ميلاد الجماعة في سورية

كان تأسيس حسن البنَّا لحركة الإخوان المسلمين رد فعل متوقعاً منه في ظل تشتت الأمة الإسلامية ووقوعها تحت الاستعمار البريطاني والفرنسي والإيطالي والغزو الفكري الأوروبي للوطن العربي، حيث أخذ حسن البنَّا يدعو الناس للعودة إلى السلام ونشر مبادىء الإسلام الصحيح في جميع المدن المصرية وأريافها. وكان عام 1933 هو بداية ظهور "الفكرة الإسلامية" بشكل عام وانتشار الأفكار الإخوانية بصورة خاصة كردّة فعل على الغزو الفكري الأوروبي وترويج المباديء العلمانية.

وكان يوجد عدة جمعيات إسلامية في سورية سبقت ميلاد تنظيم الإخوان ومنها: جمعية الشبان المسلمون في دمشق، جمعية دار الأرقم في حلب، جمعية الإخوان المسلمون في حماة، الرابطة الدينية في حمص، جمعية الأنصار في دير الزور، وجمعية الشبان المسلمين في اللاذقية.

وكانت بداية نشأة تنظيم الإخوان فعلياً فى سورية[1] على يد الشيخ محمد الحامد[2] الذي جلب "فكرة الإخوان" من مصر بعد عودته من الأزهر عام 1937، ثم قامت الجماعة بتأسيس أول مركز مُرخص لهم في مدينة حلب تحت إسم "دار الأرقم" وكان من أبرز المؤسسين عمر الأميري وعبدالقادر السبسبي وأحمد بنقسلي وفؤاد القسطل وعبدالوهاب التونجي وسامي الأصيل. وفي مدينة حمص أُسست "جمعية الرابطة الدينية" وكان سكرتيرها العام مصطفى السباعي، وفي مدينة دمشق تأسست جمعية الشبان المسلمين وكان على رأسها الشيخ محمد المبارك، ومن أعضائها فايز الميت، ومحمد خير الجلاد، وبشير العون، وزهير الوتار، وفي عام 1939 أُسست  في مدينة حماة "جمعية الإخوان المسلمون" وكان من أبرز مؤسسيها الشيخ محمد الحامد الذي كان يرتبط بعلاقة شخصية قوية مع حسن البنَّا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر والذي يعتبر تاريخياً هو الأب الروحي للجماعة بشكل عام.

وقررت الجماعة اتخاذ مقرها "دار الأرقم" في مدينة حلب مركزاً رئيسيا لسائر الجمعيات الإخوانية، ليقوم بالتنسيق بين جميع المراكز في سورية، خاصة خلال الحرب العالمية الثانية، التي تعذر خلالها عقد المؤتمرات، واكتفي فيها بأن يقوم المركز الرئيسي بمهامه، وأن يتصل أمناء سر الجمعيات بعضهم ببعض للتنسيق. وفي عام 1943 عُقد مؤتمر رابع في مدينة حمص، اشترك فيه ممثلو المراكز في سورية ولبنان، وأقر بقاء "دار الأرقم" في مدينة حلب مركزًا رئيسياً، واتخذ قرارات بإحداث منظمتي السرايا والفتوة في كل مركز، والعناية بالناحيتين الرياضية والإقتصادية إلى جانب النواحي الثقافية والاجتماعية والقضايا الإسلامية والعربية العامة.

وقد اُعلن رسمياً عن تأسيس جماعة الإخوان المسلمون (فرع سورية) بتاريخ 03/02/1945 بعد تسجيلها في وزارة الداخلية السورية وصدور وثيقة تأسيسية بعنوان "أهدافنا ومبادئنا"، وفي شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1945 عقدت فروع الإخوان فى بلاد الشام مؤتمرها الخامس في مدينة حلب، وقررت إلغاء المركز الرئيسي فيها، وتأليف لجنة مركزية عليا في مدينة دمشق مشكلة من ممثل عن كل مركز أو جمعية، واتخذت لها مكتباً دائماً، وجعلت على رأس هذه اللجنة مراقبًا عامًّا هو الشيخ مصطفى السباعي، ليكون بذلك أول مراقب عام لجماعة الإخوان المسلمون (فرع سورية). وتقرر عقد إجتماعات دورية تباشر الإشراف على الفروع المختلفة، كما تم الاتفاق بالتنسيق مع الإخوان في مصر وفلسطين على توحيد أسماء الجمعيات بإسم (الإخوان المسلمين)، وعلى توحيد النُظم فيها. ووثق الإخوان المسلمين فى سورية صلتهم بالإخوان المسلمين فى مصر، واعتبر الإخوان فى سورية منذ اللحظة الأولى لتأسيس جماعتهم أنهم جزء لا يتجزأ من جماعة الإخوان المسلمين التي أسسها حسن البنَّا فى مصر عام 1928 وكانوا يكتبون فى لوائحهم منذ أول تشكيل وفي المادة الأولى من اللائحة الداخلية "الإخوان المسلمون فى سوريا جزء من جماعة الإخوان المسلمين التي أسسها الإمام الشهيد حسن البنَّا".

ثم عُقد مؤتمر في يبرود في شهر أيلول/سبتمبر 1946 والذي أخذ شكل المؤتمر التأسيسي، شارك فيه ممثلون عن بلدات ريف دمشق (برزة، داريا، التل، منين، زملكا، يبرود، النبك) ومدن حمص واللاذقية ودير الزور وريف إدلب وبلدات في الساحل السوري مثل الحفة وبانياس مع وجود شخصيات إخوانية معروفة سابقاً من مدن حماة وحلب. وبعد ذلك المؤتمر دخلت دعوة الإخوان في سورية ولبنان مرحلة  تنظيمية جديدة اتسمت بالتوحد فى الإسم والأهداف والنظم الفاعلة فى جميع المجالات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية من خلال مؤسساتها التنظيمية مثل الأسرة والكتيبة ومنبر الجمعة والكتاب الإسلامي وجريدة المنار السياسيّة اليوميّة وذلك من خلال عدة مؤسسات ومنظمات تم إنشاؤها في كل مركز وارتبطت تلك المنظمات معًا برباط واحد، وهو التنظيم العام للإخوان المسلمون فى سورية. وكانت من أهم مناطق نفوذ جماعة الإخوان المسلمون (فرع سورية) تتمركز في مدن حماة وحمص وحلب وبعض أرياف إدلب ودمشق. وبدأت الجماعة بمحاولة فرض رؤيتها وإرادتها على الدولة السورية بمخاطبة وزير المعارف في الجمهورية السورية بمناسبة إنعقاد إجتماعات لجنة صياغة الأهداف في مجلس المعارف الكبير، وطلبوا منه أن يتم الإهتمام بدروس الدين الإسلامي في جميع المدارس وتأهيل مدرسيها وتدريس التاريخ الإسلامي والقرآن والحديث النبوي مع العناية بتفسيره، وتوفير الوقت الكافي لإقامة الشعائر الدينية الإسلامية، وتكثيف دروس الأخلاق، وتقديم علوم التدبير المنزلية في مدارس البنات.

ومن أبرز المنظمات التي شكلتها جماعة الإخوان المسلمون (فرع سورية) مع بداية تأسيسها:

·     منظمة الفتوَّة: وهي إحدى المنظمات الرئيسية وكانت مؤلفة من جميع مراكز الجماعة، ولها مدربون فنيون يقومون بتدريب الفتيان، ويشرف عليهم أمين عام تابع للجنة المركزية العليا للجماعة الذي يتابع شؤون الفتوَّة ويراقب سيرها ويقوم على تقويتها وتنميتها، وتقوم  بتدريب الشباب تدريبًا عسكريًّا، وتبث فيهم روح الجندية والطاعة للجماعة لتمثل بذلك الجناح العسكري للجماعة فى سورية.

·     منظمة السرايا: وهي من المنظمات التي انفردت بها بعض مراكز جماعة الإخوان المسلمون دون الأخرى فى سورية، وهي منظمة إجتماعية أخلاقية انفرد بها مركز مدينة حلب، وتجمع الفئات المختلفة من الطلاب وأرباب الأعمال والعمال، وتبث فيهم روح التنظيم وتهيّئهم لتلقي الدعوة التي تدعو إليها الجماعة، ويقوم على هذه السريا نقباء وعرفاء يديرون شؤونها ويحققون أهدافها.

·     لجنة الإسعاف الطبي: وكانت  تعمل على توفير الرعاية الصحية للفقراء من المرضى وذوي الاحتياجات الخاصة، وتقدم المساعدات الإغاثية وبعض الرواتب أو الإعانات النقدية أو العينية، وتتكون وارداتها المالية من أموال الزكاة، والصدقات، والتبرعات وغيرها.

وقد أقيم عام 1954 فى مدينة حمص مخيم ضخم للإخوان بجانب بحيرة قطينة حضره حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين فى مصر[3] وكانت الحفاوة البالغة واضحة في استقبال المرشد العام من قيادات جماعة الإخوان المسلمين (فرع سورية)[4]، وقد كتب آنذاك أحد أعضاء الجماعة مقالاً يبشر فيه من أنه إذا استمر الوضع فى سورية على ما هو عليه فسوف يصل الإخوان المسلمون إلى الحكم فى غضون خمس سنوات، ويحذر بأن زيارة المرشد إلى سورية وشعبيته الجماهيرية أثارت حفيظة أعداء الإسلام وعملائهم[5]! وذكرت مجلة (الإخوان المسلمون) السنة الأولى، العدد العاشر بتاريخ 22/07/1954وصفاً لتلك الرحلة قالت فيه:

خرج من دمشق وفد الجماعة الرسمي الذي ذهب لمرافقة فضيلة الأستاذ المرشد في لبنان مؤلفا من فضيلة المراقب العام الدكتور السباعي والأمين العام الأستاذ أديب صالح وأعضاء المكتب ورئيس مركز دمشق والإخوان – وعند الحدود السورية كان وفد رابطة العلماء والتمدن الإسلامي والجمعيات الإسلامية ورئيس مركز حلب ورئيس مركز درعا وفد مركز حماة. وعندما بلغا دمشق نزل فضيلة المرشد ليستقبل المهنئين في قاعة الجمعية الغراء الكبرى وقد جاءت تسلم عليه من جميع المحافظات وفود الإخوان و في المساء أقيم حفل في الدار نفسها فلم ينفض حتى انتصف الليل. وقام الأستاذ المرشد بزيارة القصر الجمهوري وسجل إسمه في سجل التشريفات تم تشرف بمقابلة فخامة رئيس الجمهورية لمدة نصف ساعة وزار أيضا دولة الأستاذ سعيد الغزي رئيس مجلس الوزراء. استعرض فضيلة المرشد فرق الفتوة للإخوان في سوريا وقد خرجت فرقها لاستقباله خارج دمشق.

ومن كلمات حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين فى مصر أثناء هذه الرحلة:

لقد زرت فلسطين ووجدت أشياء تحزن النفس ووجدت أشياء تسر – وأما الذي يحزن فهو الاستكانة التي رانت على القلوب فلم نعمل شيئا من أجل فلسطين منذ عهد هدنة رودس حتى الآن.. لقد أصبحت فلسطين (إسرائيل المزعومة) حقيقة قائمة وأخشى أن أقول أننا نحن أصبحنا مزعومين. إن الدول العربية مشغولة بنفسها وإسرائيل ماضية في عملها.. إن هذا الواقع الأليم جرح عميق في قلوبنا وليس من دواء له إلا الحديد والنار – لا تنتظروا من الحكومات الأجنبية مثل انجلترا وأمريكا شيئا فاعتمدوا على الله ثم على أنفسكم.

من اليمين: محمد المبارك، معروف الدواليبي، محمد محمود الصواف، حسن الهضيبي، مصطفى السباعي

ويقول عصام العطار عن تلك الزيارة: "زرت الأستاذ القليني في بيت محمد كامل التونسي وكان مريضاً ممدداً على السرير متورم الأطراف مصفر الوجه بادي الإعياء. وذهبت بعد ذلك بأيام لزيارة الأستاذ المرشد حسن الهضيبي في بلودان أثناء زيارته التاريخية لسوريا سنة 1954 م فسألني: كيف حال الأستاذ القليبي؟ فأخبرته باشتداد المرض عليه، فقال: إذا رجعت إلى دمشق فأبلغه سلامي وقل له على لساني: إن المسلمين لا يريدون منك الآن إلا أن تهتم بصحتك وزرته في المستشفى الجراحي في (دوما) وقد نقلوه إليه لاشتداد المرض، وأبلغته سلام المرشد الهضيبي وأنه حملني إليه رسالة.. قال: وما هي؟ قلت: إنه يقول لك: إن المسلمين لا يريدون منك الآن إلا أن تهتم بصحتك وتترك ما تقوم به. فانتفض انتفاضة شديدة وقال: وما هي فائدة حياتي وصحتي إذا لم أؤد حق الله عليّ وأقم بواجبي".

وخلال زيارة حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين فى مصر إلى سورية سنة 1954 تم تأسيس المكتب التنفيذي للإخوان المسلمين في البلاد العربية وكان يمثل سورية فيه مصطفى السباعي ومعه عصام العطار.


[1] تاريخ الإخوان المسلمون في سوريا - الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين

[2] الشيخ محمد الحامد: يُعتبر أحد أبرز الدعاة الإسلاميين في سورية، ولد بمدينة حماه عام 1910 م، وبعد ستة أعوام توفي والده، فعاش حياته يتيم الأبوين، وكان أخوه الأكبر بدرالدين الحامد، وعمره خمس عشرة سنة هو الذي ينفق عليه حتى أكمل دراسته الابتدائية سنة 1922، ثم اشتغل عند معلم خياطة للملابس العربية، ليتعلم مهنة الخياطة، وفي الوقت نفسه يتابع طلب العلم الشرعي لدى العلماء في المساجد، وحين افتتحت "دار العلوم الشرعية" عام 1924 م في حماه انتسب إليها. وفي سنة 1928 أنهى الشيخ محمد الحامد دراسته في مدرسة "حماه الشرعية"، فسافر إلى حلب حيث انتسب إلى "المدرسة الخسروية الشرعية"، وكانت تلك المدرسة تعتبر أرقى المدارس في بلاد الشام، فواصل دراسته فيها، مع حضور دروس المشائخ في مساجد حلب، وبخاصة في حلقة عالم حلب الكبير الشيخ نجيب سراج الدين، وفي سنة 1932 عاد إلى حماه بعد أن أنهى دراسته في حلب، ثم سافر إلى مصر سنة 1938 ملتحقاً بالأزهر الشريف ليتم دراسته العالية فيه. واتصل خلال اقامته في مصر بالإمام حسن البنَّا، وصحبه وتتلمذ على يديه وتعلم منه العمل الحركي والدعوي في "جماعة الإخوان المسلمين"، واشتهر بين جماعة الإخوان المصريين بلقب "الشيخ الحموي". وعندما غادر مصر عائداً إلى حماه سنة 1944 كان شديد الحزن على فراق إخوانه بها، وبكى على هذا الفراق في عدة قصائد، ومنها قوله: ذبت يامصر مذ عزمت رحيلاً... ولو استطعت عشت فيك طويلاً.

[3] ذكر هذه الزيارة القيادي الإخواني محمد فاروق البطل في تسجيل فيديو خاص له عن ذكرياته الشخصية مع جماعة الإخوان المسلمون في سورية

[4] إنظر دراسة بعنوان: "الإخوان المسلمون والمؤامرة على سوريا" – إعداد: جابر رزق

[5] موقع إخوان ويكي (ويكيبيديا الإخوان المسلمين) - زيارة المستشار حسن الهضيبي للشام عام 1954م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق