البنية التنظيمية

لم يختلف الهيكل التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين (فرع سورية) منذ نشأتها كثيراً على مدار تاريخها، بل عملت هذه الجماعة على المحافظة على شكله العام، ولكن مع أواسط الثمانينات كانت الظروف السياسية والأمنية التي نتجت عن الصراع الدموي مع النظام البعثي/الأسدي وملاحقة كوادرها وإعتقالهم وتصفيتهم والهجرة القسرية خارج سورية قد أجبرت الجماعة على إجراء بعض التعديلات في هيكلها التنظيمي واللجوء للعمل السري، ورغم أن التجربة الحركية الطويلة للجماعة قد أضفى عليها طابع الثقة في النفس والشعور بالقدرة على تحقيق أهدافها إلا أن الفشل المتواصل كان نتيجة مريرة حصدها زعماء الجماعة الذين رفضوا التغيير وعدم السماح لجيل الشباب بالقيام بدور تنظيمي فاعل.


الهيكل التنظيمي العام لجماعة الإخوان المسلمين متشعب ومعقد بالفعل، ويوجد فروع للجماعة في معظم الدول العربية وهم منتشرون في الكثير من دول العالم. ونلاحظ بأن فرع التنظيم السوري تحديداً مُنتشر عربياً وإقليمياً ودولياً على نطاق واسع، بعكس الفروع الأخرى التي تنشط فقط في بلدانها. لكن هناك قيود كبيرة على نشاط هذه الجماعة في عدة دول تنبهت لخطرهم على الأمن القومي وقامت بملاحقتهم قضائياً وفق قوانينها وأنظمتها الرسمية.

ويُعتبر الفرع السوري لجماعة الإخوان المسلمين حالياً هو الأخطر على الإطلاق، لأنه بقي يعمل بسرية كاملة ولم يكشف أسماء قياداته وكوادره علناً، بعكس التنظيم المصري الذي إنكشف أمنياً وإعلامياً بعد استيلاء جماعة الإخوان المسلمين على الحكم في مصر لمدة سنة كاملة وظهورهم المكثف على المسرح السياسي والإعلامي، ثم حشدهم لجميع كوادرهم في مظاهرات الإحتجاج على إقالة الرئيس الإخواني المخلوع محمد مرسي الذي تم إعلان فوزه بتاريخ 24 يونيو 2012 بنسبة 51.73 % من أصوات الناخبين المشاركين وتولى منصب رئيس الجمهورية رسميا في 30 يونيو 2012 بعد أداء اليمين الجمهوري حتى تم عزله بانقلاب عسكري لإنقاذ البلد من حرب أهلية بعد مظاهرات 30 يونيو 2013.


ويحدد النظام الداخلي لجماعة الإخوان المسلمون (فرع سورية) وجود ثلاث سُلطات مركزية رئيسية فيها:

1-    سلطة تشريعية: متمثلة في مجلس الشورى الذي ينتخب المراقب العام وهو من يعتمد قيادة الجماعة التي يرشحها المراقب العام ويحاسب القيادة ويقر الخطط والسياسات العامة والموازنات والنظام الداخلي.

2-    سلطة تنفيذية: تضم المراقب العام ونوابه وأعضاء قيادة الجماعة، وتكون مهمتهم الرئيسية إدارة شؤون الجماعة واتخاذ القرارات والإجراءات اللازمة لتنفيذ الخطط والسياسات المعتمدة من مجلس الشورى. ويتفرع عنها مكاتب متخصصة مثل المكتب السياسي والمكتب الإعلامي والمكتب المالي ومكتب الشباب ومكتب المرأة بالإضافة للمكتب الأمني الذي يعتبر أهم تلك المكاتب ويعمل بطريقة غامضة وسرية للغاية بعيداً عن الأضواء.

3-    سلطة قضائية: تشمل المحكمة العليا للجماعة التي من بين صلاحيتها محاكمة المراقب العام وأعضاء القيادة، والمحاكم المحلية الفرعية التي تفصل في الخلافات الداخلية بين أعضاء الجماعة.

ويتكون الهيكل التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين (فرع سورية) حسب التنظيم التالي:

·     المكتب الإداري: ينقسم القُطر السوري إلى مكاتب إدارية في المحافظات الأربعة عشر، فلكل محافظة مكتبها الإداري الذي يشرف على المناطق الواقعة في هذه المحافظة، ويجوز أن تتسع حدود المكتب أو تضيق عن حدود المحافظة، ولكل مكتب إداري مجلس يديره، ويرأس المجلس الإداري رئيس الشعبة الرئيسية أو من يختاره قيادة الجماعة من الإخوان الإعضاء العاملين الذين يرون فيهم الكفاءة والثقة، ولكل مكتب وكيل وسكرتير وأمين مالي، وضمن أعضاء المجلس أيضا رؤساء المناطق في دائرة المكتب الإداري، وأعضاء مجلس الشورى في القُطر، ويوزع المكتب الإداري مناطقه في شكل قطاعات لتسهيل مهمة المتابعة في المكتب الإداري، ويضم القطاع الواحد على الأقل ثلاث مناطق.

·     المنطقة: ينقسم المكتب الإداري إلي مناطق، وتتكون المنطقة من كل الشعب الواقعة في دائرة المركز أو القسم (بحد أدنى ثلاث شعب وبحد أقصى عشر شعب)، ويجوز أن تكون حدود المنطقة أوسع أو أضيق من حدود المركز أو القسم. لكل منطقة مركز يديرها، يرأسه رئيس الشعبة الرئيسية، أو من يختاره المركز العام من مجلس إدارة الشعبة، أو من الإخوان الأعضاء العاملين، ويكون للمركز وكيل وسكرتير وأمين صندوق، وضمن أعضاء المركز رؤساء الشعب الداخلة في المنطقة.

·     الشُعبَة: وتنقسم المنطقة إلى شُعَب، والشعبة هي أصغر الوحدات الإدارية في التنظيم، ويتكون لها مجلس لإداراتها ضمن أعضاؤه رئيس الشعبة ونائبه ووكيل وسكرتير وأمين صندوق، وللشعبة جمعية عمومية، وتضم الشعبة كل الإخوان المقيمين في دائرة الشعبة أيا كانت صفتهم، (والحد الأدنى لأعضاء الشعبة خمسة من الإخوان العاملين، بصرف النظر عن عدد المنتظمين والمنتسبين، والحدّ الأقصى خمسة وأربعون من الإخوان العاملين)، وينقسم الإخوان في الشعبة إلى إخوان تحت الإختبار (منتسبين ومنتظمين) وهم الذين إعتنقوا فكرة الإخوان حديثاً، وإخوان عاملين وهم كل من قام بواجبات عضويته وإعتُمدت عضويته من المركز العام وبايع علي ذلك.

·     الأسرة: ينقسم الأعضاء العاملون في الشعبة إلى أُسَر تتشكل الأسرة من سبعة إلى عشرة "إخوة" يترأسهم مسؤول عنهم يسمى "نقيب"، ويتم إختيار النقيب لكل أسرة من أقدمهم في التنظيم أو أكبرهم عمراً[1]، وللأسرة برامج عمل حركية تتغير وتتبدل حسب تعليمات القيادة والظروف المحيطة بهم، وهم يتعايشون ضمن حلقة واحدة مغلقة ويُصَلوّن ويصومون ويفطرون معاً ويذهبون في رحلات جماعية خاصة بهم، ويتكافلون مادياً في صندوق مالي موحد ويتعاونون مع الأسر الأخرى ضمن نفس الشعبة والمنطقة. والجدير بالذكر أنه في التنظيم السري المسلح "الطليعة المقاتلة" تم تقليص عدد أعضاء الأسرة إلى عضوين أو ثلاثة يسمونهم "مجاهدين" وذلك أثناء مرحلة الصراع الدموي مع النظام البعثي/الأسدي الحاكم في سورية وإعتقال وملاحقة أعضاء التنظيم، وهذه الأسر السرية "المجاهدة" لاتتصل ببعضها البعض مباشرة إلا عن طريق مسؤوليها لضمان عدم كشف هويتهم وإعتقالهم[2].

وتعتبر جماعة الإخوان المسلمون (فرع سورية) نفسها تنظيماً طليعياً نخبوياً ريادياً وتعتمد في قبول عضويتها على ترشيح الأشخاص الجدد في صفوفها بناءً على المعرفة الشخصية والقرابة العائلية والعلاقات الأسرية والصداقة الوطيدة وأواصر الثقة بصورة إنتقائية بدلاً من إستقطاب الأعضاء عموماً من الشرائح الشعبية الواسعة[3]، ويخضع المتقدّمون لعضوية الجماعة إلى عملية فحص وتمحيص وتدقيق مطوّلة يجب خلالها للمُنتسب أولاً أن يتم ترشيحه عن طريق إثنين من الأعضاء يعرفونه شخصياً ويقدمون تزكية خطية له، ومن ثم تتم الموافقة على قبول العضو الجديد بواسطة فرع الإخوان المحلي ليتدرّج في العضوية التجريبية ثم يترقى في مناصبها. ومن ثمَّ، وبناءً على إثبات الولاء المطلق للأعضاء الجدد وحسن أدائهم لعملهم، قد تقبلهم القيادة المركزية أو ترفضهم كأعضاء كاملي العضوية في الجماعة.

ويذكر سعيد حوى - القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمون (فرع سورية) وأحد كبار مُنظريها – شروط الدعوة للأسرة[4]:

1.     معرفة إتجاه المدعو بشكل واضح في الحاضر والماضي، والتأكد من سلامة شخصيته.

2.     معرفة إتجاه عائلته وأقاربه.

3.     معرفة زملائه في الوقت السابق واللاحق.

4.     التأكد من وضعه المادي بين بيته والشارع، وطريقة صرفه ونفقاته.

5.     الملاحظة الكاملة والعملية للتأكد من سلامة إعتقاده، وتقدر طول المدة بحسب الحاجة، ومهما طال الإختبار كان أجدى وأنفع، كي نتجنب عملية الدس على الدعوة.

6.     أن يقدم له مبدئياً من الدراسات ما لايعطيه صورة واضحة عن التنظيم، فإذا صفت الفكرة، وتوثقت الصلة، وحسن الظن، وتأكدت سلامة الاتجاه، ضُم إلى أسرة تعريف، مع ملاحظة ألا يلحق فرد جديد بمجموعة قديمة قطعت مرحلة التعريف.

ويوجد ثلاثة مستويات من العضوية في جماعة الإخوان المسلمون (فرع سورية) تبدأ من أدنى رتبة تجريبية (عضو نَصير) إلى العضوية الكاملة (عضو عامل) إلى المستوى الأعلى (نَقيب)، ويتم تنظيم كوادر الإخوان حسب مستوى عضويتهم في خلايا مترابطة تعمل بناءً على أوامر مباشرة تنتقل من المستوى الأعلى إلى المستوى الأدنى، ومن المهم ملاحظة حرص الجماعة الشديد على إخفاء معظم أسماء أعضاؤهم وسرية مشاريعهم ومخططاتهم، ومن المدهش فعلاً أنهم حتى في كتبهم ومذكراتهم الشخصية يحرصون على عدم نشر الأسماء الحقيقية للأشخاص المذكورين فيها، فيها ومثال على ذلك مذكرات عدنان سعد الدين المراقب العام السابق للجماعة الذي يشير للأسماء في مذكراته بطريقة رمزية بالأحرف الأولى فقط رغم مرور 35 سنة على تلك الأحداث ووفاة معظم أؤلئك الأشخاص!! وهذا يؤكد بأن جماعة الإخوان المسلمون (فرع سورية) هي تنظيم سري مشبوه.

يقول زهير سالم المتحدث الرسمي بإسم جماعة الإخوان المسلمون (فرع سورية) عن الهيكلية التنظيمية للجماعة وآلية الإنتخابات فيها[5]: "يجب أن تدرك أننا كنا، منذ نشوئنا، الطرف الأكثر ديمقراطية... يتم إنتخاب كل شخص ومؤسّسة، وهم يقدمون التقارير ويخضعون إلى المساءلة، إنها نوع من الدويلة، لها محكمتها الخاصة، وهلمّ جراً، وقد بقيت مؤسّساتنا الثلاث، مع بعض التغييرات، رغم حقيقة أننا لاجئون منذ الثمانينيات".

وفي مقابلة أجريت سنة 2009 مع علي صدرالدين البيانوني المراقب العام جماعة الإخوان المسلمون (فرع سورية) أوضح أنه يوجد ثلاثة أنواع من أنصار الإخوان الذين ظلوا داخل سورية: "هناك الأشخاص الذين سجنوا ولكن أطلق سراحهم. هم ليسوا كثيرين وعددهم لايزيد عن سبعة آلاف، إنهم موجودون، لكنهم يعيشون في ظل ظروف صعبة، وتتم مراقبتهم باستمرار من جانب الأجهزة الأمنية... وهناك أيضاً مجموعة لم يتم اكتشافها أبداً وهي تنظيم سري لقد ظلوا مخفيين كل هذا الوقت ولم تكتشفهم الأجهزة الأمنية أبداً، أما المجموعة الثالثة والتي هي جديدة، فتصف نفسها بأنها جزء من [الإخوان]، ولكن ليس لدينا علاقات تنظيمية معهم. وهذه هي أكبر مجموعة".

ويتضح من الهيكل التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمون (فرع سورية) وطريقة إنتساب الأعضاء فيه وترقيتهم بأنه يشبه تنظيم "المافيا"، فهو تنظيم سري ومنغلق على نفسه وممنوع دخوله لغير أفراد عائلاته الإخوانية الموثوقة التي تُعتبر بنظرهم "عائلة عريقة مشهود لها بالسمعة الطيبة"، ولذلك تكون دائماً مؤتمرات وإجتماعات الإخوان السياسية والتنظيمية والادارية تحت غطاء نشاطات إجتماعية خاصة لأعضاؤهم فقط، وينظمون إجتماعات عائلية مغلقة في بيوتهم الخاصة التي تقام فيها حفلات الزواج والطهور والعقيقة لتكون ستاراً لهم للتواصل فيما بينهم، حيث يقومون بمناقشة البرامج السياسية والخطط التنظيمية والمشاريع التجارية التى تدير إقتصاديات الجماعة من خلال قياداتها وتستلم التبرعات في حساباتهم الشخصية، وكل ذلك يتم وفق تنظيم عائلي حصري مغلق كان ولا يزال صعباً إختراقه، ويتأكّد ذلك بانغلاق الجماعة على نفسها إجتماعياً، فهى عائلات بينها صلة قرابة وتتصاهر فيما بينها ولا تسمح لأي شخص غريب أن يدخل بينهم، ونساء الإخوان أو (الأخوات) لا يتزوجهنّ إلا (الإخوة) من نفس الجماعة، وهم يسمحون بتعدد الزوجات حتى لا تعاني "الأخوات" من العنوسة وحتى لا يفكّر أحد "الإخوة" بالزواج من غير "الأخوات" فيدخل للجماعة عضواً غير موثوق به من خارج جماعة الإخوان المسلمين، وحتى في الحالات الاستثنائية التي يتم فيها الموافقة على مضض على زواج شخص مستقل من خارج الجماعة من إحدى بناتهم فإنهم يحرصون على إبقائه بعيداً عن شؤونهم الخاصة وترتيباتهم التنظيمية وإجتماعاتهم السرية.

وبهذا الإنغلاق التنظيمي الشديد والعزلة الإجتماعية الصارمة والتمترس الداخلي والإنطواء على أنفسهم يختلف جماعة الإخوان المسلمون (فرع سورية) عن غيرهم من الجماعات الدينية الدعوية المنفتحة على المجتمع بحكم الإتصال المباشر بالناس للترويج لدعوتهم وأفكارهم.

ولدى أتباع جماعة الإخوان إحترام كبير وتبجيل شخصي وتقدير خاص لمشائخهم وقياداتهم يصل لمستوى التقديس، فهم يثقون بـ "ساداتهم وكباريتهم" ثقة عمياء وينقادون لهم بكل سهولة وطواعية بدون أي تفكير وينفذون أوامرهم وتعليماتهم فوراً بدون أي نقاش ويتَّبعون توجيهاتهم حرفياً بدون أي إعتراض أو تردد. ومثال على ذلك، هذه المحادثة بين علي صدر الدين البيانوني الذي كان المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين (فرع سورية) وأصبح رئيس مجلس الشورى لجماعة سورية وزهير سالم الناطق الرسمي سابقاً بإسم لجماعة الإخوان المسلمين (فرع سورية)[6]:



[1] عبدالحليم، محمود محمد: الاخوان المسلمون.. أحداث صنعت التاريخ، رؤية من الداخل - الإسكندرية، مصر، ‏دار الدعوة للطباعة والنشر، ‏‏1979‏ (الجزء الأول: صفحة 256-257)

[2] إنظر مذكرات أيمن الشربجي، قائد تنظيم دمشق للمجاهدين (الطليعة المقاتلة) في جماعة الإخوان المسلمون في سورية.

[3] وقد أكد ذلك القيادي الإخواني محمد فاروق البطل في تسجيل فيديو خاص له عن ذكرياته الشخصية مع جماعة الإخوان المسلمون في سورية

[4] حوى، سعيد: المدخل إلى دعوة الإخوان المسلمين– القاهرة، مصر، مكتبة وهبة، ط3، 1984‏ (صفحة‏ 299)

[5] دراسة بحثية: (الصراع من أجل التكيُّف: جماعة الإخوان المسلمين في سورية الجديدة) - آرون لوند، صحافي وكاتب سويدي خبير في شؤون الشرق الأوسط. له كتب وتقارير عدة تتناول سياسات المعارضة السورية – مركز كارنيغي، 07/05/2013

[6] منشور بتاريخ 12/01/2016 صفحة الفيسبوك – زهير سالم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق