، الشيخ عايد بن خليف الشمري، الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد، الشيخ عبدالرزاق عفيفي، الشيخ إبراهيم بن عبدالله المطلق، الشيخ ربيع بن هادي المدخلي، الشيخ محمد بن هادي المدخلي، الشيخ محمد أمان الجامي، الشيخ عبيد بن عبدالله الجابري، الشيخ مقبل الوادعي، الشيخ محمد بن عبدالوهاب الوصابي، الشيخ محمد سعيد رسلان، الشيخ خالد عثمان أبو عبدالأعلى، الشيخ حماد الأنصاري، الشيخ عبدالله الدويش، أحمد بن يحيى النجمي، الشيخ عبدالله بن محمد بن حسين صغير النجمي.

وقد سُئل الشيخ عبدالعزيز بن باز[14] عن حركة الإخوان المسلمين وما مدى توافقها مع منهج السُنة والجماعة؟ فقال[15]:

"حركة الإخوان المسلمين ينتقدها خواص أهل العلم، لأنه ليس عندهم نشاط في الدعوة إلى توحيد الله وإنكار الشرك وإنكار البدع، لهم أساليب خاصة ينقصها عدم النشاط في الدعوة إلى الله، وعدم التوجه إلى العقيدة الصحيحة التي عليها أهل السُنة والجماعة، فينبغي للإخوان المسلمين أن تكون عندهم عناية بالدعوة السَلفية، الدعوة إلى توحيد الله، وإنكار عبادة القبور، والتعلق بالأموات، والاستغاثة بأهل القبور كالحسن والحسبن والبدوي، وما أشبه ذلك، يجب أن يكون عندهم عناية بهذا الأصل الأصيل، بمعنى لا إله إلا الله التي هي أصل الدين، وأول ما دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم في مكة دعا إلى توحيد الله، إلى معنى لا إله إلا الله، فكثير من أهل العلم ينتقدون على الإخوان المسلمين هذا الأمر، أي: عدم النشاط في الدعوة إلى توحيد الله، والإخلاص له، وإنكار ما أحدثه الجُهال من التعلق بالأموات والاستغاثة بهم والنذر لهم والذبح لهم، الذي هو الشرك الأكبر، وكذلك ينتقدون عليهم عدم العناية بالسُنة: تتبع السُنة، والعناية بالحديث الشريف، وما كان عليه سلف الأمة في أحكامهم الشرعية، وهناك أشياء كثيرة أسمع الكثير من الإخوان ينتقدونهم فيها، ونسأل الله أن يوفقهم ويعينهم ويصلح أحوالهم".

وسُئل أيضاً الشيخ عبدالعزيز بن باز[16] عن بعض الجماعات الإسلامية، مثل جماعة التبليغ وجماعة الإخوان المسلمين، وهل هؤلاء من أهل السنة والجماعة؟ فقال:

"كلهم عندهم نقص، جماعة التبليغ وجماعة الإخوان المسلمين، يجب أن يحاسبوا أنفسهم وأن يستقيموا على الحق، وأن ينفذوا ما دل عليه الكتاب والسنة، في توحيد الله والإخلاص له، والإيـمان به واتباع شريعته، وعلى الإخوان المسلمين وفقهم الله أن يحاسبوا أنفسهم وأن يحكموا شرع الله فيما بينهم، وأن يستقيموا على دين الله: قولاً وعملاً وعقيدة، وأن يحذروا مخالفة أمره أينما كانوا، وعلى جماعة التبليغ أيضاً أن يحذروا ما كان يفعله أسلافهم من تعظيم القبور، والبناء عليها أو جعلها في المساجد أو دعائها والاستغاثة بها، كل هذا من المنكرات، والاستغاثة بها من الشرك الأكبر، فعليهم أن يحذروا ذلك، لهم نشاط في الدعوة إلى الله، وكثير منهم ينفع الله به الناس، لكن عند أسلافهم عقيدة غير صالحة، فيجب على الخلف أن يتطهروا منها، وأن يحذروا العقيدة الرديئة وأن يستقيموا على توحيد الله حتى ينفع الله بهم وبجهادهم".

وسُئل أيضاً الشيخ عبدالعزيز بن باز[17] تعلم يا سماحة الشيخ ما حل في الساحة من فتن فأصبح هناك جماعات مثل جماعة التبليغ وجماعة الإخوان والسلفية وغيرهم من الجماعات وكل جماعة تقول: إنها هي التي على صواب في اتباع السنة، من هم الذين على صواب من هذه الجماعات ومن نتبع منهم؟ ونرجو منك أن تسميهم بأسمائهم؟ فقال:

"الجماعة التي يجب اتباعها والسير على منهاجها هم أهل الصراط المستقيم، هم أتباع النبي وهم أتباع الكتاب والسنة الذين يدعون إلى كتاب الله وسنة رسوله قولاً وعملاً، أما الجماعات الأخرى فلا تتبع منها أحداً إلا فيما وافقت فيه الحق. سواءً كانت جماعة الإخوان المسلمين أو جماعة التبليغ أو أنصار السنة أو من يقولون إنهم السلفيون أو الجماعة الإسلامية أو من تسمي نفسها بجماعة أهل الحديث وأي فرقة تسمي نفسها بأي شيء فإنهم يُطاعون ويُتبعون في الحق والحق ما قام عليه الدليل وما خالف الدليل يرد عليهم ويقال لهم: قد أخطأتم في هذا، فالواجب موافقتهم فيما يوافق الآية الكريمة أو الحديث الشريف أو إجماع سلف الأمة".

وسُئل الشيخ عبدالعزيز بن باز[18] عن حديث النبي ﷺ: (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة إلا واحدة...)، فهل جماعة التبليغ على ما عندهم من شركيات وبدع، وجماعة الإخوان المسلمين على ما عندهم من تحزب وشق العصا على ولاة الأمور.. هل هاتان الفرقتان تدخل في الفرق الهالكة؟ فأجاب:

"تدخل في الاثنتين والسبعين، ومن خالف عقيدة أهل السنة دخل في الاثنتين والسبعين، المراد بقوله (أمتي) أي: أمة الإجابة، أي: استجابوا له وأظهروا اتباعهم له، ثلاث وسبعين فرقة: الناجية، السليمة التي اتبعته واستقامت على دينه، واثنتان وسبعون فرقة فيهم الكافر وفيهم العاصي وفيهم المبتدع، أقسام" فقال السائل: - يعني - هاتان الفرقتان من ضمن الاثنتين والسبعين؟ فأجاب: "نعم، من ضمن الثنتين والسبعين".

وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز[19]:

"الواجب على كل إنسان أن يلتزم بالحق، قال الله عز وجل، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، وألا يلتزم بمنهج أي جماعة لا إخوان مسلمين ولا أنصار سنة ولا غيرهم، ولكن يلتزم بالحق، وإذا انتسب إلى أنصار السنة وساعدهم في الحق، أو إلى الإخوان المسلمين ووافقهم على الحق من دون غلو ولا تفريط فلا بأس، أما أن يلزم قولهم ولا يحيد عنه فهذا لا يجوز، وعليه أن يدور مع الحق حيث دار، إن كان الحق مع الإخوان المسلمين أخذ به، وإن كان مع أنصار السنة أخذ به، وإن كان مع غيرهم أخذ به، يدور مع الحق، يعين الجماعات الأخرى في الحق، ولكن لا يلتزم بمذهب معين لا يحيد عنه ولو كان باطلا، ولو كان غلطا، فهذا منكر، وهذا لا يجوز، ولكن مع الجماعة في كل حق، وليس معهم فيما أخطئوا فيه".

وقال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان[20]:

"ليس من منهج الدعوة أن يتفرق المسلمون، وأن تكون كل طائفة منهم تزعم لنفسها أنها على حق وأن غيرها ليس على حق". وقال: "هذه الجماعات الوافدة يجب ألا نتقبلها لأنها تريد أن تنحرف بنا وتفرقنا وتجعل هذا تبليغياً وهذا إخوانياً وهذا كذا… لِمَ هذا التفرق؟ هذا كفرٌ بنعمة الله سبحانه وتعالى، ونحن على جماعةٍ واحدة وعلى بينةٍ من أمرنا، لماذا نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير؟ لماذا نتنازل عما أكرمنا الله سبحانه وتعالى به من الاجتماع والألفة والطريق الصحيح، وننتمي إلى جماعات تفرقنا وتشتت شملنا، وتزرع العداوة بيننا؟ هذا لا يجوز أبداً".

وقال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في فتوى[21] أخرى على سؤال: هل هذه الجماعات تدخل فى الاثنتين والسبعين فرقة الهالكة؟ فأجاب:

"نعم كل من خالف عقيدة أهل السنة والجماعة ممن ينتسب الى الاسلام فى الدعوة أو فى العقيدة أو فى شىء من أصول الايمان فانه يدخل فى الاثنتين والسبعين فرقة ويشمله الوعيد ويكون له من الذم والوعيد بقدر مخالفته".

وقال الشيخ صالح بن محمد اللحيدان[22]:

"الإخوان وجماعة التبليغ ليسوا من أهل المناهج الصحيحة فإن جميع الجماعات والتسميات ليس لها أصل في سلف هذه الأمة. وأول جماعة وُجدت وحملت الاسم جماعة الشيعة تسموا بالشيعة. وأما الخوارج فما كانوا يسمون أنفسهم إلا بأنهم المؤمنون".

وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين[23] :

"ليس في الكتاب والسنة ما يبيح تعدد الأحزاب والجماعات، بل إن في الكتاب والسنة ما يذم ذلك".

وقال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ[24]:

"أما جماعة الإخوان المسلمين فإن من أبرز مظاهر الدعوة عندهم التكتم والخفا والتلون والتقرب إلى مَن يظنون أنه سينفعهم، وعدم إظهار حقيقة أمرهم، يعني أنهم باطنية بنوعٍ من أنواعها. وحقيقة الأمر يخفى، مِنهم من خالط بعض العلماء والمشايخ زماناً طويلاً، وهو لا يعرف حقيقة أمرهم، يُظهر كلاماً ويُبطن غيره، لا يقول كلَّ ما عنده. ومن مظاهر الجماعة وأصولها أنهم يُغلقون عقول أتباعهم عن سماع القول الذي يخالف منهجهم، ولهم في هذا الإغلاق طرقٌ شتى متنوعة: منها إشغال وقت الشباب جميعه من صُبحه إلى ليله حتى لا يسمع قولاً آخر، ومنها أنهم يحذِّرون ممن ينقدهم، فإذا رأوا واحداً من الناس يعرف منهجهم وطريقتهم وبدأ في نقدهم وفي تحذير الشباب من الإنخراط في الحزبية البغيضة أخذوا يحذِّرون منه بطرق شتى تارةً باتهامه، وتارةً بالكذب عليه، وتارةً بقذفه في أمور هو منها براء ويَعلمون أن ذلك كذب، وتارةً يقفون منه على غلط فيُشنعون به عليه، ويضخِّمون ذلك حتى يصدُّوا الناس عن إتباع الحق والهُدى وهم في ذلك شبيهون بالمشركين يعني في خصلةٍ من خِصالهم حيث كانوا ينادون على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المجامع بأن هذا صابيء وأن هذا فيه كذا وفيه كذا حتى يصدُّوا الناس عن إتباعه. أيضاً مما يميِّز الإخوان عن غيرهم أنهم لا يحترمون السُنة ولا يحبون أهلها، وإن كانوا في الجملة لا يُظهرون ذلك، لكنهم في حقيقة الأمر ما يحبون السُنة ولا يَدعُون لأهلها وقد جربنا ذلك في بعض من كان منتمياً لهم أو يخالط بعضهم، فتجد أنه لَمَّا بدأ يقرأ كتب السُنة مثل صحيح البخاري أو الحضور عند بعض المشايخ لقراءة بعض الكتب، حذَّروه وقالوا هذا لا ينفعك، وش ينفعك صحيح البخاري؟ ماذا تنفعك هذه الأحاديث؟ إنظر إلى العلماء هؤلاء ما حالهم؟ هل نفعوا المسلمين؟ المسلمون في كذا وكذا، يعني أنهم لا يقرِّون فيما بينهم تدريس السُنة ولا محبة أهلها فضلاً عن أصل الأصول ألا وهو الاعتقاد بعامة. من مظاهرهم أيضاً أنهم يرومون الوصول إلى السُلطة وذلك بأنهم يتخذون من رؤوسهم أدوات يجعلونها تصل، وتارةً تكون تلك الرؤوس ثقافية، وتارةً تكون تلك الرؤوس تنظيمية، يعني أنهم يَبذلون أنفسهم ويُعينون بعضهم حتى يصل بطريقة أو بأخرى إلى السُلطة، وقد يكون مغفولاً عن ذلك، يعني إلى سُلطة جزئية، حتى ينفُذُون من خلالها إلى التأثير وهذا يتبع أن يكون هناك تحزب، يعني يقرِّبون مِنهم من في الجماعة، ويُبعِدون من لم يكن في الجماعة فيُقال: فلان ينبغي إبعاده، لا يمكّن من هذا، لا يمكّن من التدريس، لا يمكّن من أن يكون في هذا، لماذا ؟ والله هذا عليه ملاحظات! ما هي هذه الملاحظات؟ قال: ليس من الشباب! ليس من الإخوان ونحو ذلك. يعني: صار عندهم حب وبغض في الحزب أو في الجماعة، وهذا كما جاء في حديث الحارث الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من دعا بدعوى الجاهلية فإنه من جثاء جهنم، قال: وإن صلى وصام؟ قال: وإن صلى وصام، فادعوا بدعوة الله التي سماكم بها ربكم المسلمين والمؤمنين عباد الله. وهو حديث صحيح. كذلك ما جاء في الحديث المعروف أنه عليه الصلاة والسلام قال لمن انتخى بالمهاجرين وللآخر الذي انتخى بالأنصار قال: أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم! مع أنهما اسمان شرعيان، المهاجر والأنصاري، لكن لَمَّا كان هناك موالاة ومعاداة عليهما ونصرة في هذين الاسمين، وخرجت النصرة عن اسم الإسلام بعامة صارت دعوى الجاهلية، ففيهم من خِلال الجاهليةِ شيءٌ كثير، ولهذا ينبغي للشباب أن يُنبهوا على هذا الأمر بالطريقة الحُسنى المثلى حتى يكون هناك اهتداء إلى طريق أهل السنة والجماعة وإلى منهج السلف الصالح كما أمر الله جل وعلا بقوله: ادعُ إلى سَبيل ربِّك بالحِكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أَحسن. أيضاً من مظاهرهم بل مما يميزهم عن غيرهم أن الغاية عندهم من الدعوة هو الوصول إلى الدولة هذا أمر ظاهر بين في منهج الإخوان بل في دعوتهم. الغاية من دعوتهم هو الوصول إلى الدولة أما أن يُنجَّى الناس من عذابِ الله جل وعلا وأن تُبعث لهم الرحمة بهدايتهم إلى ما يُنجيهم من عذاب القبر وعذاب النار وما يدخلهم الجنة، فليس في ذلك عندهم كثير أمرٍ ولا كبير شأن، ولا يهتمون بذلك لأن الغاية عندهم هي إقامة الدولة ولهذا يقولون الكلام في الحكام يَجمع الناس، والكلام في أخطاء الناس ومعاصيهم يفرِّق الناس فابذلوا ما به تجتمع عليكم القلوب، وهذا لا شك أنه خطأ تأصيلي ونية فاسدة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن مسائل القبر ثلاث، يُسأل العبدُ عن ربه، وعن دينه، وعن نبيه صلى الله عليه وسلم فمن صحب أولئك زمناً طويلاً وهو لم يَعلم ما يُنجيه إذا اُدخل في القبر فهل نُصح له؟ وهل حُبَّ له الخير؟ إنما جُعل أولئك ليستفادَ منهم للغاية، ولو أحبوا المسلمين حق المحبة لبذلوا النصيحة فيما يُنجِّيهم من عذاب الله، علَّموهم التوحيد وهو أول مسؤول عنه".

وقال الشيخ عبدالله بن غديان[25]:

"البلاد هذي كانت ما تعرف إسم جماعات لكن وفد علينا ناس من الخارج. وكل ناس يؤسسون ما كان موجوداً في بلدهم. فعندنا مثلاً ما يسمونهم بجماعة الإخوان المسلمين، وعندنا مثلاً جماعة التبليغ، وفيه جماعات كثيرة، كل واحد يرأس له جماعة يريد أن الناس يتبعون هذه الجماعة، ويحرِّم ويمنع إتباع غير جماعته ويعتقد أن جماعته هي التي على الحق، وأن الجماعات الأخرى على ضلالة. فكم فيه حق في الدنيا؟ الحق واحد كما ذكرت لكم؛ أن الرسول صلى الله عليه وسلم بيَّن افتراق الأمم وأن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فِرقة، كُلها في النار إلا واحدة، قالوا من هي يا رسول الله قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي، كل جماعة تضع لها نظام، ويكون لها رئيس، وكل جماعة من هذه الجماعات يعملون بيعة، ويريدون الولاء لهم وهكذا، فيفرِّقون الناس، يعني البلد الواحدة، تجد أن أهلها يفترقون فِرق، وكل فِرقة تَنشأ بينها وبين الفِرقة الأخرى عداوة، فهل هذا من الدين؟ لا ليس هذا من الدين، لأن الدين واحد، والحق واحد، والأمة واحدة، الله جل وعلا يقول: كنتم خير أمة، ما قال كنتم أقساماً، لا قال:كنتم خير أمةٍ أُخرِجت للناس، و في الحقيقة إن الجماعات هذه جاءتنا وعملت حركات في البلد، حركات سيئة، لأنها تستقطب وبخاصة الشباب، لأنهم ما يبون (لا يريدون) الناس الكبار هذولا (هؤلاء) قضوا منهم مالهم فيهم شغل! لكن يجون (يأتون) أبناء المدارس في المتوسط وأبناء المدارس في الثانوي وأبناء المدارس في الجامعات وهكذا بالنظر للبنات أيضاً، فيه دعوة الآن لجماعة الإخوان المسلمين، وفيه دعوة لجماعة التبليغ حتى في مدارس البنات، فلماذا لا يكون الإنسان مع الرسول صلى الله عليه وسلم".

وسُئل الشيخ عبدالمحسن العباد[26] عن جماعتي التبليغ والإخوان المسلمين فقال:

"أولاً: هي محدثة، ميلادها في القرن الرابع عشر، وقبل القرن الرابع عشر ما كانت موجودة، وما كانت مولودة، هي في عالم الأموات، أما المنهج القويم، والصراط المستقيم، فميلاده وأصله من بعثة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من حين بعثته عليه الصلاة والسلام، فمن اقتدى بهذا الحق والهدى، فهو الذي سلم ونجى، ومن حاد عنه، فإنه منحرف، تلك الفرق، أو تلك الجماعات، من المعلوم أن عندها صواب وعندها خطأ، لكن أخطاؤها كبيرة، وعظيمة، فيحذر منها، ويحرص على اتباع الجماعة الذين هم أهل السنة والجماعة، والذين على منهج سلف الأمة، والذين التعويل عندهم على ما جاء عن الله وعن رسوله عليه الصلاة والسلام، وليس التعويل على أمور جاءت من عند فلان وفلان، وعلى طرق ومناهج أحدثت في القرن الرابع عشر الهجري، فإن تلك الجماعات أو الجماعتين اللتان أشير إليهما إنما وجدتا وولدتا في القرن الرابع عشر على هذا المنهج، وعلى هذه الطريقة المعروفة، التي هي الالتزام بما كانوا عليه مما أحدثه من أحدث تلك المناهج، وأوجد تلك المناهج، فالاعتماد ليس على أدلة الكتاب والسُنة، وإنما هو على آراء وأفكار ومناهج جديدة مُحدثة، يبنون عليها سَيرهم ومنهجهم، ومِن أوضح ما في ذلك أن الولاء والبراء عندهم إنما يكون لمن دخل معهم ومن كان معهم. فمثلاً جماعة الإخوان، من دخل معهم، فهو صاحبهم، يوالونه، ومن لم يكن معهم، فإنهم يكونون على خلافٍ معه، أما لو كان معهم - ولو كان من أخبث خلق الله، ولو كان من الرافضة - فإنه يكون أخاهم، ويكون صاحبهم، ولهذا من مناهجهم أنهم يجمعون من هبَّ ودب، حتى الرافضي الذي هو يُبغض الصحابة، ولا يأخذ بالحق الذي جاء عن الصحابة، إذا دخل معهم في جماعتهم، فهو صاحبهم، ويُعتبر واحدًا منهم، له ما لهم، وعليه ما عليهم".

وقال الشيخ ناصرالدين الألباني[27]:

"لا يوجد فرقة أو طائفة على وجه الأرض تنكر التمسك بالكتاب والسنة بل كل طائفة مهما كانت عريقة فى الضلال كالشيعة والخوارج مثلا هم يقولون نحن على الكتاب والسنة فضلاً عن حسن البنَّا وسيد قطب ومن سار وراءهما فهم أيضا يدَّعون التمسك بالكتاب وبالسنة. ولكن إلى اليوم، مع الأسف الشديد، كحزب معروف بحزب الإخوان المسلمين لا يعلنونها صريحة أنهم يتمسكون بالكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح وانما هم يكتفون بالدعوة إلى الاسلام كتاباً و سنة دعوة عامَّة، ولذلك فنحن قد عرفنا بالتجربة أن الإخوان المسلمين يسلكون الآن مسلك حسن البنَّا فى الدعوة إلى الاسلام ولو كانت مقرونة بالكتاب والسنة لكن دعوتهم عامَّة ليس فيها تفصيل حتى فيما يتعلق بالعقيدة، فهم لا يعلنون التمسك بعقيدة السلف الصالح تفصيلا، قد يقولونها كلمةً مجاملة لكن الذى نراه واقعا فى كثيرٍ من البلاد التى ينتشر فيها حزب الإخوان المسلمين أنهم يَقْنَعون من التمسك بالاسلام كلٌ حَسْبَ مذهبهِ ومشربهِ فالإخوان يجمعون بين السلفية والخلفية أى بين من قد ينتمى إلى السلف وبين من ينتمى إلى الخلف بل وقد يجمعون ويضمون إلى صفوفهم من قد يكون شيعى المذهب. وأنا أعرف بتجربتى الخاصة أن الإخوان المسلمين بِكَوْنِ دعوتهم دعوة عامة ليست مفصلة وليست على منهج السلف الصالح تجد الإخوان المسلمين فى بلد غير الإخوان المسلمين فى بلد آخر هم مسلمون إخوانيون لكن فقههم وعقيدتهم مختلفة جداً، الإخوان لا ينهجون منهجا فى تبنى الاسلام كلياً وإنما يَدْعون من يلتفون حولهم دعوة عامة وعلى قاعدة بدت لى تتلخص في (كتِّل ثم ثقِّف) ثم بعد ذلك لا ثقافة لأنهم يدعون الناس على حد التعبير فى بعض البلاد الشامية (كُلُّ مَنْ عَلَى دِينه الله يعينه)، وقد يلتقى مع هذا التعبير فقه منحرف قائم على حديث لا أصل له ألا و هو (إختلاف أمتى رحمة)، ولذلك بنوا على هذا القول كلمة لا أصل لها وهي (من قلد عالماً لقى الله سالماً). إن الإخوان المسلمين مع أن دعوتهم تنفع الشباب إلى حد ما ولكنهم لا يسلكون فى دعوتهم مسلك الدعوة على منهج السلف الصالح، هكذا خَطَّطَ لهم حسن البنَّا وعلى ذلك جرى أيضا سيد قطب ولكنى أعتقد أن سيد قطب فى آخر حياته وهو فى سجنه قد بَدَا منه تَحَوُّلٌ كبير جداً إلى بعض الأصول السلفية وإن كان فى كتبه القديمة الكثير من الأخطاء العلمية سواء ما بتعلق منها بالعقائد أو الأحكام، ولكنى أقول أنه فى السجن قد ظهر منه أنه لا يدعو إلى مثل هذا التكتل والتحزب الذى لا يقوم على التصفية والتربية". وقال أن أحد الإخوة في دمشق قدم باسمه طلباً للدخول في جماعة الإخوان المسلمين فرُفض طلبه لأنه "رجل وهابي"، وذكر أن السبب الحقيقي أنه إذا دخل في الجماعة واعتبر منهم سيصيب الجماعة إنقلاب فكري عظيم وخطير بالنسبة إليهم، وهم يريدون التكتل. وأضاف "أنا أقول كلمة حق، لا تجد في الإخوان المسلمين عالماً، لماذا؟ لأن هذا العالم سيدعو الناس إلى دعوة الحق، ودعوة الحق تفرق الصف، وهم يريدون أن يتكتلوا وأن يجتمعوا، والفرق بين دعوتنا ودعوة غيرنا، دعوتنا تقوم على أساس: فَقِّه ثم كتِّل، ودعوة غيرنا تقوم على أساس: كتِّل ثم فَقِّه، ثم لا ثقافة ولا شيء بعد ذلك".

وقال الشيخ ناصرالدين الألباني أيضاً في فتوى[28] أخرى

"ليس صوابًا أن يقال إن الإخوان المسلمين هم من أهل السُنة، لأنهم يحاربون السُنة"!!

وبتاريخ 25/10/2014 أوضح مفتي عام السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ[29] لدى سؤاله عن رأيه في جماعات "داعش" وجبهة النصرة وجماعة الإخوان المسلمين فقال:

"إذا نظرت النظرة الفاحصة وجدت أنها لا تمت إلى الإسلام بصلة، وأنهم تقمصوا الإسلام لآرائهم وأهوائهم وخداع الناس، وأنهم على ضلال، واستباحوا الدماء، وانتهكوا الأعراض، ونهبوا الأموال، وأفسدوا في الأرض، وسلبوا البلدان بلا حق، هذه كلها مناهج باطلة، وأن وراءها ما وراءها لا خير فيها، ولا نثق بها ولا بأهلها، ومن يدعو شبابنا إلى الانتظام مع هذه الفرق الضالة فقد أخطأ وضل سواء السبيل".

ولعل هذا الوصف البليغ من الشيخ محمد متولي الشعراوي - الذي كان سابقاً من جماعة الإخوان المسلمين المقربين عند حسن البنَّا - يوضح الحقيقة المؤسفة لتنظيم الإخوان بقوله[30]:

"هؤلاء ليسوا أنصار إسلام ولكنهم أعداء نظام.. آخر شيء في تفكيرهم هو الإسلام، ولكن لأن الحالة التي أصبحت موجودة في المنطقة حولنا وفي العالم الثالث عموماً من إنقلابات جعلت مسألة الحكم تصبح لدى البعض شهوة، ولأن هناك قيادات واضحة تعاديها الدول أصبحت هذه التيارات تخشى العمل بوضوح لأنها ضد نظام الدولة ويحاول عن طريقها الوصول إلى شهوته".

ويقول الشيخ محمد متولي الشعراوي رداً على سؤال: هل الخوف من الإخوان المسلمين مبرر؟[31]

"الخوف منهم ليس لكونهم يدعون إلى الله ولكن لأنهم يُريدون القفز على مقعد الحكم.. الخوف لأنهم يريدون أخذ الحكم من الآخرين وإنزالهم من على الكرسي هذا كل ما في الأمر. ولهذا أنا أطمئن الحكام عندما أقول لهم: انا لا أريد أن يكون الحكم بيدي. إحكموني أنتم وكل ما أتطلع إليه هو ألا يحولوا دوني ودون أن أقول كلمة الله".

ويقول أيضاً الشيخ محمد متولي الشعراوي[32]:

"الانتماء إلى حزب ديني أو ترشيح حزب ديني ليس من ركائز الإسلام، ولن ينقص إسلامي شيء إذا لم انتمِ إلى هذا الحزب أو أدعمه. أنا مسلم قبل أن أعرف الإخوان أو غيرهم، وأنا مسلم قبل أن يكونوا حزبا، وأنا مسلم بعد زوالهم، ولن يزول إسلامي بدونهم، لأننا كلنا مسلمون وليسوا هم وحدهم من أسلموا. إنني أرفض أن أرشح حزبا يستعطفني مستندا على وازعي الديني، قبل أن يخاطب عقلي. هو حزب سياسي وليس له علاقة بالدين وهو يمثل الفكر السياسي لأصحابه ولا يمثل المسلمين. لأنني أرفض أن يتم تلخيص ديني في صندوق إنتخاب، فديني هو صلة بيني وبين خالقي عز وجلّ. أتمنى أن يصل الدين إلى أهل السياسة، ولا يصل أهل الدين إلى السياسة، لأنكم إن كنتم أهل دين فلا جدارة لكم بالسياسة. وإن كنتم أهل سياسة، فمن حقي ألا أختاركم ولا جناح على ديني".

وعن حقيقة علاقة الشيخ محمد متولي الشعراوي بجماعة الإخوان المسلمين وأسباب تركه لهم، يقول[33]:

"في عام 1937 خرج الوفد من الحكم.. وأنا كنت "وفديًّا" كما سبق وقلت. وفي عام 1938 أردنا الاحتفال بذكرى سعد باشا.. لكنهم منعونا. فذهبت إلى النادي السعدي واحتفلنا هناك بهذه الذكرى. كنت أعتبر الاحتفال بذكرى سعد هو احتفال بذكرى وطنية. ووقفتُ في الاحتفال وألقيتُ قصيدة امتدحت فيها سعد باشا وكذلك النحاس باشا. وعلم الشيخ حسن البنا بخبر القصيدة التي ألقيتها في الاحتفال فغضب.. غضب لامتداحي النحاس باشا. وحدث بعد ذلك أن جلسنا في ليلة نتحدث.. وكنا مجموعة من الإخوان.. وكان الشيخ حسن البنا حاضرًا.. وعند الفجر تطرق بنا الحديث إلى "الزعماء السياسيين" وأيهم يجب أن نسانده ونقف معه. ولاحظت أن الحاضرين يتحاملون على النحاس باشا.. ويقولون بمهادنة صدقي باشا. فاعترضت على ذلك.. وقلت: إذا كان لمن ينتسبون إلى الدين أن يهادنوا أحد الزعماء السياسيين ولا يتحاملون عليه أو يهاجموه، فليس هناك سوى النحاس باشا.. لأنه رجل طيب.. تقي.. وورع.. ويعرف ربنا.. وإنني لا أرى داعيًا لأن نعاديه.. وهذه هي الحكمة. قلت هذا الكلام. ولكني فوجئت بأحد الحاضرين - ولا أريد أن أذكره – يقول: إن النحاس باشا هو عدونا الحقيقي.. هو أعدى أعدائنا.. لأنه زعيم الأغلبية.. وهذه الأغلبية هي التي تضايقنا في شعبيتنا.. أما غيره من الزعماء وبقية الأحزاب فنحن "نبصق" عليها جميعًا فتنطفئ وتنتهي! وأضاف الشيخ: كان هذا الكلام جديدًا ومفاجئًا لي.. ولم أكن أتوقعه.. وعرفت ليلتها "النوايا".. وأن المسألة ليست مسألة دعوة.. وجماعة دينية.. وإنما هي سياسية.. وأغلبية وأقلية.. وطموح للحكم. وفي تلك الليلة اتخذت قراري.. وهو الابتعاد. وقلت: "سلام عليكم".. ماليش دعوة بالكلام ده".

ويوجد أيضاً العديد من التحذيرات لكبار العلماء[34] من سيد قطب[35] وأفكاره وكتبه، قال الشيخ عبدالعزيز بن باز عنه: "كلامه في الاستواء يدل على أنه مسكين ضائع في التفسير، كلامه في الصحابة خبيث فيجب أن تمزق كتبه، استهزاؤه بالأنبياء ردة مستقلة". وقال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني عنه: "لم يكن على معرفة بالإسلام بأصوله وفروعه ومنحرف عن الإسلام"، وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين ‏عنه: "أخطأ من ينصح الشباب بقراءة كتب سيد قطب وحسن البنَّا، قال قولاً عظيماً مخالفاً لما عليه أهل السنة والجماعة، حيث أنه يقول بوحدة الوجود، تفسيره فيه طوام فلا ينصح بقرائته". وقال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان عنه: "لا يقال لهؤلاء الكتاب علماء وإنما مفكرون ولولا أن سيد قطب معذور بالجهل لكفرناه لكلامه الإلحادي". وقال الشيخ صالح اللحيدان عنه: "في كتاب الظلال والعدالة لسيد قطب ضلالات ظاهرة، كتبه مليئة بما يخالف العقيدة، فالرجل ليس من أهل العلم". وقال الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ عنه في جوابه عن السائل: ما رأيُكم في قول سيد قطب "وحين يركنُ معاوية وزميله عمرو إلى الكذب والغش والخديعة والنفاق والرشوة وشراء الذمم، لا يملك عليٌّ أن يتدلى إلى هذا الدرك الأسفل، فلاعجب أن ينجحان ويفشل، وإنه لَفَشل أعظم من كل نجاح" هل هذا الكلام من جملة سب الصحابة؟ فأجاب: "هذا كلامُ باطنيٍّ خبيث، أو يهوديٍّ لَعين، ما يتكلم بهذا مسلم، عمرو بن العاص شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، ومعاوية من فضلاء الصحابة، وقد رضي الله لهم الدين، وأهل وتقوى وصلاح، لا يشك مسلم فيهم، وما فعلوا شيئا يُعاب عليهم، وكلُّ ما قاله أولئك فمُجرَّد فرية وكذب وتضليل، وعياذا بالله، عنوانُ نفاق مِمّن قاله". وقال الشيخ حماد الأنصاري عن سيد قطب: "إن كان (سيد قطب) حياً فيجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل مرتداً". وقال الشيخ عبدالله الدويش عن قول له في كتابه الظلال: "هذا قول أهل الإلحاد الملاحدة الذين هم أكفر من اليهود والنصارى".

وقد إنتُقد سيد قطب[36] عموماً بسبب استخدامه عبارات أدبية وألفاظ مولدة في عرض مسائل العقيدة وأحكام الشريعة، كعبارة "التفت" في حق الله سبحانه وتعالى، و"الحقيقة الكبرى" على الله تعالى، وعبارات "لغة موسيقية وإيقاع موسيقي ومنظومة موسيقية وإيقاع فيه خشونة" في وصف القرآن العظيم، وعبارة "ضريبة اجتماعية" على الزكاة، وأُخذ عليه أيضاً الاستطراد في بحث بعض الموضوعات الخاصة المتعلقة بالدعوة والحركة الإخوانية والواقع المعاصر، وتكرار الحديث عن بعض الموضوعات الهامة وعدم إيراده لبعض الروايات المأثورة أحيانا وترجيحه بين الروايات وترك عزو الأحاديث إلى الكتب المعتمدة، وعدم إتباعه طريقة موحدة في تسجيل دلالات الدرس وحقائقه، وعدم إتباعه طريقة موحدة في تفسير غريب القرآن، واختياراته، وموقفه من خبر الآحاد والنسخ.

وقد كان موقف سيد قطب الفكري من بعض الصحابة الكرام رضي الله عنهم موقفاً سيئاً ونشر الكثير من أفكاره السلبية التي يتهجم بها عليهم وينتقص من قدرهم[37] وتناسى أنهم أصحاب رسول الله ﷺ! وطعن سيد قطب في الخليفة الراشد الشهيد المظلوم عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأقذع في طعنه فأسقط خلافته فقال[38]: "ونحن نميل إلى اعتبار خلافة علي امتداداً طبيعياً لخلافة الشيخين قبله، وأن عهد عثمان كان فجوة بينهما"[39]. وزعم أن التصور لحقيقة الحكم قد تغير شيئاً ما بدون شك على عهد عثمان، ثم قال: "ولقد كان من سوء الطالع أن تدرك الخلافة عثمان وهو شيخ كبير، ضعفت عزيمته عن عزائم الإسلام، وضعفت إرادته عن الصمود لكيد مروان وكيد أمية من ورائه"[40]. وقال في سياق نقده لعثمان رضي الله عنه: "فهم عثمان – يرحمه الله – أن كونه إماماً يمنحه حرية التصرف في مال المسلمين بالهبة والعطية، فكان رده في كثير من الأحيان على منتقديه في هذه السياسة: "وإلا؛ ففيم كنت إماماً؟"، كما يمنحه حرية أن يحمل بني معيط وبني أمية من قرابته على رقاب الناس وفيهم الحكم طريد رسول الله، لمجرد أن من حقه أن يكرم أهله ويبرهم ويرعاهم"[41]. وقال[42]: "منح عثمان من بيت المال زوج ابنته الحارث بن الحكم يوم عرسه مئتي ألف درهم، فلما أصبح الصباح؛ جاءه زيد بن أرقم خازن مال المسلمين، وقد بدا في وجهه الحزن، وترقرت في عينه الدموع، فسأله أن يعفيه من عمله، ولما علم منه السبب، وعرف أنه عطيته لصهره من مال المسلمين؛ قال مستغرباً: "أتبكي يا ابن أرقم أن وصلت رحمي؟!. فرد الرجل الذي يستشغر روح الإسلام المرهف: "لا يا أمير المؤمنين! ولكن أبكي لأني أظنك أخذت هذا المال عوضاً عما كنت أنفقته في سبيل الله في حياة رسول الله، والله؛ لو أعطيته مئة درهم لكان كثيراً!". فغضب عثمان على الرجل الذي لا يطيق ضميره هذه التوسعة من مال المسلمين على أقارب خليفة المسلمين، وقال له: "ألق بالمفاتيح يا ابن أرقم فإنا سنجد غيرك.

والأمثلة كثيرة في سيرة عثمان على هذه التوسعات (ثم ضرب بعض الأمثلة عليها)"[43]. وفيها افتراء على عثمان وطعن فيه وتعريض به بأنه لا يستشعر روح الإسلام، وبأنه يصر على الباطل، ولا تجدي فيه النصيحة!! واتهمه بإغداق الولايات على قرابته، فقال: "وغير المال! كانت الولايات تغدق على الولاة من قرابة عثمان، وفيهم معاوية[44]، الذي وسع عليه عثمان في الملك فضم إليه فلسطين وحمص، وجمع له قيادة الأجناد الأربعة، ومهد له بعد ذلك أن يطلب الملك في خلافة علي وقد جمع المال والأجناد، وفيهم الحكم بن العاص طريد رسول الله، وفيهم عبد الله بن سعد بن أبي السرح أخوه من الرضاعة... إلخ"[45]. وهذه تهم فظيعة ظالمة بحق صهر رسول الله ﷺ وأحد المبشرين بالجنة وثالث الخلفاء الراشدين!

واتهم سيد قطب عثمان بن عفان رضي الله عنه بالانحراف عن روح الإسلام، فقال: "ولقد كان الصحابة يرون هذا الانحراف عن روح الإسلام، فيتداعون إلى المدينة لإنقاذ الإسلام وإنقاذ الخليفة من المحنة، والخليفة في كبرته وهرمه لا يملك أمره من مروان، وأنه لمن الصعب أن نتهم روح الإسلام في نفس عثمان، ولكن من الصعب كذلك أن نعفيه من الخطأ الذي هو خطأ المصادفة السيئة في ولايته الخلافة وهو شيخ موهون تحيط به حاشية سوء من أمية"[46].

ويمدح سيد قطب "الثورة" على عثمان رضي الله عنه، ويرى أنها أقــرب إلى روح الإسلام من موقف عثمان أو من موقف عثمان ومن ورائه أمية[47]. ويدعي أن المصادفات السيئة قد ساقت إليه الخلافة متأخرة، فيقول: "واعتذارنا لعثمان رحمه الله أن المصادفات السيئة قد ساقت إليه الخلافة متأخرة، فكانت العصبة الأموية حوله، وهو يدلف إلى الثمانين، واهن القوة، ضعيف الشيخوخة، فكان موقفه كما وصفه صاحبه علي بن أبي طالب: "إني إن قعدت في بيتي؛ قال: تركتني وقرابتي وحُقي، وإن تكلمت فجاء ما يريد به مروان، فصار سيقة[48]  له يسوقه حيث شاء بعد كبر السن وصحبته لرسول الله  صلى الله عليه وسلم"[49]. وفي هذا الكلام سوء معتقد، واعتذار أقبح من فعل لحطه الشنيع على عثمان، واعتباره سيقه لمروان.

ويتهم سيد قطب الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه بأنه مكَّن للدولة الأموية في حياته، فيقول: "ولقد كان من جراء مباكرة الدين الناشئ بالتمكين منه للعصبة الأموية على يدي الخليفة الثالث في كبرته أن تقاليده العملية لم تتأصل على أسس من تعاليمه النظرية لفترة أطول وقد نشأ في عهد عثمان الطويل في الخلافة أن تنموا السلطة الأموية، ويستفحل أمرها في الشام وفي غير الشام، وأن تتضخم الثروات نتيجة لسياسة عثمان، وأن تخلخل الثورة على عثمان بناء الأمة الإسلامية في وقت مبكر شديد التبكير. ومع كل ما يحمله تاريخ هذه الفترة وأحداثها من أمجاد لهذا الدين تكشف عن نقلة بعيدة جداً في تصور الناس للحياة والحكم وحقوق الأمراء وحقوق الرعية؛ إلا أن الفتنة التي وقعت لا يمكن التقليل من خطرها وآثارها البعيدة المدى"[50]. وهذه الطعون الظالمة: تضخيم الثروات نتيجة لسياسة عثمان، وهذه جريمة كبرى في نظر الاشتراكيين، قد برأ الله عثمان منها. تخلخل بناء الأمة في وقت مبكر بسبب عثمان، وهذا إنما سببه بغي وبطر الثوار، ولقد أعيد بناء الأمة في عهد بني أمية على أروع ما يكون، رغم أنوف الحاقدين من الروافض وغيرهم.

واتهم سيد قطب عثمان رضي الله عنه بأنه مكَّن للمبادئ الأموية المجافية لروح الإسلام وذكر طعون شديدة أخرى... فيقول: "مضى عثمان إلى رحمة ربه، وقد خلف الدولة الأموية قائمة بالفعل بفضل ما مكن لها في الأرض، وبخاصة في الشام. ما مكن للمبادئ الأموية المجافية لروح الإسلام من إقامة الملك الوراثي. والاستئثار بالمغانم والأموال والمنافع. مما أحدث خلخلة في الروح الإسلامي العام، وليس بالقليل ما يشيع في نفس الرعية، إن حقاً وإن باطلاً. أن الخليفة يؤثر أهله ويمنحهم مئات الألوف. ويعزل أصحاب رسول الله ليولي أعداء رسول الله. ويبعد مثل أبي ذر: لأنه أنكر كنز الأموال. وأنكر الترف الذي يخب فيه الأثرياء. ودعا إلى مثل ما كان يدعو إليه الرسول  صلى الله عليه وسلم من الإنفاق في البر والتعفف. فإن النتيجة الطبيعية لشيوع مثل هذه الأفكار، إن حقاً وإن باطلاً أن تثور نفوس، وأن تنحل نفوس. تثور نفوس الذين أشربت أنفسهم روح الدين إنكاراً وتأثماً. وتنحل نفوس الذين لبسوا الإسلام رداء، ولم تخالط بشاشته قلوبهم، والذين تجرفهم مطامع الدنيا، ويرون الإنحدار مع التيار. وهذا كله في أواخر عهد عثمان..."[51].

وذكر سيد قطب عدة طعون في عثمان والصحابة وبني أمية رضي الله عنهم أجمعين بأنهم نفعيون وأن المصالح هي التي دفعتهم إلى الانحياز إلى معاوية. فيقول: "فلما أن جاء علي؛ لم يكن من اليسير أن يرد الأمر إلى نصابه في هوادة، وقد علم المستنفعون على عهد عثمان، وبخاصة من أمية، أن علياً لن يسكت عليهم، فانحازوا بطبيعتهم وبمصالحهم إلى معاوية[52]. وفي هذا الكلام أن الأمر قد خرج عن نصابه في عهد عثمان، وأن هناك في مجتمعه مستنفعون من الصحابة وغيرهم ومن بني أمية. "ولو قد جاء عليٌّ عقب عمر؛ ما كان لهم إلى هذا الانحياز من سبيل، فقوة معاوية يوم ذاك لم تكن تصمد لقوة الخلافة، ولا لقوة الروح الدينية في النفوس، وما كان معاوية ليخاطر بالخروج على الخليفة كما خرج؛ فإن ثلاثة عشر عاماً من حكم عثمان هي التي جعلت من معاوية معاوية، إذ جمعت له قوة المال وقوة الجند وقوة الدولة في الأقطار الأربعة بالشام"[53].

ويقول أيضاً: "إنها المحنة الحقة أن علياً لم يكن ثالث الخلفاء! جاء علي ليرد التصور الإسلامي للحكم إلى نفوس الحكام ونفوس الناس، جاء ليأكل الشعير تطحنه امرأته بيديها، ويختم هو على جراب الشعير، ويقول: "لا أحب أن يدخل بطني إلا ما أعلم"[54]. وفي هذا المقطع إسقاط لخلافة عثمان، واعتبارها محنة حَقة، وأن التصور الإسلامي للحكم قد فسد أو فقد، وجاء علي رضي الله عنه ليصلح ذلك التصور الذي فسد، أو ليرد ذلك التصور المفقود.

ويروي سيد قطب إفك الروافض على الخليفة الراشد علي رضي الله عنه وبرأه الله من إفكهم؛ ليطعن به في عثمان رضي الله عنه، فيقول: "ولقد كان منهاجه (أي: عليّ رضي الله عنه) الذي شرعه هو ما قاله في خطبته عقب البيعة له: "أيها الناس! إنما أنا رجل منكم، لي ما لكم، وعليَّ ما عليكم، وإني حاملكم على منهج نبيكم، ومنفذ فيكم ما أمرت به؛ ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال؛ فإن الحق لا يبطله شيء، ولو وجدته قد تزوج به النساء، وملك الإماء، وفرق في البلدان؛ لرددته؛ فإن في العدل لسعة، ومن ضاق عليه الحق؛ فالجور عليه أضيق"[55]. وفي هذا الكلام المفترى طعن في عثمان رضي الله عنه بأنه قد خرج عن منهاج رسول الله ﷺ، وإسقاط لخلافته، وأن تصرفاته باطلة تبعاً لخروجه عن منهاج رسول الله ﷺ وسقوط خلافته، وبرأ الله علياً من هذا الباطل والإفك.

وهناك الكثير من الطعن في المهاجرين والأنصار من أهل بدر وبيعة الرضوان وأهل الشورى؛ لأنهم هم الذين كان يفضلهم عمر وعثمان في العطـاء لفضلهم وسابقتهم؛ فهم الذين اعتادوا التفضيل. فقال سيد قطب: "ولقد كان من الطبيعي ألا يرضى المستنفعون عن علي رضي الله عنه، وألا يقنع بشرعة المساواة من اعتادوا التفضيل ومن مردوا على الاستئثار، فانحاز هؤلاء في النهاية إلى المعسكر الآخر، معسكر أمية، حيث يجدون فيه تمليقاً لأطماعهم، وتواطؤا على عناصر العدل والحق والضمير في السيرة وفي الحكم سواء"[56]. إن هؤلاء الشرفاء الذين يسميهم سيد قطب بالمستنفعين ويصفهم بأنه لا يقنعون بشرعة المساواة واعتادوا التفضيل ومردوا على الاستئثار... إلخ؛ هم أصحاب رسول الله ﷺ من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم، الذين كان يفضلهم عمر على غيرهم لسابقتهم بالإسلام وحسن بلائهم وجهادهم[57]، وسيد قطب لا يجهل هذا، ولكن أهل الحق والإنصاف والصدق لا يصدقون هذه الافتراءات على ذلك الجيل النزيه البرئ الذي يلطخه بهذه التهم، والتاريخ الواقعي لهذا الجيل النبيل يشهد بنزاهته وبراءته وبعده كل البعد عما يلصقه به من التهم.

ويوجد ليد قطب طعون في عثمان رضي الله عنه ترميه بأنه قد ذهبت روح الإسلام في عهده، وضعفت التقاليد الإسلامية، فجاء عليٌّ ليرد هذه الروح الذاهبة، وليعيد إلى التقاليد قوتها، ويجلو عن روح الإسلام الغاشية ثم يتناول معاوية، فيقول: "والذين يرون في معاوية دهاء وبراعة لا يرونها في علي رضي الله عنه، ويعزون إليهما غلبة معاوية في النهاية، إنما يخطئون تقدير الظروف كما يخطئون فهم علي وواجبه، لقد كان واجب علي الأول والأخير: أن يرد للتقاليد الإسلامية قوتها، وأن يرد إلى الدين روحه، وأن يجلوا الغاشية التي غشت هذا الروح على أيدي أمية في كبرة عثمان ووهنه، ولو جارى معاوية في إقصاء العنصر الأخلاقي من حسابه؛ لسقطت مهمته، ولما كان لظفره بالخلافة خالصة من قيمة في حياة هذا الدين؛ فما جدوى استبدال معاوية بمعاوية؟! إن علياً إما أن يكون علياً، أو فلتذهب الخلافة عنه، بل فلتذهب حياته معها، وهذا هو الفهم الصحيح الذي لم يغب عنه كرم الله وجهه وهو يقول: "والله مامعاوية بأدهى مني، ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر؛ لكنت من أدهى الناس"[58]. برأ الله علياً ومعاوية من هذا الباطل، ومتى كان الغدر والفجور إلا في عقول الروافض!

وذكر سيد قطب مذهب أبي بكر وعمر في قسمة الفيء، وأن أبا بكر كان يساوي في العطاء، وزعم أن عمر كان يفضل في العطاء، ثم ندم وعزم على المساواة، ثم قال بعد ذلك: "وا أسفاه! لقد فات الأوان، وسبقت الأيام عمر، ووقعت النتائج المؤلمة التي أودت بالتوازن في المجتمع الإسلامي، كما أدت فيما بعد إلى الفتنة، بما أضيف إليها من تصرف أمية وإقرار عثمان! رجع عمر إذن عن رأيه في التفرقة بين المسلمين في العطاء حينما رأى نتائجه السيئة إلى رأي أبي بكر، وكذلك جاء رأي علي مطابقاً لرأي الخليفة الأول، ونحن نميل إلى اعتبار خلافة علي امتداداً طبيعياً لخلافة الشيخين قبله، وأن عهد عثمان كان فجوة بينهما". وفي هذا الكلام طعن من منطلق اشتراكي يتباكى فيه سيد قطب على التوازن الذي خيل إليه الشيطان أن تصرف عثمان قد أودى به، ومن منطلق شيعي دفعه إلى إسقاط خلافة عثمان.

وطعن سيد قطب في عثمان رضي الله عنه عدة طعنات لا يحتملها مسلم، ثم واصل طعنه في قريش في ذلك العهد، ووصفه للمجتمع الإسلامي في عهد عثمان بأنه قد ساده الإقطاع؛ فقال: "وجاء عثمان، فلم ير أن يأخذ بالعزيمتين أو إحداهما: ترك الفضول لأصحابها فلم يردها. وترك الأعطيات كذلك على تفاوتها. ولكن هذا لم يكن كل ما كان. بل وسع أولاً على الناس في العطاء، فازداد الغنى غنىً، وربما تبحبح الفقير قليلاً. ثم جعل يمنح المنح الضخمة لمن لا تنقصهم الثروة. ثم أباح لقريش أن تضرب في الأرض تتاجر بأموالهم المكدسة فتزيدها أضعافاً مضاعفة. ثم أباح للأثرياء أن يقتنوا الضياع والدور في السواد وغير السواد. فإذا عهد من عهود الإقطاع يسود المجتمع الإسلامي في نهاية عهده يرحمه الله"[59]. وهكذا يوجه سيد قطب الطعنات النجلاء لعثمان وقريش ولسادة المهاجرين والأنصار وعهد خير القرون، فيشبه مجتمعهم – بعد تلك الطعنات – بأشد مجتمعات أوربا النصرانية ظلمة وظلاماً، ويطلق على ذلك المجتمع النبوي الذي لم يعرف التاريخ له نظيراً في العفة والطهارة والنقاء والتضحيات بالمال والنفس عبارات الشيوعيين والاشتراكيين الضالين!!!

وادعى سيد قطب أن أبا بكر وعمر كانا يتشددان في إمساك الجماعة من رؤوس قريش بالمدينة، لا يدعونهم يضربون في الأرض المفتوحة؛ احتياطاً أن تمتد أبصار هؤلاء الرؤوس إلى المال والسلطان حين يجتمع إليهم الأنصار بحكم قرابتهم من رسول الله ﷺ أو بحكم بلائهم وسابقتهم في الجهاد، فيقول: "... فلما جاء عثمان؛ أباح لهم أن يضربوا في الأرض. ولم يبح لهم هذا وحده، بل يسر لهم وحضهم على توظيف أموالهم في الدور والضياع في الأقاليم. بعدما آتى بعضهم من الهبات مئات الآلاف. لقد كان ذلك كله براً ورحمة للمسلمين، وبكبارهم خاصة، ولكنه أنشأ شراً عظيماً لم يكن خافياً على فطنة أبي بكر وفطنة عمر بعده، أنشأ الفوارق المالية والاجتماعية الضخمة في الجماعة الإسلامية. كما أنشأ طبقة أرستقراطية فارغة، تأتيها أرزاقها من كل مكان، دون كد ولا تعب. فكان الترف الذي حاربه الإسلام بنصوصه وتوجيهاته كما حاربه الخليفتان قبل عثمان"[60]. وهكذا يوجه سيد قطب هذه الطعنات الظالمة والاتهامات الآثمة إلى أصحاب رسول الله  ﷺ بغير حجة ولا برهان ولا هدى ولا عِلم، ولا مصدر لهذه الاتهامات والطعون إلا خيالاته الناشئة عن عقيدته الاشتراكية المتطرفة، وإلا السموم التي ارتواها من مصادر الرفض وتعاليم الاشتراكيين.

وقال سيد قطب: "عندئذ سار الروح الإسلامي في نفوس بعض الناس، يمثلهم أشدهم حرارة وثورة، أبوذر، ذلك الصحابي الجليل، الذي لم تجد هيئة الفتوى المصرية في الزمن الأخير إلا أن تخطئه في اتجاهه، وإلا أن تزعم لنفسها بصراً بالدين أكثر من بصره بدينه"[61]. وفي هذا الكلام مدح للمتمردين على هذا الخليفة الراشد رضي الله عنه، وطعن في أبي ذر رضي الله عنه من حيث يظن أن يمدحه؛ فإن أبا ذر رضي الله عنه كان من ألزم الناس للطاعة والجماعة، وأبعد الناس عن الخوارج وثورتهم، لكن سيد قطب يحاول أن يربط بينه وبين الثورة والثوار، مع أنه قد ربط بين الثورة وبين ابن سبأ اليهودي، حيث قال بعد مدح تلك الثورة: "وذلك دون إغفال لما كان وراءها من كيد اليهودي ابن سبأ عليه لعنة الله"[62]. فثورة هذا حالها؛ كيف تمدح؟! وكيف يكون ممثلها أبوذر الصحابي الجليل رضي الله عنه وبرأه؟! وقد بينت براءته في بحث فيه دفاع عن الصحابة رضي الله عنهم كما بينه غيري.

وفي سياقه للثورات، ومنها ثورة القرامطة، مساق الاعتزاز والتباهي؛ يقول: "والواقع أن اتهام النظام الإسلامي بأن لا يحمل ضماناته إغفال للممكنات الواقعة في كل نظام، كما أن فيه إغفالاً لحقائق التاريخ الإسلامي الذي شهد الثورة الكبرى على عثمان، وشهد ثورة الحجاز على يزيد، كما شهد ثورة القرامطة وسواها ضد الاستغلال والسلطة الجائرة وفوارق الطبقات، ومايزال الروح الإسلامي يصارع ضد هذه الاعتبارات جميعاً على الرغم من الضربات القاصمة التي وجهت إليه من ثلاث مئة وألف عام"[63]. وإذا كان سيد يرى ثورة القرامطة من الثورات التي تمثل في صراعها الروح الإسلامي؛ فلا يستغرب منه أن يتباهى بثورات الخوارج والروافض والزنج وأمثالها، ويعتبرها ثورات تنطلق من الروح الإسلامي، ثائرة ضد الاستغلال وفوارق الطبقات، وهذا والله يثير استفهامات كثيرة.

وقد وصف سيد قطب الصحابة والمجتمع الإسلامي المجاهد في عهد عثمان الزاهر بالترف الذي لا يعرفه الإسلام، مع الطعن في عثمان رضي الله عنه فقال: "قام أبو ذر ينكر على المترفين ترفهم الذي لا يعرفه الإسلام، وينكر على معاوية وأمية خاصة سياستهم التي تقر هذا الترف وتستزيد منه وتتمرغ فيه، وينكر على عثمان نفسه أن يهب من بيت المال المئات والألوف، فيزيد في ثراء المثرين وترف المترفين، علم أن عثمان أعطى مروان بن الحكم خمس خراج إفريقية والحارث بن الحكم مئتي ألف درهم وزيد بن ثابت مئة ألف... وما كان ضمير أبي ذر ليطيق شيئاً من هذا كله، فانطلق يخطب في الناس: "لقد حدثت أعمال ما أعرفها والله، ماهي في كتاب الله ولا سنة نبيه، والله؛ إني لا أرى حقاً يطفأ، وباطلاً يحيا، وصادقاً مكذباً، وأثرة بغير تقى... اتخذتم ستور الحرير، ونضائد الديباج، وتألمتم الأضطجاع على الصوف الأذربي، وكان رسول الله ينام على الحصير، واختلف عليكم بألوان الطعام، وكان رسول الله لايشبع من خبز الشعير"[64]. وهذه تهم ظالمة يوجهها سيد قطب إلى عثمان رضي الله عنه، وطعن وتشويه لخير أمة أخرجت للناس، ونقل للأكاذيب والافتراءات التي يسندها الروافض إلى أبي ذر رضي الله عنه بدافع الأغراض والأهواء والأحقاد على أصحاب رسول الله  ﷺ.

ومن طعون سيد قطب في عثمان رضي الله عنه؛ منها: تحطم الأسس التي جاء بها الإسلام في عهده، فقال: "وما كانت مثل هذه الدعوة  ليطيقها معاوية، ولا ليطيقهـا مروان بن الحكم؛ فما زالا به عند عثمان يحرضانه عليه، حتى كان مصيره إلى الربذة، منفياً من الأرض في غير حرب لله ولرسوله، وفي غير سعي في الأرض بالفساد؛ كما تقول شريعة الإسلام، ولقد كانت هذه الصيحة يقظة ضمير لم تخدره الأطماع أمام تضخم فاحش في الثروات يفرق الجماعة الإسلامية طبقات، ويحطم الأسس التي جاء بها هذا الدين ليقيمها بين الناس"[65]. وهل يطيق مسلم سماع هذا البهت والإفتراء على أصحاب رسول الله ﷺ؟! وهل يجرؤ على هذا مسلم في قلبه ذرة من الاحترام لمن أثنى الله عليهم ورسوله في القرآن والسنة، ووصفوا بأنهم خير أمة أخرجت للناس، والذين فتحوا الدنيا، وأخرج الله بهم الأمم من الظلمات إلى النور؟!.

وهكذا يطعن سيد قطب في أصحاب رسول الله  ﷺ، ويشوه سمعتهم، ويدعي ظلماً وزوراً أن أسس الإسلام قد تحطمت في عهدهم. أأئمة الرفض والزندقة هم الذين يقيمون أسس هذا الدين وينافحون عنه؟! ألا ساء ما يحكمون.

ونقل سيد قطب أيضاً طعن المسعودي الشيعي الحاقد في أصحاب رسول الله ﷺ. فقال محتجاً به: "وبحسبنا أن نعرض نموذجاً للثروات الضخام أورده المسعودي؛ قال: "في أيام عثمان اقتنى الصحابة الضياع والمال: فكان لعثمان يوم قتل عند خازنه خمسون ومئة ألف دينار وألف ألف درهم، وقيمة ضياعه بوادي القرى وحنين وغيرهما مئة ألف دينار، وخلف إبلاً وخيلاً كثيرة. وبلغ الثمن الواحد من متروك الزبير بعد وفاته خمسين الف دينار، وخلف ألف فرس وألف أمة. وكانت غلة طلحة من العراق ألف دينار كل يوم، ومن ناحية السراة أكثر من ذلك. وكان في مربط عبد الرحمن بن عوف ألف فرس، وله ألف بعير، وعشرة آلاف من الغنم، وبلغ الربع من متروكه بعد وفاته أربعة وثمانين ألفا. وخلف زيد بن ثابت من الذهب والفضة ماكان يكسر بالفؤوس غير ما خلف من الأموال والضياع. وبنى الزبير داره بالبصرة، وبنى أيضاً بمصر والكوفة والإسكندرية. وكذلك بنى طلحة داره بالكوفة، وشيد داره بالمدينة، وبناها بالجص والآجر والساج. وبنى سعد بن أبي وقاص داره بالعقيق، ورفع سمكها، وأوسع فضاءها، وجعل على أعلاها شرفات. وبنى المقداد داره بالمدينة، وجعلها مجصصة الظاهر والباطن. وخلف يعلى بن منبه خمسين ألف دينار وعقاراً وغير ذلك ما قيمته ثلاث مئة ألف درهم"[66]. لكن برجوع القارئ إلى كتاب المسعودي يدرك أنه ساق هذا الهراء للطعن في هؤلاء الصحابة الكبار رضي الله عنهم. ويدرك القارئ أن مراد سيد بالإقطاعيين والمترفين الذين يخبون في الترف وبالأرستقراطيين هم هؤلاء الصحابة النجباء، الذين جعلهم نموذجاً لفساد الأوضاع وترديها في عهد عثمان!

وقال سيد قطب معلقاً على كلام المسعودي: "هذا هو الثراء الذي بدأ صغيراً بإيثار بعض المسلمين على بعض في العطاء في أيام عمر، ذلك الإيثار الذي كان معتزماً إبطاله وتلافي آثاره، لولا أن عاجلته الطعنة التي لم تصب قلب عمر وحده، وإنما أصابت قلب الإسلام. ثم ازداد: بإبقاء عثمان عليه، فضلاً عن العطايا والهبات والقطائع. ثم فشا فشواً ذريعاً بتجميع الأملاك والضياع وموارد الاستغلال. بما أباحه عثمان من شراء الأرضين في الأقاليم وتضخيم الملكيات في رقعة واسعة. وبمقاومة الصيحة الخالصة العميقة التي انبعثت من قلب أبي ذر، وكانت جديرة لو بلغت غايتها، ولو وجدت من الإمام استماعاً لها؛ أن تعدل الأوضاع، وأن تحقق ما أراده عمر في أواخر أيامه من رد فضول الأغنياء على الفقراء بما يبيحه له سلطان الإمامة لدفع الضرر عن الأمة، بل بما يحتمه عليه تحقيقاً لمصلحة الجماعة. وبقدر ما تكدست الثروات وتضخمت في جانب؛ كان الفقر والبؤس في الجانب الآخر حتماً، وكانت النقمة والسخط كذلك. وما لبث هذا كله أن تجمع وتضخم لينبعث فتنة هائجة يستغلها أعداء الإسلام، فتودي في النهاية بعثمان وتودي معه بأمن الأمة الإسلامية وسلامتها وتسلمها إلى اضطراب وفوران لم يخبُ أواره حتى كان قد غشي بدخانه روح الإسلام وأسلم الأمة إلى ملك عضوض. لذلك لم يكن غريباً أن يغضب أصحاب رؤوس الأموال والمستنفعون من تفاوت الحظوظ في العطاء على سياسة المساواة والعدالة التي اعتزمها عليٌّ بعد عثمان، وأن يتظاهروا بأنهم إنما ينصحون بالعدول عن هذه السياسة خوفاً من الانتقاض، فما كان جوابه إلا أن يستلهم روح الإسلام في ضميره القوي، فيقول: أتأمرونني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه؟ لو كان هذا المال لي؛ لسويت بينهم؛ فكيف وإنما المال مال الله؟! ألا وإن إعطاء المال في غير حقه تبذير وإسراف، وهو يرفع صاحبه في الدنيا ويضعه في الآخرة"[67]. وهكذا يصور سيد قطب الأوضاع في عهد عثمان رضي الله عنه، مثل أحلك عصور أوروبا المظلمة التي ساد فيها الإقطاع والظلم والاستبداد من جهة، واشتد الفقر والذل والضياع من جهة أخرى؛ فهناك طبقة إقطاعية تستأثر بالأموال والأرضين، وطبقة فقيرة تعاني من البؤس والشقاء ما يندى له جبين الإنسانية، فكانت النتيجة في عهد عثمان رضي الله عنه أن ثار المحرومون والكادحون على عثمان والإقطاعيين، مثل ما حصل في أوروبا من الثورات التي قام بها الفقراء والكادحون والمحرومون من تلاميذ ماركس وأمثاله من الشيوعيين!

والذي يعرف التاريخ الإسلامي وتاريخ الذين ثاروا على عثمان رضي الله عنه يدرك تماماً أن ما يقوله سيد قطب هو من نسج خياله وأوهامه الاشتراكية، ويدرك أن الذين ثاروا عليه ليسوا من الفقراء والمحرومين، فليس هناك في ذلك العهد الذي كان يتمتع المسلمين جميعاً بنوع من الرخاء الشامل والحمد لله فقراء وبؤساء، وليس فيه إقطاعيون، وإنما كان الثائرون من أهل البطر والأشر والبغي والحسد، ومن طلاب الفتن والطموح إلى الملك. والذي يدقق النظر في أفكار سيد قطب وأساليبه ويعرف مذهبه؛ يدرك أنه ناقم حتى على عمر؛ لأنه كان يفضل في العطاء طول حياته، وهذا التفضيل جور في نظر سيد سنه عمر، وإنما يترك الطعن في عمر تقية من جهة، وتمشية لمذهبه الاشتراكي من جهة أخرى. والذي يمعن في فهم كلام سيد قطب يدرك أنه يوجب على الحكام ابتزاز أموال الأمة وتوزيعها على الطريقة الاشتراكية الماركسية.

ويُعتَبر حكم بني أمية كارثة قصمت ظهر الإسلام برأي سيد قطب فيقول: "لقد اتسعت رقعة الإسلام في عهدهم، ولكن روحه انحسرت بلا جدال، وما قيمة الرقعة إذا انحسرت الروح، ولولا قوة كامنة في طبيعة هذا الدين، وفيض عارم في طاقته الروحية؛ لكانت أيام أمية كفيلة بالقضاء عليه القضاء الأخير، ولكن روحه ظلت تقاوم وتغالب، وما تزال فيه الطاقة الكامنة للغلب والانتصار.. لعل هذه القوة الكامنة والفيض العارم والطاقة الروحية كانت تكمن وتتفاعل في نفوس الروافض والخوارج أشد الناس عداء لبني أمية وأشدهم تنكُّراً وجحوداً لجهود بني أمية في الفتوحات ونشر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، التي يصدق عليها قول رسول الله  صلى الله عليه وسلم: "إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض..."[68].

فهذه الفتوحات في عهد بني أمية يعتبرها رسول الله  ﷺ من أعظم نعم الله عليه وعلى أمته.

لكن سيد قطب لا يرى أي قيمة لهذه النعمة العظيمة التي أشاد بها رسول الله  ﷺ، وكفى بذلك مصادمةً!! ثم إن هذا العهد هو عهد خير القرون، التي أثنى عليها رسول الله  ﷺ، وشهد لها الواقع التاريخي، وشهد لها علماء الإسلام. وقال سيد قطب: "وإذا كنا لا نؤرخ هنا للدولة الإسلامية، ولكن للروح الإسلامي في الحكم؛ نكتفي في إبراز مظاهر التحول والانحسار في هذا الروح بإثبات ثلاث خطب". فساق خطبتين يزعم أنهما لمعاوية، وخطبة واحدة يزعم أنها للمنصور العباسي، ثم علق عليها بقوله: "وبذلك خرجت سياسة الحكم نهائياً عن دائرة الإسلام وتعاليم الإسلام، فأما سياسة المال؛ فكانت تبعاً لسياسة الحكم"[69]. ثم دندن سيد قطب حول سياسة المال، فقال: "وخرج الحكام بذلك نهائياً من كل حدود الإسلام في المال"[70].

ومن يعرف منهج سيد قطب في التكفير لا يستعبد أنه يكفر الدولة الأموية والعباسية ويبغضهما أشد البغض، على غرار كره الروافض والخوارج، وعلى خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة. ثم إنا لا نراه يتحدث عن أبي مسلم الخراساني، ولا عن دولة الفاطميين ولا غيرها من دول الرفض والباطنية!. فما هو السر ياترى؟!

وفي طعونه في معاوية وعمرو ومن في عهدهما وغلوه في علي رضي الله عنه، قال سيد قطب[71]: "إن معاوية وزميله عمراً لم يغلبا علياً لأنهما أعرف منه بدخائل النفوس، وأخبر منه بالتصرف النافع في الظرف المناسب. ولكن لأنهما طليقان في استخدام كل سلاح، وهو مقيد بأخلاقه في اختيار وسائل الصراع. وحين يركن معاوية وزميله إلى الكذب والغش والخديعة والنفاق والرشوة وشراء الذمم لا يملك على أن يتدلى إلى هذا الدرك الأسفل. فلا عجب ينجحان ويفشل، وإنه لفشل أشرف من كل نجاح. على أن غلبة معاوية على علي، كانت لأسباب أكبر من الرجلين: كانت غلبة جيل على جيل، وعصر على عصر، واتجاه على اتجاه. كان مد الروح الإسلامي العالي قد أخذ ينحسر. وارتد الكثيرون من العرب إلى المنحدر الذي رفعهم منه الإسلام، بينما بقي علي في القمة لا يتبع هذا الانحسار، ولا يرضى بأن يجرفه التيار. من هنا كانت هزيمته، وهي هزيمة أشرف من كل انتصار. وهنا نصل إلى الملاحظة الرابعة. إذ نرى المؤلف يهش لروح النفعية في السياسة، ويشيد بأصحابها، ولا يعترف بغير النجاح العملي، ولو على أشلاء المثل العليا والأخلاق". ثم واصل كلامه إلى أن قال: "لقد كان انتصار معاوية هو أكبر كارثة دهمت روح الإسلام التي لم تتمكن بعد من النفوس. ولو قد قدر لعلي أن ينتصر لكان انتصاره فوزاً لروح الإسلام الحقيقية: الروح الخلقية العادلة المترفعة التي لاتستخدم الأسلحة القذرة في النضال. ولكن انهزام هذه الروح ولما يمض عليها نصف قرن كامل، وقد قضى عليها فلم تقم لها قائمة بعد – إلا سنوات على يد عمر بن عبد العزيز – ثم انطفأ ذلك السراج، وبقيت الشكليات الظاهرية من روح الإسلام الحقيقية. لقد تكون رقعة الإسلام قد امتدت على يدي معاوية ومن جاء بعده. ولكن روح الإسلام قد تقلصت، وهزمت، بل انطفأت. فأن يهش إنسان لهزيمة الروح الإسلامية الحقيقية في مهدها، وانطفاء شعلتها بقيام ذلك الملك العضوض… فتلك غلطة نفسية وخلقية لا شك فيها. على أننا لسنا في حاجة يوماً من الأيام أن ندعو الناس إلى خطة معاوية. فهي جزء من طبائع الناس عامة. إنما نحن في حاجة لأن ندعوهم إلى خطة علي، فهي التي تحتاج إلى ارتفاع نفسي يجهد الكثيرين أن ينالوه. وإذا احتاج جيل لأن يدعى إلى خطة معاوية، فلن يكون هذا الجيل الحاضر على وجه العموم. فروح "مكيافيلي" التي سيطرت على معاوية قبل مكيافيلي بقرون، هي التي تسيطر على أهل هذا الجيل، وهم أخبر بها من أن يدعوهم أحد إليها! لأنها روح "النفعية" التي تظلل الأفراد والجماعات والأمم والحكومات! وبعد فلست شيعياً لأقرر هذا الذي أقول. إنما أنا أنظر إلى المسألة من جانبها الروحي والخلقي، ولن يحتاج الإنسان أن يكون شيعياً لينتصر للخلق الفاضل المترفع عن "الوصولية" الهابطة المتدنية، ولينتصر لعلي على معاوية وعمرو. إنما ذلك انتصار للترفع والنظافة والاستقامة". ويريد سيد قطب بعد هذه الطعون التي يخجل منها بل ويحرمها كثير من الشيعة أن يتخلص من تهمة التشيع ولكن من يحترم أصحاب محمد  ﷺ يحكم بالرفض الخبيث على من انتقص واحداً من أصحاب محمد  ﷺ فكيف وهو يحكم على الكثير من أصحاب محمد  ﷺ والتابعين رضي الله عنهم بأنهم قد ارتدوا إلى المنحدر الذي انتشلهم منه الإسلام.

وعندما نشر سيد قطب تكفيره للصحابة وتطاوله عليهم في كتبه، أنكر عليه ذلك الإفتراء الشيخ محمود محمد شاكر شقيق العلامة المحدث أحمد شاكر وكتب مقالة بعنوان (لا تسبوا أصحابي) المنشورة في مجلة (المسلمون) العدد الثالث سنة 1952 وقال فيها[72]:

"حسبُ امرئٍ مسلم لله أن يبلغَه قول رسولِ الله صلى الله عليه و سلم:” لا تسبُّوا أصحابي! لا تسبُّوا أصحابي! فو الذي نفسي بيده لو أنَّ أحدَكم أنفقَ مثل أحُد ذهبًا ما أدركَ مُدّ أحدِهم ولا نصيفه"، حتى يخشعَ لربِّ العالمين، ويسمعَ لنبيِّ الله ويُطيعُ، فكيف غَرْب لسانه وضراوةِ فكرِه عن أصحابِ محمّد صلى الله عليه وسلم، ثم يعلم علماً لا يشوبُه شكٌّ ولا ريبةٌ، أنْ لا سبيلَ لأحدٍ من أهل الأرض، ماضيهِم وحاضرِهم، أن يلحقَ أقلَّ أصحابِه درجةً، مهما جهد في عبادتِه، ومهما تورّعَ في دينِه، ومهما أخلص قلبه من خواطر السوء في سرّه وعلانيته. ومن أين يشكُّ وكيف يطمعُ، ورسول الله لا ينطِقُ عن هوىً، ولا يُداهنُ في دين، ولا يأمرُ الناسَ بما يعلم أنّ الحقَّ على خلافِه، ولا يُحدّثُ بخيرٍ، ولا ينعتُ أحداً بصفة، إلا بما علمه ربُّه وبما نبأه؟ وربّه الذي يقول له ولأصحابه: "والذي جاءَ بالصِّدق وصَدّقَ به أولئِكَ هم المتَّقُون * لهم ما يَشاءونَ عند ربِّهِم ذلك جَزاءُ المُحسنين * لِيُكَفِّرَ اللهُ عنهم أسوأَ الذي عمِلُوا و يجزِيَهم أجرَهُم بأحسنِ الذي كانوا يعمَلُون"- الزمر.

ثم يُبين صلى الله عليه وسلم عن كتابِ ربّه فيقول: "خيرُ الناس قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قومٌ تسبق شهادة أحدهم يمينه، و يمينه شهادته". ثم يزيدُ الأمرَ بياناً صلى الله عليه وسلم، فيدلّ المؤمنين على المنزلة التي أنزلَها اللهُ أصحابَ محمد رسول الله، فيقول: "يأتي على الناس زمانٌ، فيغزو فِئَامٌ من الناس فقولون: فيكم مَن صاحبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم! فيُفتح لهم. ثم يأتي على الناس زمانٌ فيغزو فئامٌ من الناس فيُقال: هل فيكم من صاحبَ أصحابَ رسول الله؟ فيقولون: نعم! فيُفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان، فيغزوا فئام من الناس، فيقال: هل فيكم من صاحبَ من صاحبَ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم! فيُفتَح لهم". فإذا كان هذا مبلغ صحبة رسول الله، فأيّ مسلم يطيق بعد هذا أن يبسطَ لسانَه في أحدٍ من صحابة محمد رسول الله؟ وبأيّ لسانٍ يعتذر يوم يخاصِمونَه بين يدي ربهم؟ وما يقول وقد قامت عليه الحجة من كتاب الله ومن خبر نبيه؟! وأين يفرّ امرؤٌ من عذاب ربه؟! وليس معنى هذا أنّ أصحابَ محمد رسول الله معصومون عصمة الأنبياء، ولا أنهم لم يُخْطِئوا قط ولم يُسيئوا، فهم لم يدّعوا هذا، وليس يدّعيه أحدٌ لهم، فهم يخطئون ويصيبون، ولكنّ الله فضّلهم بصحبةِ رسوله، فتأدّبُوا بما أدّبهم به، وحرصوا على أن يأتوا من الحق ما استطاعوا، وذلك حَسْبُهُم، وهو الذي أمِروا به، وكانوا بعدُ توّابين أوابين كما وصفهم في محكم كتابه. فإذا أخطأَ أحدُهم، فليس يحل لهم، ولا لأحدٍ من بعدهم، أن يجعلَ الخطأَ ذريعةً إلى سبِّهم والطّعن عليهم. هذا مجمل ما أدّبنا به اللهُ ورسولُه. بَيْدَ أنّ هذا المجمل أصبح مجهولاً مطروحًا عند أكثر من يتصدّى لكتابة تاريخ الإسلام من أهل زماننا، فإذا قرأَ أحدُهم شيئًا فيه مطعنٌ على رجلٍ من أصحاب رسول الله سارع إلى التوغل في الطعن والسب، بلا تقوى ولا ورع. كلا، بل تراهم ينسوْن كلَّ ما تقضي به الفطرة من التثبّت من الأخبار المروية، على كثرة ما يحيط بها من الريب والشكوك، ومن العِلل الدافعة إلى وضعِ الأحاديث المكذوبة على هؤلاء الصحابة.

ولن أضرب المثل بما يكتبُه المستشرقون ومن لفّ لفّهم فهم كما نعلم. ولا بأهل الزيغ والضلال والضغينة على أهل الإسلام، كصاحب كتاب الفتنة الكبرى وأشباهه من المؤلّفين. بل سآتيك بالمثل من كلام بعض المتحمِّسين لدينِ ربهم، المعلنين بالذب عنه والجهاد في سبيله. لتعلمَ أنّ أخلاقَ المسلم هي الأصل في تفكيره وفي مناهجه وفي علمه، وأن سمةَ الحضارة الوثنية الأوروبية، تنفجر أحيانا في قلب من لم يحذر ولم يتق، بكل ضغائنِ القرن العشرين، وبأسوأ سخائم هذه الحضارة المتعدّية لحدود الله التي كتب على عباده – مسلمهم وكفارهم – أن لا يتعداها. أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم: أبو سفيان بن حرب، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، وهند بنت عتبة بن ربيعة- أم معاوية. رضي الله عنهم كيف يتكلّم أحدُ الناس عنهم؟[73]

1- “فلما جاء معاوية، وصَيَّرَ الخلافة الإسلامية ملكاً عضوضاً؛ في بني أمية؛ لم يكن ذلك من وحي الإسلام، إنما من وَحْي الجاهلية” ولم يكتفِ بهذا بل شملَ بني أميّة جميعاً فقال:” فأمية بصفة عامة لم يعمر الإيمانُ قلوبَها، وما كان الإسلام لها إلا رداء تخلعه وتلبَسُه حسب المصالح والملابسات”.

2- ثم يذكر يزيد بن معاوية بأسوأ الذّكر، ثم يقول: “وهذا هو “الخليفة” الذي يفرضُه معاوية على الناس، مدفوعًا إلى ذلك بدافع لا يعرفه الإسلام، دافع العصبية العائلية القبلية. وما هي بكثيرة على معاوية ولا بغريبة عليه. فمعاوية هو ابنُ أبي سفيان، وابنُ هند بنت عتبة، وهو وريث قومِهم جميعا وأشبهُ شيءٍ بهم في بُعدِ روحه عن حقيقة الإسلام. فلا يأخذ أحدٌ الإسلامَ بمعاوية أو بني أمية؛ فهو منه ومنهم برئ “.

3- ”ولسنا نُنكِر على معاوية في سياسة الحكم ابتداعَه نظام الوراثة وقهر الناس عليها فحسب، إنما ننكر عليه أولاً وقبل كل شئ إقصاءَه العنصر الأخلاقي في صراعه مع علي، وفي سيرتِه في الحكم بعد ذلك، إقصاءه كاملاً لأول مرة في تاريخ الإسلام… فكانت جريمة معاوية الأولى، التي حطّمَتْ روحَ الإسلام في أوائل عهدِه هي نفي العنصر الأخلاقي من سياسته نفياً باتّاً. ومما ضاعفَ الجريمة أنّ هذه الكارثة باكرت الإسلامَ ولم تنقض إلا ثلاثون سنة على سُنَنِه الرفيعة… ولكي نُدرك عمقَ هذه الحقيقة يجب أن نستعرِضَ صُوَرًا من سياسة الحكم في العهود المختلفة على أيدي أبي بكر وعمر، وعلى أيدي عثمان ومروان… ثم على أيدي الملوك من أمية… ومن بعدهم من بني العباس، بعد أن خُنقت روحُ الإسلام خنقا على أيدي معاوية وبني أبيه”.

4- ”ومضى عليٌّ رضي الله عنه إلى رحمة ربه، و جاءَ معاوية ابن هند وابن أبي سفيان !” (وأنا أستغفر الله من نقل هذا الكلام، بمثل هذه العبارة النابية، فإنه أبشع ما رأيتُه) ثم يقول: ”فلئنْ كان إيمان عثمان وورعُه ورقّته، كانت تقف حاجزاً أمام أميّة.. لقد انهار هذا الحاجز، وانساح ذلك السّدّ، وارتدت أمية طليقةً حرّة إلى وراثاتها في الجاهلية والإسلام. وجاء معاوية، تُعاونه العصبةُ التي على شاكلتِه، وعلى رأسِها عمرو بن العاص. قومٌ تجمعُهم المطامعُ والمآرب، وتدفعُهم المطامِحُ والرغائب، ولا يُمسِكُهم خُلُق ولا دين ولا ضمير” (و أنا أستغفر الله وأبرأ إليه). ثمّ قالَ: “ولا حاجة بنا للحديث عن معاوية؛ فنحن لا نؤرّخ له هنا، وبحسبنا تصرّفه في توريث يزيد الملك، لِنعلمَ أيّ رجل هو. ثم بحسبنا سيرة يزيد لنقدّر أيّة جريمة كانت تعيش في أسلاخ أمية على الإسلام والمسلمين”.

5- ثم ينقل خطبةً يزعم أنها لمعاوية في أهل الكوفة بعد الصّلح يجئ فيها قول معاوية:” وكلّ شرطٍ شرطتُه، فتحت قدميّ هاتين“، ثم يعقّب عليه مستدركا: “والله تعالى يقول: “وأوفُوا بالعهدِ إنّ العهدَ كان مسئولاً”. والله يقول:” وإن استنصَرُوكم في الدّين فعليكم النّصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق”. فيؤثر الوفاء بالميثاق للمشركين المعاهدين، على نصرة المسلمين لإخوانهم في الدين. أما معاوية؛ فيخيس بعهدِه للمسلمين، و يجهر بهذه الكبيرة جهرة المتبجِّحِين !.. إنه من أمية، التي أبت نحيزتها أن تدخل في حلف الفضول! “.

6- ثم يذكر خطبةً أخرى لمعاوية في أهل المدينة: ” أما بعد؛ فإني والله ما وليتُها بمحبةٍ علمتُها منكم ” ثم يعلق عليها فيقول: ” أجل، ما وليها بمحبة منهم. وإنه ليعلم أن الخلافة بيعة الرضى في دين الإسلام. ولكن ما لمعاوية وهذا الإسلام.. وهو ابنُ هند و ابن أبي سفيان !”.

7- ”وأما معاوية بعد علي، فقد سارَ في سياسة المال سيرته التي ينتفي منها العنصر الأخلاقي، فجعله للرُّشى واللهى وشراء الأمم في البيعة ليزيد، وما أشبه هذه الأغراض، بجانب مطالب الدولة والأجناد والفتوح بطبيعة الحال “.

8- ثم قال شاملا لبني أمية : “هذا هو الإسلام، على الرغم مما اعترضَ خطواته العملية الأولى، من غلبة أسرة لم تعمرْ روحُ الإسلام نفوسَها. فآمنَتْ على حرف حين غلب الإسلام، وظلت تحلم بالملك الموروث العضوض حتى نالته، فسارت بالأمر سيرةً لا يعرفها الإسلام.”

هذا ما جاء في ذكر معاوية، وما أضفى الكاتبُ من ذيوله على بني أمية، وعلى عمرو بن العاص. وأما ما جاء عن أبي سفيان بن حرب ؛ فانظر ماذا يقول :

9- ”أبو سفيان هو ذلك الرجل الذي لقي الإسلام منه والمسلمون ما حفلت به صفحاتُ التاريخ، والذي لم يُسْلِمْ إلا وقد تقرّرت غلبةُ الإسلام. فهو إسلام الشفة واللسان، ولا إيمان القلب والوجدان. وما نفذ الإسلام إلى قلب ذلك الرجل قطّ؛ فلقد ظل يتمنى هزيمة المسلمين ويستبشر لها في يوم حنين، وفي قتال المسلمين والروم فيما بعد، بينما يتظاهر بالإسلام. ولقد ظلّت العصبية الجاهلية تسيطر على فؤاده… وقد كان أبو سفيان يحقد على الإسلام والمسلمين، فما تعرض فرصة للفتنة إلا انتهزها “.

10- “ولقد كان أبو سفيان يحلمُ بملك وراثي في بني أمية منذ تولي الخلافة عثمان؛ فهو يقول: ”يا بني أمية… تلقفوها تلقف الكرة؛ فو الذي يحلف به أبو سفيان؛ ما زلت أرجوها لكم، ولتصيرنَّ إلى صبيانكم وراثة!”. وما كان يتصوّر حكمَ المسلمين إلا ملكًا حتى في أيام محمد، (وأظنُّ أنا أنه من الأدب أن أقول: صلى الله عليه وسلم) ؛ فقد وقفَ ينظر إلى جيوش الإسلام يوم فتح مكة، ويقول للعباس بن عبدالمطلب: ”والله يا أبا الفضل؛ لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيما”. “فلما قال له العباس: إنها النبوة! قال: “نعم إذن! ” نعم إذن! و إنها لكلمةٌ يسمعها بأذنه فلا يفقهها قلبُه؛ فما كان مثل هذا القلب ليفقَهَ إلا معنى الملك والسلطان “.

ثم يقول عن هند بنت عتبة أم معاوية :

11- ”ذلك أبو معاوية. فأمّا أمّه هند بنت عتبة؛ فهي تلك التي وقفَتْ يومَ أحد تلغ في الدم، إذ تنهش كبد حمزة كاللبؤة المتوحشة، لا يشفع لها في هذه الفعلة الشنيعة حق الثأر على حمزة؛ فقد كان قد مات. وهي التي وقفت بعد إسلام زوجها كرهًا بعد إذْ تقرّرت غلبةُ الإسلام تصيح: ”اقتلوا الخبيثَ الدنس الذي لا خير فيه. قُبِّح من طليعة قوم! هلا قاتلتم ودفعتم عن أنفسكم وبلادكم؟”.

هؤلاء أربعةٌ من أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، يذكُرُهم كاتبٌ مسلم بمثلِ هذه العبارات الغربية النابية! بل زاد، فلم يعصم كثرةَ بني أمية من قلمه، فطرح عليهم كلَّ ما استطاع من صفاتٍ تجعلهم جملة واحدة برآءً من دين الله، ينافقون في إسلامهم، وينفون من حياتهم كل عنصر أخلاقي! كما سمّاه.. وأنا لن أناقش الآن هذا المنهجَ التاريخي، فإنّ كلّ مُدّعٍ يستطيع أن يقول:هذا منهجي، وهذه دراستي. بل غاية ما أنا فاعل أنْ أنظُرَ كيف كان أهل هذا الدين ينظرون إلى هؤلاء الأربعة بأعيانهم، وكيف كانوا – هؤلاء الأربعة – عند من عاصرهم ومن جاءَ بعدهم من أئمة المسلمين وعلمائهم. وأيضا فإني لن أحقّقَ في هذه الكلمة فسادَ ما بُني عليه الحكم التاريخي العجيبُ، الذي استحدثه لنا هذا الكاتب، بل أدعه إلى حينه.

- فمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أسلمَ عام القضية، ولقِيَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مُسْلمًا، وكَتَم إسلامَه من أبيه وأمه. ولما جاءتِ الرِّدة الكبرى، خرجَ معاوية في هذه القِلّة المؤمنة التي قاتلت المرتدين، فلما استقر أمرُ الإسلام وسيّرَ أبو بكر الجيوشَ إلى الشام، سار معاوية مع أخيه يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه. فلما ماتَ يزيد في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال لأبي سفيان رضي الله عنه: أحسنَ اللهُ عزاءَك في يزيد. فقال أبو سفيان:من وليت مكانه؟ قال :أخاه معاوية. قال: وصلتك رحم يا أمير المؤمنين. وبقي معاوية واليًا لعمر على عمل دمشق. ثم ولاه عثمان الشامَ كلها، حتى جاءت فتنةُ مقتل عثمان، فولى معاوية دمَ عثمان لقرابته، ثم كان بينه وبين علي ما كان.

ويروى البخاري: (5/28) أنّ معاوية أوترَ بعد العشاء بركعة، وعنده مولى لابن عباس، فأتى ابنَ عباس، فقال: دعه؛ فإنّه صَحِبَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وقال في خبرٍ آخر: هل لكَ في أمير المؤمنين معاوية؛ فإنه أوتر بواحدة؟ فقال ابنُ عباس: إنه فقيه. وروى أحمد في ”مسنده” (4/102) عن مجاهد وعطاء عن ابن عباس : أن معاوية أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصّرَ شعرَه بمشقص. فقلتُ لابن عباس: “ما بلغنا هذا الأمر إلا عن معاوية”! فقال: “ما كان معاوية على رسول الله صلى الله عليه وسلم متهماً”. وعن أبي الدرداء: “ما رأيتُ أحداً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبهَ صلاةٍ برسول الله صلى الله عليه وسلم من أميركم هذا (يعني معاوية). “مجمع الزوائد “(9/357). وروى أحمد في ”مسنده“(4/101) عن أبي أمية عمرو بن يحيى بن سعيد عن جده: أنّ معاوية أخذَ الإداوة (إناء من جلد صغير كالقربة) بعد أبي هريرة يتّبعُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بها واشتكى أبو هريرة، فبينا هو يوضئ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، رفع رأسَه إليه مرة أو مرتين، فقال:” يا معاوية! إنْ وليتَ أمراً؛ فاتّقِ اللهَ عز وجل واعدِلْ “.قال معاوية: “فما زلتُ أظنّ أني مبتلى بعملٍ لقول النبي صلى الله عليه وسلم حتى ابتليتُ.” وروى أحمد في ”مسندِه” (4/127) عن العرباضِ بن سارية السلمى؛ قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعونا إلى السحور في شهر رمضان: ”هلموا إلى الغداء المبارك! ثم سمعتُه يقول :”اللهم علِّمْ معاوية الكتابَ والحسابَ، وقِهِ العذابَ“. وروى أحمد في “مسنده “(4/216) عن عبدالرحمن بن أبي عميرة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه ذكرَ معاوية فقال: ” اللهم ! اجعله هادياً مهدياً، واهد به “.

هذا بعض ما قيل في معاوية رضي الله عنه، وفي دينِه إسلامِه. فإن كان هذا الكاتب قد عرفَ واستيقَنَ أنّ الروايات المتلقفة من أطراف الكُتب تنقض هذا نقضاً حتى يقول: إنّ الإسلام برئٌ منه، فهو وما عرف. وإنْ كان يعلم أنه أحسَنُ نظرًا ومعرفةً بقريش من أبي بكر حين ولىّ يزيدَ بن أبي سفيان، وهو من بني أمية، وأنفذُ بصرًا من عمر حين ولىّ معاوية. فهو وما عَلِمَ !! وإنْ كان يعلم أنّ معاوية لم يقاتِل في حروبِ الرِّدة إلا وهو يضمِرُ النّفاقَ والغدر، فله ما علم!! وإنْ كان يرى ما هو أعظمُ من ذلك؛ أنّه أعرفُ بصحابة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم من رسولِ الله الذي كان يأتيه الخبرَ من السّماء بأسماءِ المنافقين بأعيانهم؛ فذلك ما أعيذُه منه أن يعتقدَه أو يقوله. ولكن لينظرْ فرقَ ما بين كلامه وكلام أصحاب رسول الله عن رجل آخر من أصحابه، ثم ليقطَعْ بنفسِه ما شاءَ من رحمة الله أو من عذابه. ولينظرْ أيّهما أقوى برهانا في الرواية، هذا الذي حدّثنا به أئمةُ دينِنا، أم ما انضمّت عليه دفتا كتاب من عُرْض كتب التاريخ، كما يزعمون. ولينظُرْ لنفسِه حتى يرجحَ روايةً على روايةٍ، وحديثًا على حديث، وخبراً على خبر، وليعلمْ أنّ الله تعالى أدّبَ المسلمين أدباً لم يزالوا عليه مذ كانت لدينِ الله الغلبة، حتى ضربَ اللهُ على أهل الإسلام الذّلة بمعاصيهم وخروجِهم عن حدّ دينهم واتّباعهم الأمم في أخلاقها وفي فكرها وفي تصوّرها للحياة الإنسانية. يقول ربنا سبحانه وتعالى: ”يا أيها الذين آمنوا إنْ جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبيّنُوا أنْ تُصيبُوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمِين“. ويقول تعالى: ”يا أيها الذين آمنُوا اجتَنِبُوا كثيراً من الظّنِّ إنَّ بعضَ الظّنِ إثم”. ويقول تعالى: ”ولا تَقْفُ ما ليس لك به علم، إنّ السمعَ و البصرَ والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسئولاً ”.

ولينظرْ أنىّ له أن يعرفَ أنّ معاوية كان يعمل بوحي الجاهلية لا الإسلام، وأنه بعيدُ الروح عن حقيقة الإسلام، وأنّ الإسلامَ لم يعمُرْ قلبَه، وأنه خَنَقَ روحَ الإسلام هو وبنو أبيه، وأنه هو وعمرو بن العاص ومن على شاكلتهم لا يُمْسِكُهم خلقٌ ولا دينٌ ولا ضمير، وأنّ في أسلاخ معاوية وبني أمية جريمة أيّ جريمة على الإسلام والمسلمين، وأنه يخيس بالعَهد ويجهَر بالكبيرة جهرةَ المتبجِّحِين، وأنّه ما لمعاوية وهذا الإسلام؟ وأنّه ينفي العنصرَ الأخلاقي من سِيرته، ويجعل مالَ الله للرشى واللهي وشراء الذمم، وأنه هو وبنو أمية آمنوا على حرف حين غلبَ الإسلامُ.

-أما أبو سفيان رضي الله عنه؛ فقد أسلمَ ليلة الفتح، وأعطاه رسولُ الله من غنائمَ حنين كما أعطى سائر المؤلفة قلوبهم، فقال له: “والله؛ إنكَ لكريمٌ فداكَ أبي وأمي، والله؛ لقد حاربتُكَ فلنعمَ المحاربُ كنتَ، ولقد سالمتُكَ فلنعم المسالمُ أنتَ، جزاك الله خيراً. ” ثم شاهدَ الطائفَ مع رسول الله، وفُقئت عينه في القتال. ولاّه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نجران ورسولُ الله لا يولِّي منافقاً على المسلمين. وشهِد اليرموك، وكان هو الذي يحرض الناسَ ويحثّهم على القتال. وقد ذكر الكاتبُ في ما استدل به على إبطان أبي سفيان النّفاق والكفر أنّه كان يستبشر بهزيمةِ المسلمين في يوم حنين، وفي قتال المسلمين والروم فيما بعد، وهذا باطلٌ مكذوب. وسأذكر بعد تفصيل ذلك. أما قول أبي سفيان للعباس: ”لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيماً“. قال العباس: إنها النبوة! فقال أبو سفيان: فنعم إذن. فهذا خبرٌ طويل في فتح مكة، قبل إسلامه، وكانت هذه الكلمة “نعم إذن” أوّلَ إيذانٍ باستجابتِه لداعي الله، فأسلم رضي الله عنه، وليست كما أولها الكاتب: ”نعم إذن. وإنها كلمةٌ يسمعها بأذنه فلا يفقهها قلبه، فما كان مثل هذا القلب ليفقه إلا معنى الملك والسلطان“!!، إلا أن يكون الله كشفَ له ما لم يكشِف للعباس ولا لأبى بكر ولا لعمر، ولا لأصحابِ رسول الله من المهاجرين والأنصار، وأعوذُ بالله مِنْ أنْ أقولَ ما لم يُكشَف لرسول الله ونبيِّه صلى الله عليه وسلم.

وعن ابن عباس: أنّ أبا سفيان قال: يا رسول الله ثلاثاً أعطنيهِن.قال: “نعم”. قال: تؤمرني حتى أقاتل الكفارَ كما قاتلتُ المسلمين. قال: ”نعم“. قال: ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك. قال: ”نعم”. وذكرَ الثالثةَ، هو أنّه أرادَ أن يُزوِّجَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بابنتِه الأخرى عزّة بنت أبي سفيان واستعان على ذلك بأختِها أم حبيبة، فقال: ”إنّ ذلك لا يحل لي“.

- وأمّا هند بنت عتبة أم معاوية رضي الله عنهما؛ فقد روي عن عبدالله ابن الزبير (ابن سعد : 8/171) قال: لما كان يوم الفتح؛ أسلمَتْ هند بنت عتبة ونساء معها، وأتين رسولَ الله وهو بالأبطح، فبايَعْنَه، فتكلّمتْ هند، فقالت: يا رسول الله! الحمد لله الذي أظهرَ الدين الذي اختارَه لنفسه. لتنفعني رحمُك يا محمد! إني امرأةٌ مؤمنة بالله مصدّقة برسولِه. ثم كشفتْ عن نقابِها. وقالت: أنا هند بنت عتبة. فقال رسولُ الله :مرحباً بكِ “.فقالت : والله ؛ ما كان على الأرض أهل خباء أحبّ إليّ من أن يذلُّوا من خبائك، ولقد أصبحتُ وما على الأرض أهل خباء أحبّ إليّ من يعزّوا من خبائك. فقال رسول الله: وزيادة… قال محمد بن عمر الواقدي: لما أسلمتْ هند؛ جعلتْ تضربُ صنماً في بيتِها بالقدوم، حتى فلذته فلذة، وهي تقول: كنا منكَ في غرور. وروى البخاري هذا الخبرَ عن أمّ المؤمنين عائشة (5/40).

فهل يعلم عالمٌ أنّ إسلامَ أبي سفيان وهند كان نفاقًا وكذبًا وضغينة؟ لا أدري. ولكن أئمّتنا من أهلِ هذا الدين لم يطعَنُوا فيهم، وارتضاهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وارتضى إسلامَهم. وأمّا ما كان من شأنِ الجاهلية؛ فقلّ رجلٌ وامرأةٌ من المسلمين لم يكنْ له في جاهليته مثل ما فعلَ أبو سفيان أو شبيهٌ بما يُروى عن هند إنْ صحّ.

- وأما عمرو بن العاص، فقد أسلمَ عام خير قدم مهاجرا إلى الله ورسوله، ثم أمّره رسول الله صلى الله عليه وسلم على سرية إلى ذات السلاسل يدعو بليّا إلى الإسلام، ثم استعمله رسولُ الله على عمان، فلم يزل والياً عليها إلى أن تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أقرّه عليها أبو بكر رضي عنه، ثم استعمله عمر. وروى الإمامُ أحمد في “مسنده” (2/327،353،354) من حديث أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”ابنا العاص مؤمنان“؛ يعني: هشاما وعمرا. روى الترمذي وأحمد في ”مسنده“(4/155) عن عقبة بن عامر الجهني: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”أسلمَ الناسُ وآمنَ عمرُو بن العاص“. وروى أحمد في ”مسنده” (1/161) عن طلحة بن عُبيد الله،قال: ألاَ أُخبركم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيءٍ؟ أَلا إني سمعتُه يقول: ”عمرو بن العاص من صالحي قريش، ونعم أهلِ البيت أبو عبدالله، وأمّ عبدالله، وعبدالله“.

فإذا كان جهاد عمرو، وشهادة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتولية رسول الله، ثم أبي بكر ثم عمر ؛ لا تدلّ على شيء من فضلِ عمرو بن العاص، ولا تدلّ على نفي النّفاقِ في دين الله عنه؛ فلا ندري بعد ما الذي ينفع عمرًا في دنياه وآخرته؟! ولستُ أتصدّى هنا لتزييفِ ما كتبه الكاتبُ من جِهة التاريخ، ولا من جهة المنهاج، ولكني أردتُ – كما قُلتُ – أن أُبِّينَ أنّ الأصلَ في دينِنا هو تقوى الله، وتصديق خبر رسول الله، وأنّ أصحابَ محمد صلى الله عليه وسلم ليسوا لعّانين ولا طعانين ولا أهل إفحاش، ولا أصحاب جرأة وتهجّم على غيب الضمائر، وأنّ هذا الذي كانوا عليه أصلٌ لا يمكن الخروج منه؛ لا بحجّة التاريخ، ولا بحجّة النّظر في أعمالِ السابقين للعبرة واتّقاءِ ما وقعُوا فيه من الخطأ.

ولو صحَّ كلّ ما يُذكَر مما اعتمد عليه الكاتبُ في تمييزِ صفات هؤلاء الأربعة، وصفة بني أمية عامة؛ لكان طريق أهل الإسلام أن يحملوه على الخطأ في الاجتهاد من الصّحابي المخطئ، ولا يدفعهم داءُ العصر أن يُوغِلوا من أجلِ خبرٍ أو خبرين في نفي الدين والخُلُق و الضمير عن قومٍ هم لقربِ زمانهم وصُحبتهِم لرسول الله صلى الله عليه وسلم أولىَ أهلِ الإسلام بأنْ يعرِفُوا حقَّ الله وحقَّ رسولِه صلى الله عليه وسلم، وأن يعلمُوا من دين الله ما لم يعلمْهُ مجترئٌ عليهم طعّانٌ فيهم.

وأختم كلمتي هذه بقولِ النووي في “شرح مسلم“(16/93): ”اِعلمْ أنّ سبَّ الصحابة رضي الله عنهم حرامٌ من فواحش المحرمات، سواء من لابَس الفِتَنَ منهم وغيره ؛ لأنهم مجتهدون في تلك الحروب متأوّلون. وقال القاضي: سبُّ أحدِهم من المعاصي الكبائر، ومذهبنا مذهب الجمهور أن يُعزَّر ولا يُقتل، وقال بعض المالكية :يقتل“.

وأُسدِي النّصيحَةَ لمن كتبَ هذا و شبهه: أنْ يبرَأَ إلى الله علانية مما كتبَ، وأنْ يتوبَ توبة المؤمنين مما فرط منه، وأنْ يُنَـزه لسانَه ويعصمَ نفسَه ويُطَهِّر قلبَه، وأنْ يدعو بدعاءِ أهل الإيمان: ”ربّنا اغفِرْ لنا ولإخوانِنا الذين سبقُونَا بالإيمانِ ولا تجعَلْ في قلوبِنا غِلاً للذين آمَنُوا ربّنَا إنّكَ رءوفٌ رحيم “.

من أجل هذا أقول: إنّ خلق الإسلام، هو أصلُ كلّ منهاجٍ في العلمِ والفهمِ، سواء كان العلم تاريخاً أو أدباً أو اجتماعاً أو سياسةً. وإلا فنحنُ صائرون إلى الخروج عن هذا الدين، وصائرون إلى تهديم ما بناه أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى جعلِ تاريخ الإسلام حشداً من الأكاذيب الملفقة، والأهواء المتناقضة، والعبَث بكل شيءٍ شريف ورثتنا إياه رحمة الله لهم وفتحَ الله عليهم، ورضاه عن أعمالهم الصالحة، ومغفرته لهم ما أساؤا، رضي الله عنهم وغفرَ لهم وأثابهم بما جاهدوا وصبروا، وعلِموا وعلّموا،. واستغفر اللهَ وأتوبُ إليه.

وبعد نشر ذلك المقال قام رجل متعصب لسيد قطب بالباطل يدعى "محمد رجب البيومي" بالرد على الشيخ محمود شاكر نيابة عن سيد قطب، فقام سيد قطب بكتابة رسالة إلى ذلك الشخص، وفي تلك الرسالة أعلن سيد قطب رفضه نصيحة محمود شاكر وتمسكه برأيه وبما كتبه من سب وتكفير للصحابة ثم وجه سيد قطب سباً وشتماً قبيحاً للشيخ محمود شاكر، وكان مما قاله سيد قطب في تلك الرسالة :

إلى أخي الأستاذ: رجب البيومي… السلام عليكم ورحمة الله، وبعد

فإنني لم أرد أن أدخل بينك وبين الأستاذ شاكر فيما شجر بينكما من خلاف حتى ينتهي إلى نهاية كما انتهى، ذلك أنني كنت حريصاً على أن أدعك ورأيك، وألا أبدأ تعارفي بك في زحمة الجدل، وإن ظن أخونا شاكر أن بيننا صحبة وثيقة، تدفعك رد تهجمه تقحمه... ولو كانت بيننا معرفة سابقة، ولو استشرتني قبل أن تدخل مع صاحبنا في جدل أثاره صخب وما من غبار لأشرت عليك ألا تدخل، ولآثرت لك ما آثرته لنفسي من إغضاء وإغفال… ذلك أنني  لم استشعر في هذا الصخب الصاخب أثراً من صفاء نية، ولارغبة في تجلية حقيقة... ولو كانت الحقائق هي المقصودة لما احتاج الكاتب الفاضل إلى اصطناع مثل هذا الأسلوب الصاخب المفرقع، ولما لجأ منذ مقاله الأول في (المسلمون) إلى الشتم، والسب والتهم بسوء النية، وسوء الخلق والنفاق والافتراء، والسفاهة، والرعونة... وما كان لي بعد هذا؛ وأنا مالك زمام أعصابي، مطمئن إلى الحق الذي أحاوله، أن ألقي بالاً إلى صخب مفتعل، وتشنج مصطنع وما كان لي إلا أن أدعو الله لصديقنا شاكر بالشفاء والعافية والراحة مما يعاني، والله لطيف بعباده الأشقياء... وكتاب العدالة الاجتماعية مطبوع متداول منذ أربع سنوات، وطبعته الثالثة في المطبعة، والصخب حوله الآن فقط قد يشي بشيء لا أرضاه للصديق، وقد قرأه الناس في أنحاء العالم الإسلامي، فلم يستشعر أحد من موضوعه ولا من سياقه أن النية السيئة المبيتة لهذا الإسلام وأهله هي التي تعمر سطوره، إنما أحس الألوف الذين قرؤوه – أو على الأقل المئات الذين أبدوا رأيهم فيه – أن كل ما كان يعنيني هو أن أبرئ الإسلام من تهمة يلصقها به أعداؤه، وشبهة تحيك في نفوس أصدقائه.

ويتضح من أسلوب رد سيد قطب أن ميزان الحق عنده هو الأغلبية الإنتخابية المؤيده له كما هو مبدأ جماعة الإخوان عموماً وليس تعاليم القرآن العظيم وسُنَّة النبي الشريفة وأخلاقه الكريمة!! فالشيخ شاكر يقول لسيد قطب قال الله وقال الرسول وسيد قطب يرد عليه بأن الأغلبية من القارئين تؤيده!! علماً بأنه بعد إنكار الشيخ محمود شاكر على سيد قطب توالت الردود على سيد قطب منكرة عليه تفكيره وتطاوله على الصحابة رضي الله عنهم.

وقد أدرك مبكراً العلامة الشيخ أحمد محمد شاكر وهو المحدِّث السلفي وآخر محدِّثي الديار المصرية، خطورة فكر ومنهج جماعة الإخوان المسلمين منذ سنة 1949 في مقال له بعنوان (الإيمان قيد الفتك) وفيه يحكم حكمًا شديدًا على منفذي عمليات الاغتيال السياسي من جماعة الإخوان المسلمين بعد مقتل رئيس الوزراء ووزير الداخلية والحاكم العسكري العام "محمود فهمي باشا النقراشي" في وزارة الداخلية، حيث أُطلقت عليه رصاصات أودت بحياته وكان الذي قام بهذا العمل طالبًا بكلية الطب البيطري بجامعة "فؤاد الأول" بالقاهرة، اسمه "عبدالمجيد حسن" وهو أحد أتباع جماعة الإخوان ومن أعضاء التنظيم المسلح السري الخاص، وقد ارتكب فعلته وهو يرتدي زي ضابط شرطة ولهذا لم يشك أحد فيه حين دخل وزارة الداخلية وانتظر رئيس الحكومة حتى أطلق عليه الرصاص من مسدسه.

وعن تلك الحادثة يقول الشيخ يوسف القرضاوي[74]: "وقابل عامة الإخوان اغتيال النقراشي بفرحة مشوبة بالحذر، فقد رد عبد المجيد حسن لهم كرامتهم، وأثبت أن لحمهم مسموم لا يؤكل، وأن من اعتدى عليهم لا بد أن يأخذ جزاءه! وكان الجو السياسي العام في مصر يسيغ ذلك، فلا بد ـ لكي نكون منصفين ـ أن نحكم على الأمور في إطارها الزمني، ولا نحكم عليها بمنطق زمننا نفسه، فقد أثبت التاريخ أن الاغتيال السياسي لا يحل مشكلة... ولقد قابلناـ نحن الشباب والطلاب اغتيال النقراشي بارتياح واستبشار، فقد شفي غليلنا، ورد اعتبارنا، ومما أذكره أني نظمت بيتين في هذه المناسبة، خطابا لعبد المجيد حسن، قاتل النقراشي، كان الطلاب يرددونهما، وهما":

عبد الـمجيد تحية وسـلام      أبشر، فإنك للشباب إمام

سمَّمت كلبا، جاء كلبٌ بعده      ولكل كلب عندنا (سَمَّام)

وكتب العلامة أحمد شاكر مقالاً بتاريخ 02/01/1949 قال فيه:

"روَّع العالم الإسلامي والعالم العربي بل كثير من الأقطار غيرهما باغتيال الرجل، الرجل بمعنى الكلمة النقراشي - الشهيد غفر الله له، وألحقه بالصديقين والشهداء والصالحين- وقد سبقت ذلك أحداث قدّم بعضها للقضاء، وقال فيه كلمته وما أنا الآن بصدد نقد الأحكام، ولكني كنت أقرأ كما يقرأ غيري الكلام في الجرائم السياسية وأتساءل: أنحن في بلد فيه مسلمون؟ وقد رأيت أن واجبًا علي أن أبين هذا الأمر من الوجهة الإسلامية الصحيحة حتى لا يكون هناك عذر لمعتذر، ولعلَّ الله يهدي بعض هؤلاء الخوارج المجرمين فيرجعوا إلى دينهم قبل أن لا يكون سبيل إلى الرجوع، وما ندري من ذا بعد النقراشي في قائمة هؤلاء الناس.

إن الله سبحانه توعد أشد الوعيد على قتل النفس الحرام في غير آية من كتابه: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93]، وهذا من بديهيات الإسلام التي يعرفها الجاهل قبل العالم وإنما هذا في القتل العمد الذي يكون بين الناس في الحوادث والسرقات وغيرها القاتل يقتل وهو يعلم أنه يرتكب وزرًا كبيرًا. أما القتل السياسي الذي قرأنا جدالاً طويلاً حوله فذاك شأنه أعظم وذلك شيء آخر.

القاتل السياسي يقتل مطمئن النفس راضي القلب يعتقد أنه يفعل خيرًا فإنه يعتقد بما بثَّ فيه مغالطات أنه يفعل عملاً حلالاً جائزًا إن لم يعتقد أنه يقوم بواجب إسلامي قصَّر فيه غيره، فهذا مرتد خارج عن الإسلام، يجب أن يعامل معاملة المرتدين، وأن تطبق عليه أحكامهم في الشرائع، وفي القانون هم الخوارج كالخوارج القدماء الذين كانوا يقتلون أصحاب رسول الله ويدعون من اعترف على نفسه بالكفر، وكان ظاهرهم كظاهر هؤلاء الخوارج بل خيرًا منه، وقد وصفهم رسول الله بالوحي قبل أن يراهم، وقال لأصحابه: "يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية" (حديث أبي سعيد الخدري في صحيح مسلم ج1 ص292-293). وقال أيضًا: "سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام يقولون من قول خير البرية يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يَمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية؛ فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة" (حديث علي بن أبي طالب في صحيح مسلم: ج1 ص293). والأحاديث في هذا المعنى كثيرة متواترة، وبديهيات الإسلام تقطع بأن من استحل الدم الحرام فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه.

فهذا حكم القتل السياسي هو أشد من القتل العمد الذي يكون بين الناس، والقاتل قد يعفو الله عنه بفضله وقد يجعل القصاص منه كفارة لذنبه بفضله ورحمته، وأما القاتل السياسي فهو مصرٌّ على ما فعل إلى آخر لحظة من حياته يفخر به ويظن أنه فعل فعل الأبطال، وهناك حديث آخر نصٌّ في القتل السياسي لا يحتمل تأويلاً فقد كان بين الزبير بن العوام وبين علي بن أبي طالب ما كان من الخصومة السياسية التي انتهت بوقعة الجمل، فجاء رجل إلى الزبير بن العوام فقال: اقتل لك عليًّا؟ قال: لا وكيف تقتله ومعه الجنود؟ قال: ألحق به فأفتك به، قال: لا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الإيمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمن؟!!". حديث الزبير بن العوام رقم 1429 من مسند الإمام أحمد بن حنبل: بتحقيقنا. أي أن الإيمان يقيد المؤمن عن أن يتردى في هوة الردة، فإن فعل لم يكن مؤمنًا.

أما النقراشي فقد أكرمه الله بالشهادة له فضل الشهداء عند الله وكرامتهم، وقد مات ميتة كان يتمناها كثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، تمناها عمر بن الخطاب حتى نالها فكان له عند الله المقام العظيم والدرجات العلى، وإنما الإثم والخزي على هؤلاء الخوارج القَتَلة مُستحلي الدماء، وعلى مَنْ يدافع عنهم، ويريد أن تتردى بلادنا في الهوة التي تردت فيها أوربا بإباحة القتل السياسي أو تخفيف عقوبته؛ فإنهم لا يعلمون ما يفعلون ولا أريد أن أتهمهم بأنهم يعرفون ويريدون، والهدى هدى الله".

وقد علَّق محمد الغزالي على هذه الفتوى قائلاً[75]:

"إننا نعرف أن الشيخ أحمد شاكر القاضي بالمحاكم الشرعية أصدر فتوى بأن الإخوان المسلمين كفَّار!! وأن من قتلهم كان أولى بالله منهم (كذا)، والرجل الذي يصدر هذه الفتوى كان أن ينبغي أن يطرد من زمرة العلماء، ومع ذلك فلا نحسب أحدًا أجرى معه تحقيقًا". ويقول رداً عليه أبو عبدالأعلى خالد بن محمد بن عثمان المصري في كتابه (دفع بغي الجائر الصائل على إمام الجرح والتعديل وعلى المنهج السلفي وأئمته بالباطل): "هكذا حَكم الغزالي على العلامة المحدث أحمد شاكر، وهو الأولى بهذا الحكم منه لجنايته الواضحة على السنة وأهلها كما تراه واضحًا في آخر كتبه الذي سماه (السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث). والعجيب أن الغزالي نفسه لما بان المكتوم من خطط الإخوان السرية وناله منها شيئًا من الأذى قلب رأس المجن، وكاد بلسان مقاله أن يوافق الشيخ أحمد شاكر في حكمه على هذا الحزب الضال؛ فألَّف الغزالي كتابه (من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث)، الذي فضح فيه خبايا الإخوان وأظهر سوأتهم القبيحة التي تفضح خبئ مكرهم السيئ".

وفي تقرير رفعه العلامة أحمد شاكر إلى الملك عبدالعزيز آل سعود سمَّاه (تقرير عن شئون التعليم والقضاء) صفحة 48 نقل كلامًا لأحد رموز الأحزاب السياسية منشور في جريدة المصري، هذا نصُّه: "ولقد حاول البعض أخيرًا خلط الدين بالسياسة ودعا إلى جعل القرآن الكريم أساسًا للتشريع، فما جنينا من هذه التجربة غير الشر المستطير الذي نعاني بأسه حتى الآن". فقال العلامة أحمد شاكر معلِّقًا على ذلك: "يريد سعادته حركة الشيخ حسن البنا وإخوانه الـمسلمين الذين قلبوا الدعوة الإسلامية إلى دعوة إجرامية هدَّامة ينفق عليها الشيوعيون واليهود، كمـا نعلم ذلك علم اليقين".

وفي مقال هام في مجلة الهدى النبوي التابعة لجماعة أنصار السنة المحمدية بالعدد الخامس لشهر نيسان/أبريل سنة 1946 التي كان يرأس تحريرها الشيخ محمد حامد الفقي بعنوان (الإخوان المسلمون - أو الإخوان المصريون- بين أمس واليوم)، حيث جاء فيه كشف تعاون حسن البنَّا مع النصارى وإظهار المودة لهم إبتغاء نصرة حزبه في الانتخابات:

"الله غايتنا، الرسول زعيمنا، القرآن دستورنا: تلك مبادئهم التي كانوا بالأمس يملأون بها الدنيا صياحًا، غدوًا ورواحًا ظاهرها حق لا شبهة فيه، والله أعلم بالقلوب وما تخفيه، فانظر كيف استحالت هذه المبادئ اليوم إلى تطورات ثلاث تناهض هذه المبادئ تمامًا: أولاها: تصريح المرشد العام لمجلة المصور ونشر في عددها الصادر يوم الجمعة 5 إبريل 1946 نثبته بنصه ليكون مصداقًا لقوله عز وجل: {واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه ترجعون}: مريت بك غالي والشيخ لويس فانوس و... أعضاء عاملون في جماعة الإخوان المسلمين!

كنا قد علمنا أن الإخوان المسلمين يساعدون الأستاذ لويس فانوس في ترشيحه لمجلس الشيوخ باعتباره عضوًا في الجماعة! فرجعنا في ذلك إلى فضيلة الأستاذ حسن البنا المرشد العام للإخوان فكتب يقول: لهيئة الإخوان المسلمين أصدقاء كثيرون من غير المسلمين، والإخوان يعتبرون هؤلاء الأصدقاء: - أعضاء عاملين - معهم في كل الشؤون الاجتماعية التي تتفق مع مؤهلاتهم ويفسحون لهم المجال للإفادة بآرائهم وأفكارهم. وقد اشترك (الأخ) الأستاذ نصيف ميخائيل في التحضير لمؤتمر الإخوان بالغربية اشتراكًا فعليًّا بل لن أكون مبالغًا إذا قلت أنه هو الذي أعد المؤتمر. ولا أنس ما (للأخ) الشيخ المحترم لويس فانوس بك الجولات في مؤتمرات الإخوان المسلمين، وما يقوم به من دعاية للجمعية في أنحاء مصر. كما أن (الأخ) مريت بك غالي يساهم في أعمال الإخوان، ولا تنس تبرعه في شراء الدار، ومساعداته الأدبية بتبادل الآراء والأفكار حول الإصلاحات الاجتماعية فضلاً عن أنه عضو في لجنتنا الاقتصادية كما يتعاون معنا في المشروعات الاجتماعية النافعة. ولقد ذكرت هذه الأسماء على سبيل المثال لا الحصر، فإننا لا نجد أبدًا ما يحول بيننا وبين التعاون مع الوطنيين العاملين – مسيحيين كانوا أو مسلمين - ويتجلى هذا في جوالة الإخوان أكثر من ثلاثين جوالاً من إخواننا المسيحيين، أما في الانتخابات فالقاعدة العامة عندنا مساعدة مرشحي الإخوان أولاً وهم لا يرشحون إلا الأكفاء من المصريين، ويوم ينشر الإخوان قوائمهم للانتخابات سيجد الجميع أننا لا نعرف إلا المصلحة العامة، وسيجدون ضمن هذه القوائم أسماء إخواننا المسيحيين الذين يشتركون معنا في الجمعية. وبعد مرشحي الإخوان نساعد أصلح المرشحين وأقدرهم على خدمة المصلحة العامة بغير نظر إلى اعتبار آخر ديني أو حزبي إلا مصلحة مصر والمصريين...".

وثاني هذه التطورات ما نشرته مجلة آخر ساعة في عددها الصادر كذلك يوم الجمعة 5 إبريل 1946 وهو اقتراح قبطي على الأستاذ حسن البنا - المرشد العام للإخوان المسلمين - أن يسمى الإخوان المسلمين (الإخوان المصريين) حتى يتمكن كثير من الأقباط من الانضمام إليهم، وهذا الاقتراح هو وليد التطور الأول، ولا شك، وما الوقت الذي نفذ فيه اسمًا بعد أن تنفذ فعلاً ببعيد.

وأي صبغة بقيت للإخوان المسلمين بعد أن أصبح في ميسور كل إنسان – أيا كان دينه - أن يكون أخًا لهم فإذا اعترضهم قوله تعالى {إنما المؤمنون إخوة}، أوَّلوا المؤمنين بالمؤمنين بفكرتهم!! وأما النصوص المحكمة التي وردت في التحذير من اتخاذ غير المؤمنين أولياء كقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء من دون المؤمنين ومن يتولهم منكم فإنه منهم}، فلعلَّ الأستاذ المرشد لا يعدم لها تأويلاً يستخدمها به لصالحه بما أوتيه من سعة الحيلة وقوة العارضة، وفوق كل ذي علم عليم.

أما التطور الثالث فهو ذلك الإعلان الذي نشرته مجلة الإخوان عن تمثيل رواية باسم المعز لدين الله الفاطمي منشئ القاهرة وباني الجامع الأزهر، تأليف الأستاذ عبدالرحمن الساعاتي – شقيق المرشد العام - المسرحية التي تصور الفكرة وتجمع إلى روعة الفن جلال الدين تمثل على مسرح الأوبرا يوم الأربعاء أول مايو سنة 1946، إخراج منير، وألحان أحمد عبدالقادر.

سهمان في صميم العقيدة ندع تصور تأثيرهما لذهن القارئ، وآخر في صميم العقيدة والأخلاق كليهما، ذلك هو التمثيل الذي جارت فيه بعض الجماعات الإسلامية أولئك المرتزقة الغاوين الذين امتهنوا هذه الصناعة، صناعة التمثيل الماجنة العابثة بالفضيلة القاضية على الآداب والتي لا تستمد حياتها إلا من الروايات المكذوبة والقصص الخيالية المختلفة ومهما نحل المبطلون هذا التمثيل من فوائد فلن ينهض ببعض ما يخلفه من مفاسد. ولقد كنا ننتظر أن يكون الإخوان المسلمين معنا حربًا على هذه البدعة الضارة أو يقفوا منها موقف الحياد على الأقل لا أن يكونوا من الداعين إليها قولاً وعملاً، ولتفنيد حجج القائلين بفوائد التمثيل مقام غير هذا توليناه مبسطًا في عدة مناسبات، ولا زلنا نلاحق هذه حجج القائلين بفوائد التمثيل مقام غير هذا توليناه مبسطًا في عدة مناسبات ولا زلنا نلاحق هذه الحجج بالتفنيد وننحى باللائمة على كل داع إلى التمثيل وإن كره الأكثرون. فإذا تجاوزنا التمثيل بصفة عامة إلى اختيار الرواية نفسها نرى اختيار الإخوان المسلمين لموضوعها يدعو إلى أشد العجب، إذ كيف يجعلون روعة الدين تتجلى بإعادة سيرة هذا العُبَيدي الخبيث مع علمهم بما جناه على الدين، وما أحدثه فيه من طوام بالتغيير والتبديل بمحض الهوى وطغيان الشهوة والنية المبيَّتة على إزالته تنفيذًا لوصية جدِّه ابن سبأ اليهودي الذي جرح الإسلام بتأريث الفتنة بين علي ومعاوية جرحًا لا زالت دمه يسيل إلى اليوم، وما كانت أعمال المزل لدين الله وأعمال خلفائه من بعده سرًّا خفيًّا بل تناولها التاريخ فدوَّن علماؤه - فرنجة وعرب - من جناياتهم على الدين ما يستحقون ببعضه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين؛ فاختيار هذا الخبيث الباطني[76] موضوعًا لروايتهم إما أن يكون جهلاً بسيرته وذلك ما نستبعده على جماعة الإخوان بقطع النظر عمَّا يتأثر به العامة من إنشاء القاهرة وبناء الأزهر. وإما أن يكون تجاهلاً لغرض ليس للدين به أية صلة.

ولا يفوتنا أن نذكر أن الإخوان قد شعروا في الأيام الأخيرة بالنظر الشذر الذي يرمقهم به الناس من جراء التطور السريع الذي حدث في مبادئهم فأرادوا أن يغطوا موقفهم بترديد مقال للمرشد العام قاله منذ عشر سنوات. ولا أرى ترديد ذلك المقال القديم يغني من الحق شيئًا إن كان الواقع يكذبه، والشواهد كلها إلب عليه. ولو أننا لا نخلي أغلب الهيئات التي تناوءهم من التحامل المغرض والخصومة التي ليس لها من سبب إلا الحسد وقصد التشهير للتشهير ذاته إلا أننا نشهد أنهم انحرفوا في الأيام الأخيرة عن الجادة التي كانوا من قبل قد رسموها لأنفسهم لا من حيث الاشتغال بالأمور السياسية فحسب، ولكن من حيث التراجع عن المبادئ القويمة التي كانوا ينادون بها ويجعلون ختامها (الموت في سبيل الله أسمى أمانينا)، والتراخي في الاستمساك بها تحت ضغط الظروف التي جعلت من الأستاذ نصيف ميخائيل والشيخ المحترم لويس فانوس بك وميريت بك غالي إخوانًا ينضوون تحت راية الإخوان المصريين".

ويعلق على هذا المقال أيضاً أبو عبدالأعلى خالد بن محمد بن عثمان المصري في كتابه (دفع بغي الجائر الصائل على إمام الجرح والتعديل وعلى المنهج السلفي وأئمته بالباطل) فيقول:

"ويقول التلمساني –من مرشدي الإخوان- في تصريح له : "الإخوان جماعة عالمية للمسلم وغير المسلم، والعلاقة بيني وبين الأب شنودة زعيم الأقباط في منتهى الوُّد". وسئل مهدي عاكف - المرشد الحالي للإخوان- موقف الإخوان من أقباط مصر؟ فأجاب: "علاقة طيبة.. طول عمري أحبائي الأقباط، وكنت عضواً في اللواء المسيحي زمان أو ما يطلق عليه الآن الشبان المسيحيين، وكلهم أصدقائي.. وكلمة الفتنة الطائفية مدسوسة على مصر.. نحن نسيج وشعب واحد..لهم ما لنا وعليهم ما علينا. بل صرَّح مهدي عاكف بأنه على استعداد أن يرسل عشرة آلاف مقاتل إلى الرافضي الخبيث (حسن نصر) – قائد الحزب الشيعي الرافضي في لبنان - كما تواتر هذا النقل عنه، وأنكر هذا عليه بعض من يتعاطف مع حزب الإخوان. فهذا حال مرشدي الإخوان، ذرية بعضها من بعض؛ قد اتفقوا على موالاة النصارى والرافضة! وهذا مرجع الإخوان في الفتيا: يوسف القرضاوي يقدم العزاء في طاغوت الأمة النصرانية في هذا الزمان –بابا الفاتيكان- ويدعو له بالرحمة، حيث قال: "الحبر الأعظم البابا يوحنا بولس الثاني بابا الفاتيكان والكنيسة الكاثوليكية، وأعظم رجل يشار إليه بالبنان في الديانة المسيحية، لقد توفي بالأمس وتناقلت الدنيا خبر هذه الوفاة ومن حقنا - أو من واجبنا - أن نقدِّم العزاء إلى الأمة المسيحية وإلى أحبار المسيحية في الفاتيكان، وفي غير الفاتيكان وبعضهم أصدقاء لنا.."، إلى أن قال: "لا نستطيع إلا أن ندعو الله تعالى أن يرحمه ويثيبه بقدر ما قدَّم من خير للإنسانية، وما خلف من عمل صالح أو أثر طيب، ونقدم عزاءنا للمسيحيين في أنحاء العالم، ولأصدقائنا في روما وأصدقائنا في جمعية سانت تيديو في روما، ونسأل الله أن يعوِّض الأمة المسيحية فيه خيًرا".

ثم يقول أبو عبدالأعلى خالد بن محمد بن عثمان المصري:

روى الشيخان الشقيقان: محمد وحسن بن عبدالوهاب – حفظهما الله - قصة لقاء الشيخ محمد حامد الفقي – مؤسس جماعة أنصار السنة - بحسن البنا – مؤسس حزب الإخوان - وقد سمعت القصة من كليهما مباشرة، وأسوق هنا رواية الشيخ حسن كما سجَّلها بنفسه في تقديمه لكتابي (التفجيرات والأعمال الإرهابية والمظاهرات من منهج الخوارج والبغاة وليست من منهج السلف الصالح): "وقد حدث لقاء تاريخي هام بين الشيخ محمد حامد الفقي - مؤسس جَماعة أنصار السنة المحمدية - وحسن البنا يظهر لنا حقيقة منهج الإخوان، وذلك لَما زار حسن البنا الشيخ حامد الفقي في مقر جماعة أنصار السنة المحمدية الكائن في حارة الدمالشة بعابدين رقم (10)، منذ ما يقرب من ستين سنة، وعرض حسن البنا على الشيخ حامد التعاون معه على الدعوة إلى الله، فسأله الشيخ حامد: على أي أساس وعلى أي منهج نتعاون؟ فأجاب البنا: ندعو الناس إلى الإسلام، فقال الشيخ حامد: الكُلُّ يدَّعي الدعوة للإسلام، ولكن نحن أُمرنا أن ندعو إلى العقيدة الإسلامية الصحيحة المبنية على التوحيد الخالص والبراءة من الشرك، والتي دعا إليها الرسل جميعًا عليهم السلام، وعلى رأٍسهم خاتمهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقال البنا: نجمع الناس أولاً على الإسلام الذي يعرفه الجميع ثم ندعوهم إلى التوحيد، فقال الشيخ حامد: بل ندعوهم إلى التوحيد أولاً كما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بدء الدعوة في مكة، فرد البنا: لو دعونا الناس إلى التوحيد لانفض الناس عنا، فقال الشيخ حامد: ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء. فلم يوافق أحدهما الآخر وافترقا على هذا، وهذه فحوى اللقاء كما سمعتها من أكثر من واحد من إخواني من أنصار السنة القُدامى، وعلى رأسهم شقيقي الشيخ محمد، والأستاذ أحمد الغريب؛ فالخبر ثابت عن أكثر من واحد من الثقات".

وفيما يلي فتوى العلامة محمد بن عبدالوهَّاب كما نشرها أبو عبدالأعلى خالد بن محمد بن عثمان المصري في تقديمه لكتابه (التفجيرات والأعمال الإرهابية والمظاهرات من منهج الخوارج والبغاة وليست من منهج السلف الصالح):

"وكان أول من سنَّ بدعة الخروج على الحكَّام في العصر الحديث هو حسن البنا، وذلك عن طريق المظاهرات والانقلابات، ولقد كنت فتًى في مُقتبل العمر حينما ظهر حسن البنا على الساحة، وأسَّس حزب الإخوان المفلسين، وكنت أصاحب شباب الخوان- وأنا عمري حوالي تسع سنوات - إلى قصر الملك فؤاد - ملك مصر في ذاك الوقت – ونقول: إلَى أنقرة يا ابن الْمَرَا، وذلك أن الملك فؤاد أصله تركي. وفي حوالي سنة 1936م التحقت بأنصار السنة، وكان من ضمن أصفيائي ثلاثة شباب: حسن جمالي، ومحمد مُنْجي، ومحمد بشار، وهؤلاء الثلاثة كانوا من التنظيم السري لجماعة الإخوان، رغم أنهم كانوا سلفيي العقيدة، وكان حسن جمالي ومحمد منجي دائمًا يجهران بالعقيدة السلفية، وحسن البنا يجاريهما بذكر كلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن عبدالوهاب، وهذا من عجيب أمرهم: فقد كانوا يعلمون السلفية ولا يعملون بها كحال بعض الأدعياء في هذه الأيام، وقد استأجروا فيلا في عزبة النخل، كانوا يصنعون فيها القنابل، وكان أجرؤهم حسن جمالي؛ فهو الذي كان يحمل القنابل ويرميها في المحلات التجارية، وفي المجتمعات. وهذا من مفارقات حسن البنا أنه يعلم التوحيد والشرك، ولا يتكلم فيهما أبدًا، وذلك أنه كان أحد أصدقائي، واسمه: سيد سعد في الإسماعيلية، وكان البنا يُجالس مَنْ يستغيث بغير الله، ومَنْ يقول إن الرسول خُلِق من نور، ومَنْ يُعلِّق التمائم والأحجبة، وكان سيد سعد يقول له: أليس هذا من الشرك؟! ألا تنهاهم عنه؟! فكان البنا يجيبه: بعدين، ليس هذا وقته؛ فقال له: كيف إذا مِتَّ قبل أن تُعلِّمهم، كيف يكون موقفك بين يدي الله؟ فأجاب: أنا أعرف كيف أجيب!! وعندها نفض سيد سعد يديه من البنا وتركه. ومن تأصيلات البنا الفاسدة قوله: إن كل الفرق المنتسبة إلى الإسلام على حق، ولذلك كان حزبه يجمع بين الصوفي، والشيعي، والخارجي، والأشعري".


[1] القرآن الكريم: سورة آل عمران – الآية 85

[2] القرآن الكريم: سورة الأنعام – الآية 71

[3] إنظر مجموعة كتب الإخوان في قائمة المراجع والمصادر

[4] القرآن الكريم: سورة آل عمران - الآية 164

[5] الغزالي، محمد: من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي – (صفحة 206‏)

[6] حوى، سعيد: المدخل إلى دعوة الإخوان المسلمين– القاهرة، مصر، مكتبة وهبة، ط3، 1984‏ (صفحة 25)

[7] علال الفاسي: سياسي وأديب مغربي، مؤسس حزب الاستقلال وزعيم الحركة الوطنية المغربية، وأحد أعلام الحركة الإسلامية الحديثة التي ظهرت في القرن العشرين، التي دعت إلى نوع من السلفية التجديدية.

[8] الزركلي، خير الدين: الأعلام.. قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين – بيروت، لبنان، دار العلم للملايين، ط15، 2002 (ج 3 - الصفحة 148)

[9] إنظر كتاب (الإمام) للمؤلف: أحمد أنس عبدالوارث الحجاجي السكرتير الخاص للمرشد حسن البنا، وفيه فقرات كثيرة تمجد وتقدس "الإمام" حسن البنا. وأيضاً كتاب (مراحل التطور الفكرى فى حياة سيد قطب) للمؤلف: حسين بن محمود الذي نصب نفسه محامي دفاع عن سيد قطب وأفكاره!

[10] البنَّا، حسن: مذكرات الدعوة والداعية – القاهرة، مصر، الكويت، مكتبة آفاق، ط1، 2012‏ (صفحة 85)

[11] إنظر (مائة موقف من حياة المرشدين لجماعة الإخوان المسلمين) – المؤلف محمد عبدالحليم حامد، الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين

[12] مقالات ومنشوارت وفتاوى - موقع حقيقة الإخوان المسلمين

[13] فتاوى أهل العلم فى الإخوان - موقع حقيقة الإخوان المسلمين

[14] مجموع فتاوى و مقالات ابن باز - (ج 8 / ص 30)

[15] هناك فتوى سابقة رقم (6250) رداً على سؤال: في العالم الإِسلامي اليوم عدة فرق وطرق الصوفية مثلاً: هناك جماعة التبليغ، الإِخوان المسلمين، السنيين، الشيعة، فما هي الجماعة التي تطبق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟ فكان الجواب: "أقرب الجماعات الإِسلامية إلى الحق وأحرصها على تطبيقه: أهل السنة: وهم أهل الحديث، وجماعة أنصار السنة، ثم الإِخوان المسلمون". (الجزء رقم: 2، الصفحة رقم: 238)، وبالجملة فكل فرقة من هؤلاء وغيرهم فيها خطأ وصواب، فعليك بالتعاون معها فيما عندها من الصواب، واجتناب ما وقعت فيه من أخطاء، مع التناصح والتعاون على البر والتقوى. وأيضاً فتوى رقم (6280): رداً على سؤال: الجماعات والفرق الموجودة الآن أقصد بها جماعة الإخوان المسلمين، وجماعة التبليغ، وجماعة أنصار السنة المحمدية، والجمعية الشرعية، والسلفيين، ومن يسمونهم التكفير والهجرة، وهذه كلها وغيرها قائمة بمصر أسأل ما موقف المسلم منها؟ وهل ينطبق عليها حديث حذيفة رضي الله عنه: « فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك » رواه الإمام مسلم في الصحيح؟ فكان الجواب:  "كل من هذه الفرق فيها حق وباطل وخطأ وصواب، وبعضها أقرب إلى الحق والصواب وأكثر خيرًا وأعم نفعًا من بعض، فعليك أن تتعاون مع كل منها على ما معها من الحق وتنصح لها فيما تراه خطأ، ودع ما يريبك إلى ما لا يريبك". (الجزء رقم: 3، الصفحة رقم: 343). إنظر الموقع الرسمي: الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإِفتاء، عضوية: عبدالله بن قعود، عبدالله بن غديان، عبدالرزاق عفيفي، ورئاسة الشيخ عبدالعزيز بن باز.

[16] موقع الشيخ عبدالعزيز إبن باز

[17] مجموع فتاوى و مقالات ابن باز - (ج 7 / ص 107)

[18] أقوال علماء السنة فى جماعة الاخوان المسلمين – موقع الإسلام اليوم

[19] مجموع فتاوى و مقالات ابن باز - (ج 8 / ص 217)

[20] فتاوى أهل العلم فى الإخوان - موقع حقيقة الإخوان المسلمين

[21] أقوال علماء السنة فى جماعة الاخوان المسلمين – موقع الإسلام اليوم

[22] فتاوى أهل العلم فى الإخوان - موقع حقيقة الإخوان المسلمين

[23] فتاوى أهل العلم فى الإخوان - موقع حقيقة الإخوان المسلمين

[24] فتاوى أهل العلم فى الإخوان - موقع حقيقة الإخوان المسلمين

[25] فتاوى أهل العلم فى الإخوان - موقع حقيقة الإخوان المسلمين

[26] فتاوى أهل العلم فى الإخوان - موقع حقيقة الإخوان المسلمين

[27] فتاوى أهل العلم فى الإخوان - موقع حقيقة الإخوان المسلمين

[28] أقوال علماء السنة فى جماعة الاخوان المسلمين – موقع الإسلام اليوم

[29] فتاوى أهل العلم فى الإخوان - موقع حقيقة الإخوان المسلمين

[30] مقابلة صحفية: جريدة الأهرام (حوار أجراه صلاح منتصر)، تشرين ثاني/نوفمبر 1981

[31] السعيد، سناء: الشعراوي بين السياسة والدين – القاهرة، مصر، دار الفتح للإعلام العربي، 1997‏ (صفحة 73)

[32] مقال صحفي: (الانتماء إلى حزب ديني ليس من ركائز الإسلام) – صحيفة العرب، 23/10/2013

[33] أبو العينين، سعيد: الشعراوي الذي لا نعرفه – القاهرة، مصر، دار أخبار اليوم، ط4، 1995‏ (صفحة 68-69)

[34] فتاوى أهل العلم فى الإخوان - موقع حقيقة الإخوان المسلمين

[35] لمزيد من التفاصيل عن أفكار سيد قطب ونظرياته الإسلامية والسياسية، يمكن قراءة الكتب التالية:

§       قطب، سيد: الإسلام ومشكلات الحضارة - القاهرة، مصر، دار الشروق، ط11، 1992

§       قطب، سيد: التصوير الفني في القرآن - القاهرة، مصر، دار الشروق، ط16، 2002

§       قطب، سيد: الحياة في ظلال القرآن - القاهرة، مصر، مركز الإعلام العربي، ط4، 2011

§       قطب، سيد: السلام العالمي والإسلام – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط12، 1993

§       قطب، سيد: العدالة الإجتماعية في الإسلام - القاهرة، مصر، دار الشروق، ط13، 1993‏

§       قطب، سيد: المستقبل لهذا الدين - القاهرة، مصر، دار الشروق، ط14، 1993

§       قطب، سيد: النقد الأدبي.. أصوله ومناهجه - القاهرة، مصر، دار الشروق، ط8، 2003

§       قطب، سيد: تفسير آيات الربا – القاهرة، مصر، دار الشروق، 1995

§       قطب، سيد: تفسير سورة الشورى – القاهرة، مصر، دار الشروق، 1995

§       قطب، سيد: خصائص التصور الإسلامي ومقوماته – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط15، 2002

§       قطب، سيد: دراسات إسلامية – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط10، 2002

§       قطب، سيد: دعوة الإخوان المسلمين وعبقرية بناء جماعتها – الإسكندرية، مصر، دار القاسمية

§       قطب، سيد: فقه الدعوة - بيروت، لبنان، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، 1970

§       قطب، سيد: في التاريخ.. فكرة ومنهاج - القاهرة، مصر، دار الشروق، ط8، 2001

§       قطب، سيد: في ظلال القرآن (ستة مجلدات) - القاهرة، مصر، دار الشروق، ط7، 1978

§       قطب، سيد: كتب وشخصيات - القاهرة، مصر، دار الشروق، ط3، 1983

§       قطب، سيد: لماذا أعدموني؟ - جدة، المملكة العربية السعودية، الناشر: هشام ومحمد علي حافظ

§       قطب، سيد: مشاهد القيامة في القرآن – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط14، 2002

§       قطب، سيد: معالم في الطريق – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط6، 1979

§       قطب، سيد: معركة الإسلام والرأسمالية – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط13، 1993

§       قطب، سيد: معركتنا مع.. اليهود – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط12، 1993

§       قطب، سيد: مقومات التصور الإسلامي – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط5، 1997

§       قطب، سيد: نحو مجتمع إسلامي – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط10، 1993

§       قطب، سيد: هذا الدين – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط15، 2001

[36] هذه قائمة بأهم الكتب المنشورة عن عن سيد قطب سواءً مؤيدة أو ناقدة لنظرياته وأفكاره:

§       البليهي، إبراهيم عبدالرحمن: سيد قطب وتراثه الأدبي والفكري

§       الجورشي، صلاح الدين: الحركة الإسلامية في الدوامة.. حوار حول فكر سيد قطب – تونس، دار البراق للنشر،1985

§       الحصين، سعد: فكر سيد قطب بين رأيين – 2012

§       الحصين، سعد: محاكمة فكر سيد قطب بأحكام الوحي والفقه فيه من أهله - 2012

§       الحصين، سعد: مهذب التفسير السياسي للإسلام في فكر المودودي وسيد قطب – 1433ه

§       الخالدي، صلاح عبدالفتاح: أمريكا من الداخل بمنظار سيد قطب

§       الخالدي، صلاح عبدالفتاح: سيد قطب.. الشهيد الحي – عمان، الأردن، دار الفرقان، 1983

§       الخالدي، صلاح عبدالفتاح: سيد قطب.. من الميلاد إلى الاستشهاد – دمشق، سورية، دار القلم / بيروت، لبنان، الدار الشامية، ط2، 1994

§       الخباص، عبدالله عوض: سيد قطب الأديب الناقد

§       السمهوري، رائد: علي الطنطاوي وأعلام عصره (سيد قطب وآخرون) صداقة، خصومة، نقد – بيروت، لبنان، دار مدارك للنشر، ط1، 2012

§       الطيبي، عكاشة عبدالمنان: الشيطان في ظلال القرآن للشيخ سيد قطب – القاهرة، مصر، مكتبة التراث الإسلامي

§       العظم، يوسف: الشهيد سيد قطب

§       الغضبان، منير محمد: سيد قطب ضد العنف

§       المدخلي، ربيع بن هادي عمير: أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره

§       المدخلي، ربيع بن هادي عمير: العواصم مما في كتب سيد قطب من القواصم

§       المدخلي، ربيع بن هادي عمير: المجموع الممجد لمؤلفات ومقالات الشيخ ربيع في سيد قطب وأخيه محمد – دار الاستقامة، 2012

§       المدخلي، ربيع بن هادي عمير: حقيقة دعوة الإخوان المسلمين.. ويليه سيد قطب هو مصدر تكفير المجتمعات الإسلامية – دار المنهاج، 2012

§       المدخلي، ربيع بن هادي عمير: قول سيد قطب بعقيدة وحدة الوجود والحلول والجبر ودفاعه عن عقيدة النيرفانا الهندوكية البوذية

§       المدخلي، ربيع بن هادي عمير: مطاعن سيد قطب في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

§       المدخلي، ربيع بن هادي عمير: من أصول سيد قطب الباطلة المخالفة لأصول السلف

§       المدخلي، ربيع بن هادي عمير: نظرات في كتاب التصوير الفني في القرآن الكريم لسيد قطب

§       المدخلي، ربيع بن هادي عمير: نظرة سيد قطب إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

§       الموصللي، أحمد: الأصولية الإسلامية.. دراسة في الخطاب الإيديولوجي والسياسي عند سيد قطب.. بحث مقارن لمباديء الأصوليين والإصلاحيين – بيروت، لبنان، الناشر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، 1993

§       الندوي، أبو الحسن: التفسير السياسي للإسلام في مرآة كتابات الأستاذ أبي الأعلى المودودي والشهيد سيد قطب – دار أفاق الغد، 1980

§       النمنم، حلمي: سيد قطب وثورة يوليو – القاهرة، مصر، ميريت للنشر والمعلومات، 1999

§       بدير، بدير محمد: سيد قطب ومنهجه في الدعوة

§       بركات، محمد توفيق: سيد قطب.. خلاصة حياته ومنهاجه في الحركة والنقد الموجة إليه – بيروت لبنان، دار الدعوة

§       بركة، محمد سيد: سيد قطب.. صفحات مجهولة

§       بن محمود، حسين: مراحل التطور الفكرى فى حياة سيد قطب - دار الجبھة للنشر والتوزیع، 1429ه

§       حسن، عبدالباقي محمد: ديوان سيد قطب

§       حسن، عبدالباقي محمد: سيد قطب حياته وأدبه

§       حمودة، عادل: سيد قطب.. من القرية إلى المشنقة.. سيرة الأب الروحي لجماعات العنف – دار الخيال، 1987

§       دياب، محمد حافظ: سيد قطب.. الخطاب والإيديولوجيات – بيروت، لبنان، دار الطليعة، 1988

§       زرواق، نصير: مقاصد الشريعة الإسلامية في فكر الامام سيد قطب

§       سليمان، العشماوي أحمد: العالم الرباني الشهيد سيد قطب - 1969

§       طه، أحمد: منهجية البحث عند سيد قطب - 2014

§       عبدالفتاح، علي: سيد قطب.. سيرة ذاتية – الكويت، شركة الربيعان للنشر والتوزيع، 1996

§       فضل الله، مهدي: مع سيد قطب في فكرة السياسي والديني

§       قطب، محمد علي: سيد قطب أو ثورة الفكر الإسلامي

§       يونس، شريف: سيد قطب والأصولية الإسلامية – القاهرة، مصر، دار طيبة للدراسات والنشر، ط1، 1995

§       لجنة من الأساذة والباحثين: سيد قطب وحزبه... تاريخ أسود (كشف الستار عما خفي من الأسرار)

[37] إنظر مجموعة كتب ومقالات عن سيد قطب في الموقع الرسمي للعلامة الشيخ ربيع بن هادي عمير المدخلي

[38] إنطر كتاب الشيخ ربيع بن هادي المدخلي (أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره)، الفصل الثانى بعنوان "موقف سيد من عثمان ومعظم الصحابة رضي الله عنهم"

[39] قطب، سيد: العدالة الإجتماعية في الإسلام – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط5، صفحة 206

[40] قطب، سيد: العدالة الإجتماعية في الإسلام – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط5، صفحة 186

[41] قطب، سيد: العدالة الإجتماعية في الإسلام – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط5، صفحة 186

[42] قطب، سيد: العدالة الإجتماعية في الإسلام – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط13، صفحة 159

[43] قطب، سيد: العدالة الإجتماعية في الإسلام – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط5، صفحة 186-187

[44] معاوية قد استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتباً للوحي، واستعمله أبوبكر وعمر على الشام؛ ‏فكيف يطعن في عثمان بتوليته!

[45] قطب، سيد: العدالة الإجتماعية في الإسلام – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط5، صفحة 187

[46] قطب، سيد: العدالة الإجتماعية في الإسلام – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط5، صفحة 187

[47] قطب، سيد: العدالة الإجتماعية في الإسلام – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط5، صفحة 189

[48] السيقة: ما استاقه العدو من الدواب. قال الأزهري. انظر: "لسان العرب" (10/166)

[49] قطب، سيد: العدالة الإجتماعية في الإسلام – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط13، صفحة 161

[50] قطب، سيد: العدالة الإجتماعية في الإسلام – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط13،‏ صفحة 161

[51] قطب، سيد: العدالة الإجتماعية في الإسلام – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط13،‏ صفحة 161

[52] قطب، سيد: العدالة الإجتماعية في الإسلام – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط13،‏ صفحة 161

[53] قطب، سيد: العدالة الإجتماعية في الإسلام – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط12،‏ صفحة 190-191

[54] قطب، سيد: العدالة الإجتماعية في الإسلام – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط13،‏ صفحة 162

[55] قطب، سيد: العدالة الإجتماعية في الإسلام – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط5،‏ صفحة 193

[56] قطب، سيد: العدالة الإجتماعية في الإسلام – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط5،‏ صفحة 193

[57] وقد ذكر سيد قطب نفسه هذا التفضيل من عمر (صحفة 204) من هذا الكتاب، ولام عليه عثمان.

[58] قطب، سيد: العدالة الإجتماعية في الإسلام – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط5،‏ صفحة 193-194

[59] قطب، سيد: العدالة الإجتماعية في الإسلام – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط5،‏ صفحة 207

[60] قطب، سيد: العدالة الإجتماعية في الإسلام – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط5،‏ صفحة 209

[61] قطب، سيد: العدالة الإجتماعية في الإسلام – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط5،‏ صفحة 208

[62] قطب، سيد: العدالة الإجتماعية في الإسلام – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط12،‏ صفحة 161

[63] قطب، سيد: العدالة الإجتماعية في الإسلام – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط5،‏ صفحة 223

[64] قطب، سيد: العدالة الإجتماعية في الإسلام – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط5،‏ صفحة 208

[65] قطب، سيد: العدالة الإجتماعية في الإسلام – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط5،‏ صفحة 209

[66] قطب، سيد: العدالة الإجتماعية في الإسلام – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط5،‏ صفحة 209-210

[67] قطب، سيد: العدالة الإجتماعية في الإسلام – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط5،‏ صفحة 210

[68] قطب، سيد: العدالة الإجتماعية في الإسلام – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط5،‏ صفحة 210

[69] قطب، سيد: العدالة الإجتماعية في الإسلام – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط5،‏ صفحة 200

[70] قطب، سيد: العدالة الإجتماعية في الإسلام – القاهرة، مصر، دار الشروق، ط5،‏ صفحة 199-200

[71] قطب، سيد: كتب وشخصيات - القاهرة، مصر، دار الشروق، ط3، 1983‏ (صفحة 242-243)

[72] موقع حقيقة الإخوان

[73] هو يشير إلى كتابات سيد قطب

[74] مذكرات القرضاوي -ابن القرية والكُتاب 17 – الموقع الرسمي يوسف القرضاوي

[75] الغزالي، محمد: من هنا نعلم – (صفحة 12)

[76] قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (11/397) في حوادث سنة 402: "وفي ربيع الآخر منها كتب هؤلاء ببغداد محاضر تتضمن الطعن والقدح في نسب الفاطميين، وهم ملوك مصر وليسوا كذلك، وإنما نسبهم إلى عبيد بن سعد الجرمي، وكتب في ذلك جماعة من العلماء والقضاة والأشراف والعدول، والصالحين والفقهاء والمحدِّثين، وشهدوا جميعًا أن الحاكم بمصر هو منصور بن نزار الملقب بالحاكم -حكم الله عليه بالبوار والخزي والدمار- ابن معد بن إسماعيل بن عبد الله بن سعيد، لا أسعده الله، فإنه لما صار إلى بلاد المغرب تسمى بعبيد الله، وتلقب بالمهدي، وأن من تقدَّم من سلفه أدعياء خوارج، لا نسب لهم في ولد علي بن أبي طالب، ولا يتعلقون بسبب وأنه منزه عن باطلهم، وأن الذي ادعوه إليه باطل وزور، وأنهم لا يعلمون أحدًا من بيوتات علي بن أبي طالب توقف عن إطلاق القول في أنهم خوارج كَذَبة، وقد كان هذا الإنكار لباطلهم شائعًا في الحرمين، وفي أول أمرهم بالمغرب منتشرًا انتشارًا يمنع أن يدلس أمرهم على أحد، أو يذهب وهم إلى تصديقهم فيما ادعوه، وأن هذا الحاكم بمصر هو وسلفه كفَّار فسَّاق فجَّار ملحدون زنادقة معطلون وللإسلام جاحدون، ولمذهب المجوسية والثنوية معتقدون، قد عطَّلوا الحدود، وأباحوا الفروج، وأحلوا الخمر وسفكوا الدماء، وسبُّوا الأنبياء، ولعنوا السلف، وادعوا الربوبية".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق